من هو غازي القصيبي؟

غازي القصيبي – الوزير المرافق
غازي القصيبي، وزير ودبلوماسي سعودي، توفي عام 2010، له أسلوب جميل في السرد، ونظرات مفيدة في الأشخاص والحياة، ما يجعل كتاباته ممتعة. 
كلفته المملكة مرات عديدة -كوزير مرافق- بمصاحبة الملوك والرؤساء أثناء زياراتهم الرسمية للمملكة، كما صاحب ملوك السعودية وولاة عهدها في زياراتهم للخارج، فاقترب من علية القوم وحاول فهم شخصياتهم، ثم عنَّ له أن يسجل ملاحظاته عنهم في هذا الكتاب السهل، السلس، الشيق. 


تحدث عن الرئيسين الأمريكيين نيكسون وكارتر، وعن مستشاريهما للأمن القومي كيسنجر وبريجينسكي، وعن المستشار الألماني هيلموت شميدت، وعن العقيد الليبي معمر القذافي، وعن الرئيس التونسي الحبيب بورقيبه، وعن رئيسة الوزراء الهندية أنديرا غاندي، وعن غيرهم. 
حكى قصصا مسلية عنهم تخللتها نظرات مفيدة عن طبيعة الإنسان وطبيعة الحياة. 


من ذلك مثلا ما حكاه عن رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي التي وصفها بأنها أكثر هدوءا ولطفا مما تبدوا للآخرين، وقال إنه سألها عن شعورها وهي تحكم شعبا يبلغ تعداده -آنذاك- 700 مليون نسمة، فانبرت تخبره عن عظم الشعور بالمسؤولية، وتقول له: إنَّ أكبر عائق أمامها هو درجة الوعي المتدنية لدى أغلبية الشعب والتي تستغلها المعارضة استغلالا سيئا، ومن ذلك مثلا أنه بعد توليد الكهرباء من تساقط المياه ادعت المعارضة أن الكهرباء انتزعت روح الماء وقتلت بركته مما سيؤثر سلبا على جودة المحاصيل فصدقها أغلب المزارعين وراحوا يعترضون على مشاريع الحكومة في هذا المجال . 


سألها القصيبي عن المهاتما غاندي وسفره على الدرجة الثالثة في القطار وإن كان حقا يكلف الدولة أكثر مما لو سافر على درجة أعلى فقالت إن ذلك صحيح لأن تكلفة تأمينه وحراسته كانت تجعلنا نخلي الدرجة الثالثة من ركابها، وسألها القصيبي ما إن كان حقا ينام مع امرأتين جميلتين وعن وجهة نظره في ذلك إن صح هذا القول فقالت أنديرا غاندي: إنَّ ذلك صحيح أيضا، فقد قرر في فترة من حياته أن يعتزل الجنس نهائيا وأن يقنع الناس أن بمقدورهم التحكم في أقوى غرائزهم وهي الغريزة الجنسية، ثم أردفت قائلة: كان بوسعه أن يفعل ذلك لنفسه ولا يحول هذا الموضوع الشخصي إلى الفضاء العام، على كل حال أنا لا أنصح أحدا بتقليده.


ومن أنديرا غاندي إلى العقيد معمر القذافي وقصصه الغريبة مع قادة المملكة، ومن ذلك أنه في أحد السنوات أصر على أن تقطع السعودية البترول عن الولايات المتحدة الأميركية عقابا لها على مساندتها إسرائيل، فردت عليه المملكة بأنها لا تستطيع فعل ذلك بمفردها، ولكن يجب أن يكون قرارا عربيا جماعيا وإلا اعتبر تصرفا طائشا بلا نتيجة. يقول القصيبي: كان القذافي يطلب منا ذلك في الوقت الذي نعلم بوسائلنا الخاصة أنه يتواصل مع الولايات المتحدة لإعادة العلاقات معها. 


ويحكي عن القذافي موقفه من وفاة الملك خالد وكيف أن الدول العربية عبرت عن حزنها ببث آيات من القرآن الكريم عبر محطاتها الإذاعية إلا ليبيا التي صرح عقيدها قائلا: إنَّ تاجرا آخر من تجار البترول قد مات. 


يفسر القصيبي شخصية العقيد قائلا: إنه لم يكن مجنونا كما يتصور البعض، وإنما مفتاح شخصيته يكمن في "الطموح الزائد عن الحد"، والذي يصور له أنه زعيم للأمة، وأن رأيه يجب أن يسود في العلاقات الدولية وفي تسيير شؤون الأمم والمجتمعات. 


ومن القذافي إلى المستشار الألماني هيلموت شميدت وحديثه عن كراهية الألمان لتاريخهم العسكري ورغبتهم في السلام وكل ما يجنح إليه من قول وعمل، حتى أنهم بالغوا في ذلك، وكان هذا سببا في أن يبقوا المباني الحكومية متواضعة الهيئة حتى لا يعيدوا زمن الأبهة الهتلرية التي سحقت الفرد بدعوى مصلحة الدولة. 


ثم يتحدث عن الرئيس فرانسوا ميتران وزيارته للمملكة وكيف بدا شخصا متجهما لا يبتسم أبدا وقوله إن الاشتراكية الحقيقية لم تطبق بعد وإنه يأمل أن يكون الشخص الذي يطبقها، ثم تعقيب القصيبي على تلك الزيارة بالقول إنها هدفها كان تصفية أجواء العلاقات ولم يتخللها صفقات. 


ومن ميتران إلى رئيس أوغندا الجنرال عيدي أمين الذي زار المملكة وكان القصيبي وزيرا مرافقا له، وقد طلب القصيبي بنفسه ذلك ليكتشف حقيقة ما يقال عن دموية هذا الرجل، وهل حقا كان يأكل أكباد المعارضين، ويعاشر أعدادا كبيرة من النساء وما إلى ذلك من قصص تنسج حوله، فلما التقاه القصيبي ورافقه وجده إنسانا سطحيا محدود الذكاء، قدم إلى المملكة ويظن أنه يستطيع أن يخدع قادتها إذ طلب منهم "طلبا بسيطا" على حد وصفه يتمثل في الحصول فورا على مليار دولار ومائة دبابة وكميات كبيرة من البترول تحمل فوق الطائرات وتصل إلى أرض المعركة في أوغندا وغير ذلك من طلبات "بسيطة"!


ويحكي القصيبي أن الجنرال عيدي أمين طلب بإلحاح زيارة سوريا أثناء معركة 73 ورغم أن حافظ الأسد لم يكن لديه الوقت لاستقباله لكنه وافق في النهاية تحت الإلحاح، فلما التقى بالأسد كرر عليه مقترحه الذي سبق وقدمه للملكة والقاضي بأن يتخفى مائة طيار عربي في زي سياح ويذهبوا إلى إسرائيل وما إن يصلوا إليها حتى يتسللوا إلى الطائرات الرابضة في مطار بن غوريون ويستقلونها ويضربوا بها إسرائيل من الداخل!


وهكذا يستمر غازي القصيبي في حكاياته المسلية التي تخبرنا عن زوايا خفية في شخصيات الكثير من الملوك والأمراء والرؤساء الذين قابلهم وصاحبهم كوزير مرافق ولا تظهر إلا لمن يقترب منهم ويتعامل معهم. 


الكتاب خفيف وشيق ومسلٍ ولا يخلو من إفادة. رابطه بخانة التعليقات.من هو غازي القصيبي