ديفيد هيوم - زكي نجيب محمود

ديفيد هيوم - زكي نجيب محمود 
حينما يكتب فيلسوف عن فيلسوف تأتي الكتابة بطابع مختلف، طابع فيه من العمق والجمال والمتعة الكثير، وهذا هو حال ما تفضل به الفيلسوف زكي نجيب محمود حينما كتب كتابه هذا عن الفيلسوف الانجليزي ديفيد هيوم (١٧١١-١٧٦٧)، ومن قبله عن برتراند راسل.


دخل الدكتور زكي نجيب محمود بكل ثقلة المعرفي والأدبي في هذا الكتاب، فبسط أفكار هيوم وشرح الصعب منها شرحا مستفيضا واستعان بأمثلة من عنده لتقريب المعنى المراد إلى الأذهان، ويكاد لم يترك فكرة مهمة جاء بها هيوم إلا وأوردها في كتابه، فأصبح مذاك من أهم المراجع العربية -وربما العالمية- في هذا الباب. 


تحدث عن آراء هيوم في المعرفة والأخلاق والدين والسياسة والطبيعة البشرية، فعرفنا بذلك قيمة هذا الفيلسوف الكبير ولماذا كان أثره عظيما على الفلسفة الغربية خاصة والفكر البشري عامة طيلة القرون الثلاثة الماضية. 


من الصعب للغاية تلخيص كتاب زكي نجيب محمود الذي بدوره لخص كتب ديفيد هيوم، لكن يكفي أن نعرف بأن أفكار هذا الرجل أصيلة ورائدة وجديدة وجديرة بأن يتوقف عندها القارئ، من ذلك مثلا ما قاله بخصوص العلاقة بين العقل والحواس والذاكرة والعاطفة، وما قاله بخصوص أنواع المعارف وتقسيمها إلى رياضية وتجريبية ومكانة المعرفة الدينية بين هذين النوعين من المعارف، ومن ذلك أيضا معنى شرعية الحكم وعلاقة ذلك بالقوة وبالانتخابات، وكذلك آراءه في البرهنة على وجود الله وما يثار بشأن طبيعته وتدبيره... وغير ذلك من موضوعات ومباحث كثيرة حتى أن القارئ يشعر وهو يقرأ الكتاب أو يستمع إلى أحدٍ يقرأه عليه أنه قد التحق بقسم الفلسفة بإحدى كليات الآداب وأنه يمضي في هذا القسم سنوات دراسته الأساسية، والحق أنه ذات الشعور الذي انتابني على مدى أيام وأنا عائش مع هذا الكتاب. 


أحيانا، بل أحيانا كثيرة أجد صعوبة في الفهم من أول مرة فأعيد الجزء المقروء لأمسك بخيط المعنى، أقول ذلك رغم أن الذي يكتب ويشرح هو زكي نجيب محمود، فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، الرجل الذي امتلك ناصية اللغة والأسلوب، وصاحب المواهب المميزة في شرح وتبسيط الصعب والمعقد. 


على كل حال، وأنا أمضي مع هذا الكتاب الساعات كان يشغلني تساؤل عن أحوالنا الثقافية في نفس الزمن الذي ألف فيه ديفيد هيوم مؤلفاته.. لقد أنتج الرجل هذه المعرفة العميقة قبل ثلاثمائة عام، وكنا نحن في هذا الوقت نلوك حواشي كتب التراث، ولولا أن ابتعث الله في أمتنا قادة النهضة العربية بعد ذلك بمائة عام ونيِّف كرفاعة الطهطاوي وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد عبده… ثم من واصل المسيرة ممن جاء بعدهم كأحمد أمين وعباس العقاد وزكي نجيب محمود وطه حسين… لبقيت الفجوة بين العقلين العربي والغربي تقدر بنحو ألف عام؛ أي منذ أن غادرنا الغزالي وابن رشد والتوحيدي والرازي والكندي.


عموما، كتاب ديفيد هيوم، لمؤلفه زكي نجيب محمود، من الكتب التي تثقف المرء وتدرب عقله على التفكير والتأمل، والجهد الذي بذله المؤلف في تقريب آراء هيوم تعلمنا كيف يُكسِب الجهد البحثي صاحبه الاحترام والتقدير. 


رابط الكتاب بخانة التعليقات كما يمكن الاستماع إليه للمشتركين في تطبيق storytell.