أكلت يوم أكل الثور الأبيض!
شريفة الغامدي
قصة الثور الأبيض لِمَن لا يعرفها، هي أنه في أحد الأزمنة عاشَ ثلاثة من الثيران في مرجٍ واسع، يرعون ويأكلون ويرتعون بأمانٍ، كان لأحدها لونٌ أبيض والآخر أحمر والأخير أسود, وكان يجاورهم في المرْعى أسدٌ يَطمع في الاغتذاء عليها، ولكنَّه لَم يكنْ قادرًا على ذلك؛ خشية أن تجتمعَ عليه؛ فتَفتِكَ به نَطْحًا.
ولأن الأسدَ لا يُمكنه النَّيْل منها إلا مُنفردة، قرَّر أن يُعْمِل الْحِيلةَ؛ ليَنال مُبْتغاه, وفعْلاً هذا ما لَجَأ إليه، ففي أحد الأيام وجَد الثورين الأسود والأبيض مُنفردين في المرْعى، فاقتربَ من الأسوَد، وهَمَس له ناصحًا بأنَّ رفِيقك الأبيض لافتٌ للنظر، وأنَّه متى جاء صيَّاد للمكان فلن يلبثَ أنْ يهتديَ إليكم بسبب لونه الفاضح, كما أنَّ خيرات المرْعى تناقصتْ مؤخَّرًا، فلو تخلَّصْتُم منه لكفتْكم خيراتُه أنت وأخوك الأحمر، كما أنَّ القِسمة على اثنين خيرٌ منها على ثلاثة.
وهكذا لَم يزلْ به حتى أثَّرَتْ كلماتُه عليه، وأخذتْ في فِكْره القَبول, ولكنَّه لا يعرف كيف يُبِعد الأبيض عن المكان، فقال له الأسد: لا تحمل هَمًّا، أنا أكفيك أمرَه، وما عليك إلا الابتعادُ من هنا، ودَعْ أمرَه لي.
تركَ الأَسْود المكان، فانفردَ الأسد بالثور الأبيض وفتَك به، وعندما عاد الأحمر أوْهَمَه الأَسْوَد بأنَّ الأبيض لَحِق به، وأنَّه للآن لَم يرجِع, وبعد مُرور مدة من الزمن، نُسِي أمرُه ويُئِسَ من عوْدته.
ثم أقبلَ الأسد مرة أخرى مُسْدِيًا نُصحَه للأَسْوَد، ومُذكِّرًا له أنَّ المرْعى لواحدٍ خيرٌ منه لاثنين وهكذا، حتى تَمكَّن الأسد من النَّيْل من الثور الأحمر.
ثم ما لبثَ الأسد أنْ عاد بعد أيَّام وفي عَينيه نظرة فَهمها الثورُ الأسوَد جيِّدًا، فأدْرَك أنَّه لاحِقٌ بصاحِبَيه، فصاحَ: لقد أُكِلتُ يومَ أُكِل الثورُ الأبيض.
والمعنى أنَّه بسماحِهِ للأسَد بأكْلِ صاحبه الأول، فقد وضَع نفسَه في القائمة بعده دون أنْ يدري.
ومَغْزى هذا الْمَثَل بيِّنٌ، فمتى ضَحَّينا بأحدٍ؛ لننالَ مكانه أو ما كان يناله، فقد حَكَمْنا على أنفسنا بنفس مصيره، ووضعْنا أنفسنا بعده في القائمة.
يقول أحدُ الموظفين: عندما الْتَحَقْتُ بالعمل كان مديري يَصِفني بالْحُلم الذي تحقَّق، وأنني أفضلُ مَن عَمِل لَدَيه، وبالَغ حتى صدَّقْتُ كلماته وانتشيْتُ لها، وكان قبلي موظفٌ ينظِّم جميع الأعمال، ويعتمد المدير عليه كثيرًا, فصوَّر لي مديري مَدَى ما يُعَانيه من هذا الموظف, وبأنه، وأنه، وأنه.
ونحن بحاجة لشخص مثل شخْصك، وفِكْرٍ مثل فكرك، ينقلُنا بل يَقفز بنا مسافات إلى الأمام بما تَمتلك من قُدرات ومواهب وخِبرات.
فتصدرت نفسي بزَهْو قائلةً: لا عليك، أنا من سيُنهي كلَّ ما تُعَانيه، وسأفعل، وأفعل.
وفي الحقيقة رُبَّما أوعزتُ له أن أبعده فقط عن هذا المكان، وسترى ما سأفعله.
وكان حقًّا أنْ أبعَدَه وبقيتُ أنا في الصدارة؛ أعمل وأجتهد وأتعب، ولا يَعلم أحدٌ بأني مَن قام بالعمل، فالأوراق لا تُذَيَّل ولا توقَّع باسمي، بل باسم المدير، والأعمال يُقَدِّمها المدير, وأنا أعمل في الظلام، لا يعلم بعملي وكَدِّي وتَعبي أحدٌ.
ثم وجدتُ أعمالاً ليستْ من مهامي تُسْنَدُ إليّ, وبدأتْ نفسي تَضيق بالمكان، فبدأ مديري يُبدي ملاحظاته حول خمولي وتَبَدُّل نشاطي، وأنِّي بدأتُ أرْكَنُ للكسل وغيرها من الصفات التي كانتْ تتردَّد حول ذلك الموظَّف السابق!
فعلمتُ أنَّني أُكِلتُ يومَ أُكِل ذلك الموظف, وأنِّي وقعتُ في الفخِّ، وكأني بالمدير وقد كشَّر عن أنيابه لي, وتنبَّأْتُ بما سيؤول إليه مصيري، فآثرتُ الفِرار بجلدي قبل أن ألحقَ بصاحبي.
إنَّ مَن ينتشي فرحًا لاستبدال غيره به يجبُ عليه الحذرُ من عاقبة فِعْله، فرُبَّما دارتِ الأيَّام وانقلبتِ الحال.
والعِبَر في هذه الحكاية مُمتدة، فالفُرقة والاختلاف في الرأْي تُضْعِفُ الأفراد وتَكسِرهم، وتُمكِّن الأعداء وتحقِّق لهم مآرِبَهم.
تَأْبَى الرِّمَاحُ إِذَا اجْتَمَعْنَ تَكَسُّرًا
وَإِذَا افْتَرَقْنَ تَكَسَّرَتْ آحَادَا
فالفُرقة والتحاسُد والتباغُض والعداء أمورٌ مَنْهيٌّ عنها، وما يَنْهى دينُنا الحنيف عن شيءٍ إلاَّ وهو شرٌّ للبشريَّة، والخير كلُّ الخير في اتِّباع ما شَرعه الله ودعا إليه نبيُّه، ونبْذ الشِّقاق والفُرقة.
إنَّ الأمة الإسلاميَّة متى اجْتمعتْ واتَّحدتْ، لَم تستطعْ أُمَّة مَهْمَا كانتْ قوَّتها النَّيْل منها؛ لأن يدَ الله مع الجماعة، ولأنها مع اتِّحادها مَحمية بربِّها، وهذا ما عُرِف على مَرِّ السنين، فما قَوِيَتْ أُمَّة مُتفرقة مُشَتَّتة، وما ضَعُفَتْ أُمَّة اجْتمعتْ وتكاتَفَتْ وارتبطتْ بربِّها, نسألُ الله أن يَجمعَ شَمْلنا وقلوبَنا على طاعته، وألا يجعلَ في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا.
الالوكة
۩❁
#منتدى_المركز_الدولى❁۩