السيرة الهلالية تغريبة بني هلال
السيرة الهلالية هي واحدة من السير الشعبية العربية الأقرب إلى ذاكرة الناس، و الأكثر رسوخاً في الذاكرة الجمعية. وتبلغ نحو مليون بيت شعر.
وهي مزيج من التاريخ والأدب، تاريخ لبطل ومجموعة، وأدب يظهر أحوال العامة وثقافتها وذائقتها الفنية ومواقفها من الحياة. وغايتها التأثير في المتلقين وإمتاعهم، وليس إخبارهم بوقائع تاريخية. وروت السيرة الهلالية مراحل تغريبة بني هلال وانتقالهم من نجد في الجزيرة العربية إلى صعيد مصر، ومنه إلى بلدان شماليّ إفريقيا، وحوادث هذا الانتقال ووقائع الحروب بين الهلاليين ومن دخل معهم إلى بلاد المغرب ومن كان في هذه البلاد من قبائل صنهاجة و زناتة الأمازيغية الأمازيغ.
وهي عبارة عن ملحمة طويلة تغطي مرحلة تاريخية كبيرة في حياة بني هلال أبطال السيرة الهلالية، و تبدأ جذورها في سيرة الزير سالم جد الهلالية. ثم تمتد لتشمل تغريبة بني هلال و خروجهم إلى تونس.
أبو زيد الهلالي يحارب حجازي بن نافع
السيرة الهلالية هي واحدة من السير الشعبية العربية، وهي عبارة عن ملحمة طويلة تغطي مرحلة تاريخية كبيرة في حياة بني هلال المعروفة بهجرة بني هلال، وتبدأ جذورها في سيرة الزير سالم جد الهلالية. ثم تمتد لتشمل تغريبة بني هلال وخروجهم إلى تونس. هي السيرة الأقرب إلى ذاكرة الناس، والأكثر رسوخًا في الذاكرة الجمعية. وتبلغ نحو مليون بيت شعر. وإن أضفى عليها الخيال الشعبي ثوبًا فضفاضًا باعد بين الأحداث وبين واقعها، وبالغ في رسم الشخصيات.
ومن السيرة الهلالية تتفرع قصص كثيرة مثل قصة الأمير أبو زيد الهلالي وقصص أخته شيحة المشهورة بالدهاء والاحتيال، وسيرة الأمير دياب بن غانم الهلالي، وقصة زهرة ومرعي. وغيرها من السير المتراصة التي تشكل في مجموعها ما يعرف بسيرة بني هلال. والسير الشعبية هي من أهم مصادر الثقافة في أرياف البلاد العربية، وخصوصًا إذا ما أخذنا في الاعتبار نسب الأمية المرتفعة. ويسمى المهتم بالسيرة الهلالية بالمضروب بالسيرة. ومنهم الشاعر الشعبي عبد الرحمن الأبنودي. هذه القصة الغنية بالشخصيات والأحداث والمواقف، تضفي على الأدب الشعبي لونًا خاصًا يمثل الحياة الاجتماعية والفكرية التي كان يعيشها الإنسان العربي في تلك الفترة من الزمن.
وقائع تاريخية
مقال رئيسي: هجرة بني هلال
بنو هلال قبيلة عربية تغلب عليها الفاطميون بعد عدائها لهم فنقلوها إلى صعيد مصر أول مرة ثم بدا لهم أن يتخلصوا منها نهائيا ومن أعدائهم في المغرب فسمحوا لها ولأحلافها بعبور النيل. وهكذا بدأت ملحمة دامت عدة قرون وكان ذلك عام 1149م.
وينتسب الهلاليون إلى هلال بن عامر بن صعصعة المضري ، وأولاده عبد الله ونهيك وعبد مناف وصخر وشعثة وعائذة وناشرة ورؤيبة وربيعة. كانوا يقطنون في الجانب الغربي الشمالي، لصحراء نجد باتجاه الحجاز واليمن. لم يكن لهم شأن عظيم في الجاهلية، وكانوا قوماً مُغَلَّبِيْنَ، ليس لهم وقعة مشهورة أو يوم مشهود على غيرهم، لذلك قل المشهورون من أعلامهم، وجاءت شهرتهم من السيرة التي خلدت ذكرهم.
وفي الإسلام خرجوا مع جيوش الفتح، وانتشرت بطون منهم في أرجاء الدولة الإسلامية، واستقر قسم منهم في أعمال حوران من الشام، وشاركوا القيسية في حروب الخلافة، فكانوا مع الزبيريين ضد الأمويين، وناصروا القرامطة في البحرين، فانضمت بطون من بني هلال و بني سليم إلى جيش الأعصم القرمطي المتوجه إلى مصر لمنازلة الفاطميين، (360هـ)، وفي المعركة انحازوا إلى الفاطميين، وكانوا سبب انكفاء القرامطة عن مصر، فكافأهم الخليفة الفاطمي المعز، وأنزلهم على الضفة الشرقية لنهر النيل في صعيد مصر مع القبائل العربية الموجودة هناك، وظلوا في منزلهم هذا قرابة قرن، فتكاثروا مع انضمام أبناء عمومتهم إليهم، ولم يتخلوا عن طبيعتهم البدوية، فكثر شغبهم واضطرابهم، وكانوا مصدر قلق كبير للدولة.
وكانت بلدان شمالي إفريقيا تتبع الدولة الفاطمية؛ لأنها موضع نشأتها قبل استيلاء الفاطميين على مصر وجعلها قاعدة لخلافتهم، لكن أهالي المغرب انقلبوا على المذهب الفاطمي، وعادوا إلى المذهب المالكي السني (435هـ)، وصرفوا الخطبة عن الخليفة الفاطمي إلى الخليفة العباسي (439هـ)، واعتمد ذلك سعيد بن خزرون في طرابلس الغرب، والمعز بن باديس الصنهاجي صاحب الدولة الزيرية في القيروان.
غاظ هذا الأمر الخليفة الفاطمي المنتصر، وعزم على إعادة إفريقيا إلى سلطته، لكنه لم يكن يملك القوة الكافية لفعل ذلك بسبب انشغاله في بلاد الشام، فأشار عليه وزيره الحسن ابن علي اليازوري بإقطاع شيوخ بني هلال وبني سليم أعمال إفريقيا، وإطلاقهم عليها للقضاء على تمرد ابن باديس وابن خزرون وللتخلص من القلاقل والاضطرابات التي يحدثها هؤلاء الأعراب في بلاد الصعيد، فأعجبت الفكرة الخليفة الفاطمي، ونفذها، فجهزهم ووجههم إلى بلاد المغرب، وأباحها لهم.
انطلقت جموع بني هلال وبني سليم غربا بقيادة يحيى الرياحي الهلالي ، فاستولوا على برقة (443هـ)، ونزلها بنو سليم، وتابع الباقون زحفهم على طرابلس، فأنهى بنو زغبة حكم سعيد بن خزرون (446هـ)، واتجهوا بعد ذلك إلى تونس بقيادة مؤنس بن يحيى الرياحي، فهزموا المعز بن باديس ومن معه من صنهاجة وزناتة، وحاصروا القيروان، فهادنهم ابن باديس، وسمح لهم بدخول المدينة، فاستولوا عليها، وأجلوه عنها، واستمروا في زحفهم فنازلوا الدولة الحمادية في الجزائر، وقضوا عليها، وملكوا البلاد، واقتسموا براريها، وأفسدوا حواضرها، ولحق بهم أبناء عمومهتم الباقون في مصر، فأقاموا إقطاعات صغيرة في المغرب، يرأس كلاًّ منها شيخ من بني هلال أو زناتة، وظلوا كذلك حتى قضت الدولة الموحدية على هذه الدويلات، وضمتها إليها في القرن السادس الهجري.
هذه الهجرة الكبيرة زادت عدد العرب في المغرب، فتم تعريبه؛ إذ أرسلت قبائل هلال وسليم إلى عشائرها في الجزيرة العربية ليلحقوا بهم، فاستجابوا للدعوة، وكونوا عصبية وازنت عصبية سكانها من البربر، واختلطوا وكونوا شعباً واحداً دينه الإسلام ولغته العربية.
قبائل هلال، وسليم، ودريد، والأثبج، ورياح، قد هاجرت من نجد من منتصف القرن الخامس الهجري، واستمرت موجات الزحف لما يقرب عن قرن. وقد استطاع عبد المؤمن بن علي إمام الموحدين التصدي لها بعد أن وطن بعضها واستعان ببعضها على بعض.
وأصل الأمر أن هذا الزحف قد تم بتدبير الوزير اليازوري وزير الخليفة الفاطمي في مصر، والذي منح المعز بن باديس حاكم أفريقية عام 435 هـ لقب "شرف الدولة"، وبدلا من أن ينحاز "المعز" بعد هذه المنحة للخليفة الفاطمي، انحاز لعامة شعبه الذين قاموا بثورة ضد أصحاب المذهب الشيعي الإسماعيلي، وبالفعل أمام الثورة الشعبية نادى المعز بإتباع مذهب الإمام مالك وخطب في المساجد للخليفة العباسي القائم بأمر الله، واعترف له الأخير باستقلال المغرب تحت إمرته.
جن جنون الخليفة الفاطمي في مصر، مما يحتسبه نصرا للخليفة العباسي السني في بغداد، فأشار عليه الوزير اليازوري بتحريض قبائل نجد بالزحف على تونس، فكان ما كان. وتصدى لهذا الزحف المعز بجيش مؤلف من قبيلتي زناتة وصنهاجة، ويقال إن هروب زناتة بعد بطولات المعز هو ما حسم الأمر للغازين.
لكن السيرة لا تذكر شيئا عن الشيعي والسني والخليفة الفاطمي والعباسي، بل تقدم مبررا أخلاقيا لهذا الغزو، وإن نوهت ولو بشكل متوار على ما حدث، ففي السيرة أن "زناتة" أو الزناتي خليفة وحلفاءه قد طمعوا في أرض يحكمها الأمير "عزيز الدين بن الملك جبر القريشي"، فاستولوا عليها بالخداع، فاستعان الشريف القريشي بأبناء عمومته من قبائل نجد، ليردوا الحق السليب لأصحابه الأشراف.
محتوى السيرة
السيرة الهلالية تضم خمسة كتب، الكتاب الأول هو خضرة الشريفة ويتناول مأساة رزق بن نايل جرامون بن عامر بن هلال قائد الهلاليني وفارسهم وأميرهم، الذي تعجب خضرة بخلقه وشهامته وفروسيته رغم أن فارق العمر بتهما 45 عامًا. والكتاب الثاني هو "أبو زيد في أرض العلامات" حيث أتمت خضرة خمس سنوات تحيا في منازل "الزحلان" في كنف الملك فاضل بن بيسم.
ويسرد هذا الكتاب ما حدث لأبي زيد في بلاد الرحلان من علو المجد والشام وفي "مقتل السلطان سرحان" وهو الكتاب الثالث يتخفى أبو زيد في ملابس شاعر رباب ويدخل قصر حنظل بعد أن عرفت نساء بني هلال حقيقته وتكتشف عجاجة ابنة السلطان حنظل حقيقة فارس هلال فتبلغ أباها الذي يعتقل غريم بني عقيل. ليقيد بالسلاسل ويلقي به في السجن انتظارًا لشنقه. [1]
أما الكتاب الرابع (فرس جابر العقيلي) وكيف خاض أبو زيد الأهوال ليعود بالفرس التي حكت عنها الأجيال، وفيه يحتال الدرويش لدخول جناح الأميرة ليلضم لها عقدًا، ويقرأ لها الطالع وتكاد جارته أن تكتشف تسلله والهدف منه، لكنه يقنعها بدروشته وفقره وبالرشوة أيضًا، بأن أسئلته عن "الخيمة المتبوعة" إنما هي من قبيل الفضول. وفي الكتاب الخامس (أبو زيد وعالية العقيلية) وكيف أسرت أبو زيد بجمالها وكيف ناضل إلى أن اقترن بها وفيه ليلة وداع البطل لعالية العقيلية حيث أولمت الولائم ووجهت الدعوة لحراس فرس والدها الملك (السلطان) جابر العقيلي، ووضعت في المنان مخدرًا قويًا لينام الحراس كي يتمكن أبو زيد من امتطاء الفرس والانطلاق إلى خارج المدينة.[1]
محور السيرة
يتمحور موضوع السيرة الهلالية عن التجربة الحياتية للحلف الهلالي المكون من قبائل نجد المقاتلة والمدافعة عن قيم الأمة وشرفها. وكعادة الملاحم، هي تستنهض الأمم بذكر أمجادها العسكرية، وبطولات القادة الذين أنجبتهم أرضها في السلم والحرب. وتعيد السيرة الشعبية تاريخ الأمة وتفسره بطريقة فنية حسب معتقدات البسطاء.
"هلال" الجد البعيد الذي تنتسب له القبيلة المحاربة قبيلة "بني هلال" هو أحد رجال الإسلام الذين أبلوا أحسن البلاء في الدفاع عن الرسول في غزوة تبوك - هذا ما تذكره السيرة وإن كان غير صحيح - فاستحق بذلك التمجيد، ونال نسله فخر البطولة وشرف الفروسية. وفي اللحظة التي تبدأ فيها السيرة، يكون فارس بني هلال المغوار هو "رزق بن نايل بن جرامون بن عامر بن هلال"، حامي حمي الحلف الهلالي.
وعبر ملابسات معينة يتزوج "رزق" من "خضرة الشريفة" ابنة الأمير "قرضة الشريف" حامي الحرمين وحامل مفتاح الروضة الشريفة، وينجب منها "أبو زيد الهلالي سلامة"، ليكون بذلك جامعا لطرفي المجد، فهو بذلك شريف من نسل النبي يأخذ ويرث من ناحية أمه الحكمة والعلم، ومن ناحية أبيه مجد البطولة وعنفوان الفروسية. [2]
ولكن ينكر رزق نسب ابنه أبو زيد ويتهم أمه خضرة بالزنا وطردها من مضارب القبيلة وابنها لم يتجاوز 7 أيام، فتربيه أمه على الفروسية من صغره بعد أن تلجأ لحاكم مدينة العلامات الملك فاضل الزحلاني وتظهر على أبوزيد علامات النبوغ وهو طفل صغير، ويستطيع في طفولته أن يخوض صراعا مع بنى عقيل أعداء أهله بنى هلال، حتى يستعين مشرف العقيلي على أبوزيد بعدد من فرسان بنى هلال ومنهم عم أبوزيد الأمير عسقل الذي سأهم في طرد خضرة الشريفة من مضارب الهلالية ويحارب أبوزيد فرسان الهلالية ويقتل عمه الظالم عسقل ويأتي لأمه بحقها بعد أن يعنف أباه الأمير رزق بن نايل ويحكم على بنى هلال أن تعود أمه خضرة الشريفة على بساط من حرير تأكيدا لبراءتها.
ويعود أبوزيد إلى أهله بنى هلال ليصبح فارسها المغوار وليقاتل العدو الأجنبي اليونانيين الذين هاجموا الأراضي العربية، وتتوالى مغامرات أبوزيد الهلالي ويخوض تغريبة طويلة مع بنى هلال عندما يرحلون غربا بحثا عن المرعى بعد ثمان سنوات من الجفاف لتتوالى فصول سيرته ليرحل إلى تونس ومعه أبناء الأمير حسن مرعى ويحيى ويونس وتتوالى القصص الفرعية من مقتل مرعى وحب يونس لعزيزة والصدام الكبير بين أبوزيد وحاكم تونس خليفة الزناتي أو حسب الرواية الشعبية الزناتي خليفة وتقوم الحرب بين بنى هلال وحلفائهم قبائل الزغابة من جهة وبين بنى قابس بزعامة خليفة الزناتي وأشجع فرسانه المسمى بالعلام من جهة أخرى بعد أن رفض الزناتي أن يحصل بنو هلال على المرعى في أراضيه، لينال جزاءه مقتولا على يد دياب بن غانم كما تنبأت سعدى الزناتي. [3]
و "التغريبة" هي موجة هجرة كبيرة قامت بها قبائل من نجد مخترقة مصر عابرة إلى المغرب العربي، بعد ما مر بهذه الأرض من مجاعة أهلكت الجميع. واستوطنت تلك القبائل أرض تونس، بعد أن زحفت إليها تسوق رجالها ونساءها.
التغريبة ورواياتها
نص كتاب تغريبة بن هلال ورحيلهم الى بلاد الغرب وحروبهم مع الزناتى خليفة انقر على الصورة للمطالعة
تحمل آي سيرة عادةً اسم البطل، مثل سيرة عنترة بن شداد، سيرة الأمير سيف بن ذي يزن، أو سيرة الظاهر بيبرس، أو سيرة ذات الهمة، لكننا لا نجد هذا الأمر في السيرة الهلالية، يختلف البطل حسب المنطقة الجغرافية، ففي شرق الوطن العربي بطل السيرة هو أبو زيد الهلالي سلامة. في بلاد المغرب يصبح الزناتي خليفة. أما في الجنوب فهو دياب بن غانم.
يختلف منظور السيرة حسب زاوية النظر، الرواية في الشرق بطلها أبو زيد الهلالي سلامة، الفارس الأسود، الذي تُتهم أمه في شرفها لسواده وهي التي دعت الله أن يهبها غلاما يماثل الطائر الأسود القوي الذي رأته واختارته. في بلاد المغرب الزناتي يظهر أقوى وأروع آيات البطولة، ثم المقاومة بعد الاحتلال، وهو نموذج البطل الشعبي المناضل في السيرة. فالروايتان لا تقللان أبدا من قدر بطولة البطل الآخر، مع الاحتفاظ بكونه العدو. بل إن الرواية المغربية تعطي أبو زيد من الأوصاف والمقدرة والبطولة ما تجعله لا يهزم البشر فحسب بل الجان كذلك. كما أن الرواية الشرقية تعطي الزناتي من أبيات المدح في مآثره وشجاعته وجسارته ما يفوق الأخرى، كذلك فإن كلا البطلين لا ينكران قيمة الآخر، بل يكيلان المديح لبطولة الآخر.
الرواية ثالثة في الجنوب تنتصر لـذياب بن غانم. فذياب بن غانم هلاليا، من الزغابة، وزغب هي قبيلة من قبائل بني هلال ويعود نسبها إلى زغبـة بن أبي ربيعـة بن نهيك بن هـلال بن عامـر بن صعصعـه ،وذياب مع قوته وعنفوانه يحاول دائما الاستيلاء على السلطة في غيبة أبي زيد الذي يردعه، وهو نفس ما يفعله في تونس مع "الزناتي"، لكن رواية الجنوب لا تراه رمز الخسة والبطش، بل تراه البطل المناوئ، هو ليس من السادة والأكابر، وليس من بيت الحكم، لكنه الأمل الذي يمكن للصاعد من أسفل إذا ما أجتهد أن يناله فيكون بذلك قد نال ما يستحق.
الموروث الشعبي
رواة سيرة بني هلال الشعبية هم من العامة والذين لا يقرءون ولا يكتبون في غالب الأمر، وإنما تناقلونها خلفًا عن سلف. ولو قمنا بمقارنة بين ما بقي من أحداث هذه السيرة الشعبية في الذاكرة الجماعية وبين ما تتداول في الأسواق من كتب السيرة الهلالية لوجدنا إنهما يشتركان في شخوص وأبطال تلك السيرة الشعبية والخطوط العريضة لتلك السيرة، ولكنهما يختلفان في الكثير من التفاصيل الخاصة بها. كان الراوي أو الحكواتي يحكي تفاصيل أخبارها وبطولات فرسانها وشجاعة شخصيّاتها، فتملأ نفوسهم بالعزّة والأنفة، مغتبطين بنصر هؤلاء الأبطال على أعدائهم، في كلّ حلّ وترحال، أو لقاء في ساحات القتال. الشعب العربي كان ولا يزال شديد التمسك بسيرة بني هلال كثير الإقبال على مطالعتها، يجعلها حديث لياليه، ويمجد أبطالها ويتعصب لهم ويرى فيهم آماله ومثله العليا، ولا شك أن شخصية أخيل اليوناني وأوروما الهندي أو رستم الفارسي هي بالنسبة إلى قومه كشخصية أبي زيد الهلالي بالنسبة إلى العرب.[4]
يحكي الراوي سيرة بني هلال التي شكلت جزءًا كبيرًا من الذاكرة الشعبية، بما زخرت به من أحداث، وبما حملته من صفات بطولية ومن صفات الكرم والشجاعة والمروءة والأخلاق الحميدة وتلك الأخلاق والشيم العربية التي تحلّى بها أبطال تلك الحكايات، فكان النصر دائمًا للخير وأصحابه والهزيمة والفشل دائمًا للشر وأعوانه:
"قال الراوي: بعد وفاة الزير أبي ليلى المهلهل وضعت امرأة الأوس غلامًا سمّوه عامرًا وعندما بلغ سن الرجولة تزوج بامرأة من أشراف العرب فولدت له غلامًا في نفس الليلة التي مات فيها جده الجرو فسمّاه هلالًا؛ وهو جدّ بني هلال، وكان متصفًا بالفشل والأدب. ولما كبر الأمير هلال تزوج بامرأة بديعة في الجمال فولدت غلامًا سماه المنذر. واتفق أن هلالًا زار مكة في أربعمائة فارس وطافوا حول البيت وتشرف بمقابلة النبي المختار فأمره النبي (صلى الله عليه وسلم) أن ينزل في وادي العباس. وكان النبي يحارب بعض العشائر المعادية له فعاونه الأمير هلال، ومدّه بالعساكر. وكانت فاطمة الزهراء راكبة على جمل في الهودج فلما رأت هول القتال ومصارعة الأبطال؛ حوّلت راحلتها لتبتعد عن القتال، فشرد بها الجمل في البر، فدعت على الذي كان السبب بالبلاد والشتات. فقال لها أبوها: ادعي لهم بالانتصار فهم بنو هلال الأخيار، وهم لنا من جملة الأحباب والأنصار. فدعت لهم بالنصر فنفذ فيهم دعاؤها بالتشتيت والنصر. ثم رحل الأمير هلال إلى وادي العباس وعسكر في تلك النواحي. ولما سمعت به العريان تواردت إليه من جميع الجهات، فكثرت عند الأصحاب والأنصار. وكان له ولد حلو الشمائل وكان فارسًا مشهورًا وبطلًا عنيدًا اسمه المنذر. قال الراوي: بينما كان المنذر جالسًا في نافذة قصيرة، رأي ابنة قاهر الرجال تخطر أمامه وهي تميس حسنًا ودلالًا فعشقها..".
انظر: شعراء السيرة الهلالية
السيرة الهلالية بين السير الأخرى
سيرة سيف بن ذي يزن
ولا تناهز السيرة الهلالية طولًا إلا سيرة مناس القرغيزية، التي تتعدى 2 مليون بيت شعر.
رواية أخرى
تروي سيرة بني هلال قصة فتاة هلالية جميلة (الجازية بنت الحسن ابن سرحان) عشقها فتى من عشيرتها، لكن أباها زوجها أمير مكة (شكر بن أبي الفتوح) (430-453هـ). وحين أغضب الأمير أهل زوجته احتالوا في انتزاعها منه، وطلبوا منه السماح لها بزيارة أهلها في نجد، فمضوا بها مع أهلها راحلين إلى إفريقيا، وهناك زوجوها من ابن عم لها، لكنها ظلت متعلقة بزوجها الأول، تظهر حبه حتى مماتها.
أساس أحداث السيرة ثابت، ووقائعها صحيحة، فهجرة بني هلال ومن معهم من القبائل القيسية إلى المغرب ثابتة في التاريخ، وقصة الفتاة الهلالية لها سند تاريخي، لكنها جاءت في السيرة بصورة مغايرة للرواية التاريخية، فقد أعمل القصاصون خيالهم فيها، فسموا بطلها أبا زيد الهلالي سلامة، ومرافقه وسنده دياب ابن غانم، وسموا خصمه الزناتي خليفة، فغابت عن السيرة قبيلة صنهاجة وأميرها المعز بن باديس، كما غاب زعيم القبائل العربية يحيى الرياحي وابنه مؤنس، وربما عاد ذلك إلى أن القصاصين الذين توالوا على وضع السيرة وروايتها، كانوا بعيدين عن أحداثها زماناً ومكاناً، فالثابت أنها كتبت في مصر، وليس في بلاد المغرب التي شهدت حوادثها، وبدأت كتابتها في القرن السابع أو الثامن الهجريين على أبعد تقدير؛ أي بعد قرنين أو ثلاثة من حدوثها، ويدل على ذلك جملة أمور مما ورد فيها، فهي تحمل ملامح البيئة المصرية في العهد المملوكي، وأديت بلهجة أهل مصر.
ولم تظهر السير الشعبية في التراث العربي إلا بعد الغزوين الصليبي والمغولي، وبعد أن أدركت الأمة الخطر الكبير المحدق بها، فتقدم القصاصون والمحدّثون إلى العامة برواية قصص البطولة الخارقة وأخبار الجان وأعمال السحرة مما تناقلته الأفواه من وراء الأجيال والأزمان، وشاهده الرحالة والتجار، ثم أعملوا فيها المبالغة والاختلاق حتى جاء مَن دوّنها على حالها وبلغتها الشعبية، فكانت السير الشعبية، ومنها سيرة بني هلال التي أشار إليها ابن خلدون ، وذكر انه رأى أعقاب الهلالية في المغرب (القرن التاسع الهجري)، وشاهد حروبهم وخلافاتهم المستمرة مع القبائل البربرية. وذكر في «مقدمته» بعض رواياتهم، مثل مصاهرتهم لأمير الحجاز، وأنشد بعض أشعار السيرة.
وللسيرة الهلالية روايات كثيرة متباينة، حتى كادت أن تكون كل رواية سيرة مستقلة في أحداثها وأبطالها وطريقة أدائها، وأجزائها، فبعضها بدأ من أيام هلال الجد الأكبر للقبيلة، وربطه بالإسلام ، وأوفده على النبيr، والمعروف أن بعض بني هلال كانوا مع المشركين في غزوة حنين بعد فتح مكة.
وبعض الروايات يبدأ السيرة بعرض حال بني هلال وفارسها مرزوق الذي تزوج شريفة من الحجاز، ورزق بولد، ثم تركته زوجته راحلة مع ابنها سلامة (أبي زيد) لتلجأ إلى قوم آخرين تربي ابنها عندهم، فينشأ فارساً ذكياً، يعود بعد ذلك إلى قومه ليصبح فارسهم وقائدهم، ويلمع إلى جانبه اسما شابين من قومه، هما الحسن بن سرحان ودياب بن غانم. وقد اختلفت روايات السيرة في سبب ترك الزوجة زوجها، فبعضها أعاده إلى سواد بشرة ابنها أبي زيد الهلالي، وبعضها أعاده إلى فرارها من ظلم ضرائرها لها.
ثم تبدأ مراحل السيرة بالريادة إلى بلاد المغرب، وفيها يستطلع بطلها الخيالي أبو زيد الهلالي وأبناء أخته الطريق إلى المغرب متنكرين في هيئة الشعراء الجوالين، وعند ما يصلون إلى تونس يقبض عليهم ويسجنون، ويستطيع أبو زيد الفرار، فيذهب لاستنصار قبيلته من أجل خلاص أبنائها.
والمرحلة الثانية هي مرحلة التغريبة، وفيها تهاجر القبيلة إلى تونس، وتساعدها ابنة ملكها الزناتي خليفة على دخولها، وتفك القبيلة أسراها، فيأخذ الحسن بن سرحان القيروان، ويأخذ دياب بن غانم الزغبي تونس، ويأخذ أبو زيد الهلالي الأندلس، ويصلون في زحفهم إلى المغرب الأقصى.
والمرحلة الثالثة خاصة بأبناء الأبطال (مرحلة الأيتام)، وفيها يستنهض زيدان بن أبي زيد الهلالي جموع قومه والمتحالفين معهم في الشام والحجاز، ويلتقيهم في صعيد مصر، ويرحل بهم إلى تونس، ويحاصر أميرها دياب بن غانم، وتوافيه هلالية الأندلس، فيقتحمون المدينة، ويقتلون ابن غانم، ثم ينزل بنو هلال عن المدينة لابن الزناتي خليفة، ويعود زيدان الهلالي إلى صعيد مصر، كما يعود هلالية الأندلس إليها، وبذلك تنتهي السيرة.
وقد علق بالسيرة ما ليس منها، مثل تلفيقات المنشدين وتحريف النساخ واستطراد المتعالمين، لذلك يصعب الوصول إلى الصورة الأولى التي وضعت عليها السيرة، فتلونت بألوان أماكن مختلفة وأزمان متباعدة، واختلط فيها الواقع بعالم الجن والسحرة، وكثرت فيها الخوارق، وحلت المعضلات السردية فيها بالسحر والكهانة والأحلام، فكان التنبؤ بالغيب عنصراً أساسياً في السيرة الهلالية، لا يتم حدث فيها إلا بعد زجر الطير وضرب الرمل، وكان بطلها أبو زيد الهلالي يتنكر في زي عراف يضرب الرمل، ويتنبأ بالغيب، وهو مؤيد بقوى خفية خبيرة مرتبطة بالإيمان والإسلام، وكان إلى جانب فروسيته صاحب حيل وملاعيب، فتوحد فيه البطل الفارس والبطل المحتال اللذان كانا منفصلين في السير الشعبية الأخرى، فتم بذلك عنصر الغموض والإثارة، وجو المغامرة الذي يستهوي العامة.
تعلق العامة بالسيرة الهلالية تعلقاً شديداً، وصار لها رواة ومنشدون محترفون، يؤدونها موقعة وبمصاحبة آلة موسيقية (الربابة) في جمع من الناس في الحفلات والمواسم والمقاهي، ويرتحلون فيها من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية، لذلك كتبت أجزاء كبيرة منها نظماً؛ لتساعد المنشد على الغناء والإنشاد، بل جاء بعض روايتها منظوماً بالكامل، وبعضها اختلط فيه النظم بالنثر، فانفرد بذلك عن بقية السير الشعبية،و قد غلب فيه الحوار المنظوم على السرد القصصي، فكل بطل ينظم قصيدة، يعرّف فيها بنفسه، ويعرض موقفه، فيرد عليه خصمه بقصيدة مماثلة، ولا يعدو السرد النثري فيها ربط الأحداث وتحديد أسماء المتحاورين ووصف الانتقال من مشهد إلى مشهد، وقد جاء النظم في السيرة متهافتاً، بعيداً عن السمة الحقيقية للشعر،فغلبت العامية على لغة الأداء نظماً ونثراً،لكن هذا النظم أتاح للرواة والمنشدين سهولة حفظ السيرة وفرصة إنشادها وغناء بعض مقاطعها، كقول أبي زيد في مطلع قصيدة:
يقول أبو زيد الهلالي سلامه
ونيران قلبه زيدات لظاه
لايتقيد الكاتب في بناء السيرة بأي قيد شكلي، فتبدأ السيرة من ولادة البطل، بل من إرهاصاتها، وتنتهي بانتصاره وموته، وليس للسيرة خطوات واضحة محددة، بل يحلق كاتبها في آفاق رحبة، وينتقل من حدث إلى حدث، ومن قصة إلى قصة عن طريق التدوير، ولكنه يحافظ على الخط الرئيسي للسيرة. وقد قطعت السيرة إلى أجزاء تناسب القراءة في مجلس واحد، وينتهي كل جزء بنهاية مثيرة، تبقي الأمر معلقاً؛ ليظل المستمعون في توق دائم للجزء الذي يليه.
ويعدّ الخيال العنصر الأهم في السيرة؛ لأنه أعطاها المدى البعيد الذي وصلت إليه، فتجاوز الواقع إلى عالم الغيب، وساعد المؤلفين على ربط الأشياء المتباعدة، وعلى خرق الزمان والمكان، ومكنهم من تقديم وصف مثير وعجائبي للأبطال والمعارك والبيئة التي تحتضن الأحداث.
فكانت السيرة الهلالية وسيلة إمتاع وتثقيف للعامة وتعبيراً عن الآمال القومية وتعويضاً عن الهزيمة التاريخية التي لحقت بالأمة، وقد عبّرت عن تطلع الأمة نحو البطولة وعن ترسيخ القيم والمثل العليا عندها.
وقد لاقت السيرة الهلالية اهتمام المستشرقين، فدرسوها، ونشروا بعض أجزائها، وترجموا بعضها الآخر، فلفتوا انتباه الأدباء والنقاد العرب إليها، فأفادوا منها في أعمال أدبية وفنية، وعملوا على نشر روايتها وإيضاح سماتها.]])...[5]
۩❁
#منتدى_المركز_الدولى❁۩