وبالأسحار هم يستغفرون
إن سجود المحراب.. واستغفار الأسحار .. ودموع المناجاة بالليل ... سيماء يحتكرها الخواص من المؤمنين ... ولئن توهم الدنيوي جنته في الدنيا .. في الدينار والدرهم ، والنساء والقصر المنيف ... فإن جنة المؤمن في محرابه ...
نعم يا محب ...
وبالأسحار هم يستغفرون ...
في آخر ساعات الليل ... وفي الثلث الأخير منه بالتحديد ...
لأهل الإيمان ... وعباد الرحمن ... وأهل الصيام والقيام ... موعد مع ربهم وألههم ومحبوهم ... الواحد الديان الرحيم الرحمن ... شعارهم فيه " وبالأسحار هم يستغفرون " والمستغفرين بالأسحار" يقول الحسن ـ رحمه الله ـ عنهم : " مدُّوا الصلاة إلى السحر ثم جلسوا يستغفرون " وكان ابن عمر يصلّي ثم يقول لمولاه نافع : " يا نافع : هل جاء السحر ؟ فإذا قال : نعم ، أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح " … ويقول الفضيل بن عياض :" بكاء النهار يمحو ذنوب العلانية ، وبكاء الليل يمحو ذنوب السر " ... وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله ويخفي ذلك ... فإذا كان عند الصباح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة ...
السحر وقت غافلات الغافلين.. والوساد العريض للنائمين .. يتعرض فيه أرباب العزائم للنفحات الرحمانية ،والألطاف الإلهية ،والمنح الربانية ... حينئذ تكون العبادة أشق وأخلص ، والنية أدق وأمحص …المستغفرون بالأسحار نجاتهم في مناجاتهم ، وصِلتهم في صلاتهم
فهنيئاً لك يا أخي الصائم هذا الوقت العظيم ... هذا الوقت الذي هو شريف بحد ذاته ... وفي رمضان يزداد شرفاً وأهميةً وفضلاً ... يقول العلامة السعدي رحمه الله :" وللاستغفار بالأسحار فضيلة وخصّيصة ليست لغيره " ... فكيف يليق بنا أن تنام أعيننا في وقت ينزل فيه الملك المتعال نزولاً يليق بجلاله ...فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له " [ البخاري ح 1145 ، مسلم ح 758 ] ...
فيا ترى هل فكر كل واحد منّا في استثمار هذا الوقت العظيم الذي هو من آكد مظانّ إجابة الدعاء ؟ ترى ما هي أحوال الناس مع ثلث الليل الآخر ؟! بل كم من شاك لنفسه قد غاب عنه هذا الوقت المبارك !! كم من مكروب غلبته عينه عن حاجته ومقتضاه !!
كم من مكلوم لم يفقه دواءه وسر شفائه ، كم وكم وكم !! ألا إن كثيراً من النفوس في سبات عميق … إنها لا تكسل في أن تجوب الأرض شمالها وجنوبها …شرقها وغربها ، باحثة عن ملجأ للشكوى ، أو فرصة سانحة لعرض الهموم والغموم …. غافلة غير آبهة بالالتجاء إلى كاشف الغمّ وفارج الهم ، ومنفّس الكرب … " بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه " ... " يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء "
فالله الله أن يغلبك النوم فتُضيّع وقت الإجابة والمغفرة والعطاء ... "ونعم العبد عبد الله لو كان يقوم الليل "
مسائل في السحور :-
1) المحافظة عليه وعدم التهاون به ففي الصحيحين قال رسول الله :" تسحرو فان في السحور بركة" وقد فسرت البركة بتفاسير عده من أحسنها ما ذكره الحافظ ابن حجر :" آن البركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي اتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب والتقوى به على العبادة ... والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة "
2) أن السحور يحصل بأقل ما يتناول المرء من مأكول أو مشروب ولو بجرعة ماء كما في الحديث عند احمد .
3) السنة في السحور تأخيره إلى ما قبل طلوع الفجر قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في المسند " لاتزال أمتي بخير ما عجلوا الفطور واخروا السحور " وعن أنس بن مالك قال :" تسحر رسول الله صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت ، ثم قاما ، فدخلا في صلاة الصبح ، فقلت لأنس كم كان بين فراغهما ودخولهما في الصلاة ؟ قال : قدر ما يقرأ الإنسان خمسين آية " [ البخاري ح 551] . والضابط هنا كما ذكر شيخنا ابن عثيمين رحمه الله تعالى :" أن يكون بين السحور وأذان الفجر المقدار الذي يكفيه للآكل "
4) من فضائل السحور انه فارق بين صيامنا وصيام أهل الكتاب وفي الصحيح " فصل مابين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر "
5) ومن فضائله انه مظنة مغفرة لله تعالى لما رواه احمد عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم " فان الله وملائكته يصلون على المتسحرين "
6) يجب على الصائم الإمساك عن الطعام والشراب إذا استبان طلوع الفجر ولا عبرة بتوقيت المؤذن لانه قد يتقدم أو يتأخر ألا إذا كان المؤذن أمينا يقضا حريصا على إصابة أول الوقت فحينئذ يوثق به ويعتمد قال صلى الله عليه وسلم :" المؤذنون أمناء المسلمين على فطورهم وسحورهم " [صححه الألباني ، صحيح الجامع 6647 ، وانظر طلائع السلوان في مواعظ رمضان ]
7) أن يحرص على وجود التمر في سحوره يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" نعم سحور المؤمن التمر " [ أخرجه ابو داود ح 2345 ]
مسألة :
من اكل متسحراً شاكاً في طلوع الفجر أو يغلب على ظنه طلوعه فلا شيء عليه وصومه صحيح .
بقلم عبد الله بن راضي المعيدي الشمري
۩❁
#منتدى_المركز_الدولى❁۩