الفجر الصادق.. حقيقته وطريقة رصده
يميز العلماء بين ثلاثة أنواع من الفجر: الكاذب والشفق الفلكي والفجر الصادق الذي هو عبارة عن ضوء أبيض يبدأ بالظهور أفقيا ويلمع من جهة طلوع الشمس أكثر منه من الجهات المحيطة، ويؤكدون أن هناك شرطان أساسيان كي يكون رصد الفجر الصادق والعثور عليه صحيحا ودقيقا، وهما: أولا صفاء السماء وعتمتها نحو الأفق، وثانيا وجود الفجر الكاذب والتعرف عليه وتحديد حدوده.
يعتبر تحديد وقتي الفجر الصادق وصلاة العشاء من الأمور الشائكة التي يختلف عليها المسلمون لاعتقاد البعض بعدم صحة وقتي أذان الفجر والعشاء.
ويحكم قضية تحري وقت الفجر شروط لا بد أن تتوفر في موقع الرصد ووقته والراصدين كي يتم تحديد هذا الوقت بشكل واضح وحقيقي. ولأن أضواء المدينة أشدّ من إضاءتي الفجر الصادق والفجر الكاذب، فإنه ليس من الممكن أن يدعي أحد رؤية الفجر الصادق من داخلها. وكذا القول بالنسبة لوجود القمر الذي سيحجب بإضاءته القوية إضاءة الفجر الصادق في أول وقت طلوعه.
ولكي تتحقق لنا شرط صحة النظر وتعيين وقت الفجر الصادق، يلزمنا التعريف بالفجر الكاذب والفجر الصادق والشفق الفلكي، ثم الظروف والأدوات والعناصر التي تلزم إنجاح مثل هذه المهمة.
الفجر الكاذب
فالفجر الكاذب أو ما يعرف في علم الفلك بالفجر البروجي (Zodiacal Light) هو ضوء أبيض اللون يظهر في السماء على شكل قوس أشبه بذنب الثعلب، يكون عريضا فوق الأفق ومنكمشا كلما ارتفعنا في السماء بكشل هندسي يشبه القطع المكافئ، ولا يزيد ارتفاعه عادة عن أكثر من أربعين إلى خمسين درجة فوق الأفق الشرقي وقت الفجر أو فوق الأفق الغربي بعد العشاء.
ويمكن القول إن إضاءة الفجر الكاذب عادة ما تميل إلى البياض، وتكون في بعض الفصول أوضح منها في فصول أخرى، وبسببها يمكن تمييز حد أفق الأرض من أفق السماء الملتقيَيْن، وكأنها إضاءة مدينة بعيدة جدا خلف الأفق، لكن المناطق المجاورة لهذا الأفق تكون حالكة الإظلام لا يمكن تمييز أرضها من سمائها، وهي المنطقة التي يجب البحث فيها عن طلوع الفجر الصادق لتمييزه عن الفجر الكاذب.
إعلان
ويرتبط الفجر الكاذب باتجاه مدار البروج في السماء، ففي فصلي الربيع والخريف يكون الفجر الكاذب أوضح ما يكون، إذ يكون واقفا في السماء بشكل عمودي، أما في فصل الصيف فيكون مائلا إلى الجنوب بسبب ميل مدار البروج جنوبا، وفي الشتاء يكون مائلاً شمالا، وهو في هذين الفصلين أقل لمعانا. ومدار البروج هو خط سير الشمس والقمر والكواكب في السماء.
وسبب ظهور الشفق البروجي هو تشتت أشعة الشمس في الفضاء غير الأرضي بعيدا عن الغلاف الجوي، إذ يتشتت في بقايا حبيبات الأتربة والأغبرة الناتجة عن مرور المذنبات وتصادم الكويكبات عبر ألوف وملايين السنين بعد تشكل المجموعة الشمسية، إضافة إلى ما يعرف بامتداد الإكليل الشمسي الذي يحمل معه الغبار والمواد الشمسية ويقذفها في ما بين كواكب المجموعة الشمسية.
الفجر الصادق
أما الفجر الصادق فهو ذلك الضوء الأبيض الذي يبدأ بالظهور أفقيا ويلمع من جهة طلوع الشمس أكثر منه من الجهات المحيطة. ويبدأ ضوؤه بالظهور يمنة ويسرة، بحيث يبدأ منظر أفق الأرض بالظهور فيبدأ الراصد بالتمييز بين الأرض والسماء ويبدأ الظلام الدامس لحظتها بالانقشاع شيئاً فشيئاً حتى تبدو معالم الأرض واضحة فوق جميع الأفق الشرقي، وحينها يبدأ اللون الأبيض ثم الأحمر بالظهور فوق كل الأفق حاجبا لون الشفق البروجي (الفجر الكاذب) ومنهيا له.
ومن الضروري أن نعلم بأن تحديد الفجر الصادق ليس أمرا حديا، فقد يختلف الراصدون في تحديد وقته لثلاث دقائق تزيد أو تقل قليلا. كما أنه من الضروري أن نعلم بأن الفجر الكاذب الذي يظهر قبل الفجر الصادق بأكثر من ساعة (تمتد ساعات أحيانا)، لا يختفي بمجرد ظهور الفجر الصادق مباشرة، بل يستمر بعد ظهوره إلى أن يبدأ الفجر الصادق باللمعان فتختفي إضاءة الفجر الكاذب.
والفجر الكاذب ليس دليلا على عدم دخول الوقت، بل إن كل الفجر الكاذب غير معتمد ولا يعتد برؤيته ولا ظهوره، إنما ولأنه ظاهرة فضائية لا يمكن التخلص منها فإنه لا بد من التعرف عليه كي لا يتم الخلط بينه وبين الفجر الصادق.
الشفق
ويقسم الشفق في الفلك إلى ثلاثة أنواع أولها الشفق الفلكي، وهو أول ضوء شمسي وقت الفجر ناحية الشرق، أو آخر ضوء وقت العشاء ناحية الغرب، يتشتت في الغلاف الجوي حين تصبح الشمس تحت الأفق بزاوية انخفاض قدرها 18 درجة، وهو ما اصطلح عليه بأنه وقت الفجر الصادق ويؤذن به في معظم أرجاء الكرة الأرضية، ويمكن عنده رؤية النجوم الخافتة جدا، كما يمكن القول بأن الليل سائد.
والثاني هو الشفق البحري، وهو إضاءة الغلاف الجوي حين تكون الشمس تحت الأفق بزاوية قدرها 12 درجة، وبإضاءته تبدأ الأرض بالتمايز عن السماء دون وضوح معالمها، كما يمكن رؤية النجوم اللامعة جدا.
وأخيراً الشفق المدني، وهو إضاءة الغلاف الجوي حين تكون الشمس تحت الأفق بزاوية قدرها ست درجات، وهو الوقت الذي تبدأ عنده معالم الأرض بالظهور ويسهل عنده تمييزها.
وبسبب كون وقتي الفجر والعشاء مرتبطين بظاهرة ظهور الشفق أو انتهائه، فإن الفرق بين موعد أذان المغرب وأذان العشاء دائما يساوي الفرق بين وقت أذان الفجر وشروق الشمس. في حين يقع أذان الظهر (زوال الشمس) في منتصف المسافة بين وقتي الشروق والغروب.
ولكثرة الأحاديث والنصوص الفقهية الواردة في موضوع الفجر الصادق ودخول وقت الصلاة وتحريم الأكل على الصائم، فإنه ليس من السهل تحديد نص يعرّف فيه وقت دخول الفجر الصادق، فليست مصطلحات الحمرة والبياض والغلس ولا حتى الخيط الأبيض والخيط الأسود مفهومة ولا واضحة عند الفقهاء ولا عند من تبعهم من الفلكيين الراصدين، غير أن المفهوم العام لظهور الفجر الصادق يمكن أن يتضح من خلال مجموعة أحاديث وردت عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم يفرق فيها بين الفجر الكاذب والفجر الصادق.
ففي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يغرنكم من سحوركم أذان بلال ولا بياض الأفق المستطيل هكذا حتى يستطير هكذا". وفي الحديث الذي رواه الحاكم والبيهقي من حديث جابر قول النبي صلى الله عليه وسلم "الفجر فجران: فأما الفجر الذي يكون كذنب السرحان (الثعلب) فلا يحل الصلاة ولا يحرم الطعام، وأما الفجر الذي يذهب مستطيلا في الأفق فإنه يحل الصلاة ويحرم الطعام". ولذا فإن على أي راصد أن يقوم بالبحث أولاً عن الفجر الكاذب.
رصد الفجر
ويجب توفر شرطين أساسيين كي يكون رصد الفجر الصادق والعثور عليه صحيحا ودقيقا، وهما: أولا، صفاء السماء وعتمتها نحو الأفق الذي نتجه للرصد إليه كالغرب (عشاء) والشرق (فجرا)، ولذا فإنه من الضروري عند الرصد الابتعاد عن المدينة بما فيها من تلوث ضوئي، إذ إن ضوءها كاف أن يطمس ضوء الفجرين الكاذب والصادق لفترة طويلة، وهو المأخذ الذي يؤخذ على الراصدين للفجر من المدن الذين يؤخرون دخول وقت الفجر حتى يظهر بياض السماء جليا، فالمدن ليست مواقع معيارية لهذا النوع من الرصد، إضافة إلى ضرورة أن يكون القمر غائبا وليس في السماء غيوم أو غبار.
وثانيا، وجود الفجر الكاذب (الشفق البروجي) والتعرف عليه وتحديد حدوده، إذ لا يظهر الشفق البروجي واضحا في جميع الفصول. وتعد رؤية الفجر الكاذب ثم تتبع تغير إضاءة السماء أفقيا عن يمينه ويساره الدليل الأوضح على انتشار الضوء واستطارته بما يطابق تعريفه في الحديث الشريف، وذلك أدل الدلائل على معيارية الرصد، لأنه المرجعية المعتمدة في تعريف الفجر الصادق.
وفي المشروع الذي امتد لسنتين ونفذته الجمعية الفلكية الأردنية على التوازي مع بعض الباحثين الفلكيين السعوديين تحقيقا لهذه الشروط، خلصت النتائج إلى أن وقت الفجر الصادق يحين حين تصبح الشمس عند زاوية 16.5 درجة تحت الأفق الشرقي وهي نفس الزاوية لوقت العشاء، وتعتبر هذه النتيجة المعيار الأكثر دقة في دخول وقت الفجر حتى الآن مقارنة بما تعتمده المعايير العالمية القديمة التي بنيت إما على القيم الفلكية وإما على آراء فقهية تقدم وقت الفجر احتياطا، والتي بسببها لا تزال بعض الأصوات تنادي بأن الفجر يؤذن بليل.
ومن أهم هذه المعايير معيار رابطة العالم الإسلامي الذي يعتمد زاوية 18 درجة للفجر والعشاء، وهي نفس زاوية الشفق الفلكي، يشابهه معيار جامعة العلوم الإسلامية بكراتشي، ومعيار تقويم أم القرى الذي يعتمد الزاوية 18.5 للفجر، وساعة ونصف الساعة بعد المغرب لدخول وقت العشاء على مدار السنة إلا رمضان فتصبح ساعتين.
وكذلك معيار الهيئة العامة المصرية للمساحة الذي يعتمد الزاوية 19.5 درجة، وهي أكبر زاوية بين جميع المعايير للفجر، والزاوية 17.5 للعشاء، ومعيار الاتحاد الإسلامي بأميركا الشمالية الذي بدأ يعتمد الزاوية 18 درجة للفجر والعشاء بعد أن كان اشتهر أنه يعتمد الزاوية 15 درجة.
______________
*هاني الضليع: عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك
المصدر : الجزيرة
۩❁
#منتدى_المركز_الدولى❁۩