🟢
الطب النبوي المجهول علمًا والمهجور عملًا (الحسد، والعين)
🟢
بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه وسلم؛ أما بعد:
فالحسد - عافانا الله وإياكم - كان أولَ ذنب عُصِيَ الله به في السماء، فحسد إبليسُ آدمَ، وكان أيضًا أول ذنب عُصِيَ به في الأرض، فحسد قابيلُ هابيلَ، والحسد لغة: يُقال: حَسَدَه يَحْسُدُه حُسودًا، قال الأخفش: وبعضهم يقول: يحسِده، بالكسر، والمصدر حسَدًا، بالتحريك، وحَسادَةً، وتحاسد القوم، ورجل حاسد من قوم حُسَّدٍ وحُسَّادٍ وحَسَدة مثل حامل وحَمَلَة، وحَسودٌ من قوم حُسُدٍ، والأُنثى بغير هاء[1].
🟩واصطلاحًا:
قال الجوهري: "الحسد أن تتمنى زوال نعمة المحسود إليك".
وقال الجرجاني: "الحسد تمني زوال نعمة المحسود إلى الحاسد"[2].
وعرَّفه الطاهر بن عاشور فقال: "الحسد: إحساس نفساني مركَّب من استحسان نعمة في الغير، مع تمني زوالها عنه؛ لأجل غَيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة، أو على مشاركته الحاسد"[3].
والعين لغة: مأخوذة من عان يَعِين: إذا أصابه بعَينِه، وأصلها من إعجاب العائن بالشيء، ويُقال عان الرجل يَعِينه عَينًا فهو عائن، والْمُصاب مَعِين على النقص، ومَعْيُون على التمام: أصابه بالعين[4].
واصطلاحًا: حقيقة العين نظرٌ باستحسان مَشُوب بحسَدٍ من خبث الطبع، يحصل للمنظور منه ضرر[5].
وجمهور العلماء على إثبات الإصابة بالعين للأحاديث المذكورة وغيرها؛ فمن حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العين حقٌّ، ولو كان شيءٌ سابقَ القدر لَسبقته العين، وإذا استُغْسِلتم فاغسلوا))[6].
لتعلم - أخي الكريم يرحمك الله - أنه لا يقع ضرر العين ولا غيره من الخير والشر، إلا بقَدَرِ الله تعالى، ولكنها أسباب، وقد أمرنا الله أن نستعيذ من الحاسد؛ في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق: 5]، فالحسد لا يقع إلا من نفس خبيثة حاقدة، والحاسد مَمْقُوت مبغُوض مطرود ملعون.
ومن حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرني أن أسْتَرْقِيَ من العَين))[7].
والرقية الشرعية معروفة من الكتاب والسنة، وقد تكلمنا من قبل وشرحنا بفضل الله تعالى كيفيتها.
🟥ولكن اليوم بإذن الله تعالى سنتكلم عن كيفية رقية اغتسال المحسود بالعين، بماء وضوء الحاسد؟
فإذا عُرِف الحاسد، يُؤمر حينئذٍ بالاغتسال كما نص حديث سهل بن حنيف رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وسار معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار - اسم موضع - من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف، وكان رجلًا أبيضَ، حَسَنَ الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة أحد بني عدي بن كعب وهو يغتسل فقال: ما رأيت كاليوم ولا جِلْدَ مُخبَّأة، فلُبِطَ سَهْلٌ، فأُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله، هل لك في سَهْلٍ والله ما يرفع رأسه؟ قال: هل تتهمون فيه من أحد؟ قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عامرًا فتغيَّظ عليه، وقال: عَلَامَ يقتل أحدكم أخاه؟ هلَّا إذا رأيت ما يعجبك برَّكت – أي: قُلْ: بارك الله، أو مثل ذلك - ثم قال له: اغتسل له، فغسل وجهه ويديه، ومرفقيه وركبتيه، وأطراف رجليه، وداخلة إزاره في قدح، ثم صُبَّ ذلك الماء عليه - يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه - ثم يكفأ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس))[8].
لُبِطَ؛ أي: صُرِعَ وسقط، وداخلة إزاره: أي: الجزء الملامس للبدن من الإزار.
قال المناوي: "قال القرطبي: وصفة الاغتسال عند العلماء أن يُؤتَى بقدح من ماء، ولا يُوضَع القدح بالأرض فيأخذ منه غرفة، فيتمضمض بها، ثم يمجُّها في القدح، ثم يأخذ منه ما يغسل به وجهه، ثم يأخذ بشماله يغسل به كفه الصحيحة ... ثم بيمينه ما يغسل كفه اليسرى، وبشماله ما يغسل مرفقه الأيمن، ثم بيمينه ما يغسل مرفقه الأيسر، ولا يغسل ما بين المرفقين والكفين، ثم قدمه اليمنى ثم اليسرى، ثم شق رأسه اليمنى فاليسرى، على الصفة والترتيب المتقدم، وكل ذلك في القدح ثم داخلة الإزار، وهو الطرف الذي على حقوه الأيمن، وفي رواية: يغسل ركبتيه، فإذا استكمل هذا، صبَّه من خلفه من على رأسه ... وقال: إنه تعبدي.
وقال عياض وبه قال الزهري، وأخبر أنه أدرك العلماء يصفونه، ومضى به العمل، وذلك أن غسل وجهه إنما هو صبة واحدة بيده اليمنى، وكذا سائر أعضائه، وليس على صفة غسل الأعضاء في الوضوء، وغسل داخلة الإزار إدخاله وغمسه في القدح، ثم يقوم الذي يأخذ القدح فيصبه على رأس المعين من ورائه على جميع بدنه، ثم يكفأ الإناء على ظهر الأرض"[9].
تلكم هي رقية المعين إذا عُلِم العائن.
حفظنا الله وإياكم من العين والحسد، وشر الحاسدين.
وجزاكم الله خيرًا.
خيرًا.
============
آلهوامش
[1] لسان العرب.
[2] التعريفات.
[3] التحرير والتنوير.
[4] لسان العرب.
[5] فتح الباري.
[6] صحيح البخاري وصحيح ومسلم.
[7] صحيح البخاري وصحيح ومسلم.
[8] الموطأ ومسند الإمام أحمد.
[9] فيض القدير.