شبهة حول صيام عاشوراء وتفنيدها
الثلاثاء 25 محرم 1433 هـ - 20-12-2011 م
السؤال
وصلتني هذه الكلمات من أحد الشباب قرأها على الإنترنت يسألني عن صحة ما ورد فيها، فأحببت أن أرد عليه بجواب من أهل العلم.
وفقكم الله للذود عن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
نص الرسالة :
إلى كل من يدعي أن صيام عاشوراء سُـنـّة ... !
قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
يكثر في هذه الأيام بالذات وفي المساجد وخطب الجمعة الحديث عن صيام هذا اليوم وبشكل عجيب جداً، ويحرص البعض على أن يؤكد عليه. لكن ما هو سبب صيام هذا اليوم ولم نصومه ؟
يقول الحديث : صحيح مسلم - كتاب الصيام - باب صوم يوم عاشوراء: وحدثني ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن أيوب عن عبد الله بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه. فصامه موسى شكرا فنحن نصومه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه.
لمراجعة الحديث في موقع موسوعة الحديث الشريف
لمراجعة الحديث في موقع الشبكة الإسلامية تحت رقم 1130
لمراجعة الحديث في موقع نداء الإيمان تحت رقم 2714
وفي موضع آخر : صحيح مسلم - كتاب الصيام - باب أي يوم يصام في عاشوراء.
وحدثنا الحسن بن علي الحلواني حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب حدثني إسماعيل بن أمية أنه سمع أبا غطفان بن طريف المري يقول سمعت عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : (يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم).
لمراجعة الحديث في موقع موسوعة الحديث الشريف
لمراجعة الحديث في موقع الشبكة الإسلامية تحت رقم 1134
لمراجعة الحديث في موقع نداء الإيمان تحت رقم 2722
كل قاريء للحديثين والقصة المذكورة عن سبب الصيام، ليتأمل الحديث جيداً وانظر الآن إلى هذه الملاحظات لنخرج بنتيجة ونترك لك الحكم بصحة هذه الأخبار.
أولا: انظر إلى الحديث الأول وتأمل به جيداً لقد غاب عن منتج هذا الحديث أن اليهود لا تعتمد في تقويمها على الهلال، وأن الاعتماد على الهلال مما أختص به المسلمون قال تعالى: يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : كيف كان يوم عاشوراء ( 10 محرم ) ثابتا عند اليهود على مر السنين ؟؟؟؟
توضيح أكثر: لو أراد أحد المسلمين أن يحتفل بميلاد المسيح عليه السلام بدعوى أننا ( أي المسلمون ) أولى بالسيد المسيح عليه السلام من المسيحيين أنفسهم ، فهل يستطيع تحديد يوم في تاريخنا الهجري بحيث يوافق دائما يوم ميلاد المسيح عند المسيحيين ؟
الجواب واضح ، فذلك أمر غير ممكن، لأن ميلاده ثابت بالنسبة لهم لأنهم يعتمدون التقويم الميلادي، ولكن بالنسبة لنا فنحن نعتمد التقويم الهجري المعتمد على الهلال، فالسنة الميلادية تزيد عن الهجرية بِـ 10 أو 11 يوم .
والآن إذا أردنا أن نصوم أو نحتفل باليوم الذي نجى الله فيه موسى ينبغي أن يكون هذا اليوم متغيرا في كل عام بالنسبة للتقويم الهجري ( المعتمد على الهلال )
فما الذي ثبته في يوم ( 10 محرم ) .؟؟
من المفترض أن يكون يوم عاشوراء أعظم عيد عند اليهود حيث فيه أعظم حدث عندهم وهو نجاة نبي الله موسى بانشقاق البحر له وهلاك عدوه فرعون، وهذه تشكل معجزة عظيمة ومنعطف مهم جدا في تاريخهم لا يمكن أن يهمله اليهود .
ولكن السؤال المحير هو : لماذا انقرض هذا العيد عندهم ولم يبق منه عين ولا أثر ، ففي كل عيد أو مناسبة عندهم تسمع في الأخبار أن الجيش الصهيوني يشدد إجراءاته الأمنية تخوفا من وقوع عمليات استشهادية، ولكن يوم عاشوراء يمر دون إجراءات أمنية ويوم عادي !!!
الملاحظة الثانية: الحديث يقول قدم النبي إلى المدينة وبعدها برواية أخرى يقول ابن عباس قالوا للنبي إنه يوم تعظمه ... فقال النبي (ص)فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع قال فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
والسؤال هنا: نحن نعلم أنه عندما قدم النبي (ص) إلى المدينة بقى بها 13 سنة بعد هجرته، فكيف مات بالسنة الأولى ؟!
وإذا قال أحد إنها كانت هي السنة التي مات بها المصطفى فهذا أغرب وأعجب؟
كيف لم يلاحظ الرسول (ص) طوال 13 عاماً صيام اليهود لهذا اليوم ؟؟!
ثم كلنا يعلم أن النبي (ص) أمر بإخراج اليهود من المدينة ، فمتى كان ذلك إذن !!!!!
🟩الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد :
فنقول ابتداء إن هذه الشبه التي أوردها صاحبها تدل على ضحالة تفكيره وعظيم جهله، وهذه حال كثير من المشككين فيما جاء به الشرع، يُعمِلون أفهامهم السقيمة في النصوص الشرعية ويخرجون بنتائج باطلة ثم يظنون أنهم أتوا بما لم يسبقوا إليه ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فصيام يوم عاشوراء مستحب بالإجماع، ولم تختلف الأمة طيلة أربعة عشر قرنا على مشروعية صيامه حتى جاء هؤلاء وحاولوا التشكيك فيه.
قال الإمام النووي في المجموع عن صوم عاشوراء: وأجمع المسلمون على أنه [اليوم] ليس بواجب ، وأنه سنة ... " اهــ .
ونحن نرد بتوفيق الله ومعونته على تلك الشبه واحدة تلو أخرى فنقول :
أولا : قوله إن اليهود لا يعتمدون في تقويمهم على الهلال , هو جهل بواقع الحال عند اليهود فإن السنة العبرية عند اليهود تعتمد أيضا على القمر إلا أنهم يقدمون ويؤخرون ويضيفون.
:جاء في الموسوعة العربية العالمية: تعتمد السنة العبرية على القمر، وهي في العادة مكونة من 12 شهراً. وهذه الأشهر هي : تشْري، مرحشوان، كسلو، طبت، شباط، أدار، نيسان ، أيار، سيوان، تموز، آب، أيلول. تتكون الأشهر من 30 و 29 يومًا بالتبادل. في خلال كل 19 عامًا، يضاف شهر إضافي قوامه 29 يومًا سبع مرات بين شهري أدار ونيسان، ويطلق على هذا الشهر اسم فيادار. وفي الوقت ذاته يصبح أدار 30 يومًا بدلاً من 29 يومًا. اهــ .
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن اليهود الذين عاصرهم وهو يرد على من يقول إنهم لا يعتدون بالهلال: فَإِنَّ الْيَهُود لَا يَعْتَبِرُونَ فِي صَوْمهمْ إِلَّا بِالْأَهِلَّةِ، هَذَا الَّذِي شَاهَدْنَاهُ مِنْهُمْ ، فَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون فِيهِمْ مَنْ كَانَ يَعْتَبِر الشُّهُور بِحِسَابِ الشَّمْس لَكِنْ لَا وُجُود لَهُ الْآن، كَمَا اِنْقَرَضَ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّه عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ عُزَيْر اِبْن اللَّه. اهــ .
ثانيا : لو سلمنا جدلا أن اليهود لا يعتدون بالقمر في الحساب، وبالتالي خلص إلى تلك النتيجة البائسة من أن اليوم الذي نجى الله فيه موسى لا يمكن تحديده بتقويم الأهلة لأن اليهود لا يحسبون بها، كما أنه لا يمكن تحديد ميلاد المسيح بتقويم الأهلة لأن النصارى لا يحسبون بها. نقول إنه نسي حقيقة لا تخفى على من له أدنى بصيرة، وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم نبي يوحى إليه، لا ينطق عن الهوى ومؤيد بالوحي من السماء ولا يقر على الخطأ لو فرض حدوثه. فإذا صام يوم عاشوراء على اعتبار أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى علمنا يقينا أن الله نجى موسى في ذلك اليوم, وإذا ثبت هذا فإننا نصوم هذا اليوم لأن الله جعل المعتمد في مواقيت الناس هو الهلال لا ما يحسب به اليهود والنصارى قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ ... } سورة البقرة : 189 , وقال تعالى عن القمر: وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ.{يونس:5}. فإذا خرج اليهود والنصارى عما سنه الله لعباده وجعله ميزانا للمواقيت لهم فإن هذا لا يغير من حقيقة الأمر شيئا, ويكونون بذلك قد غيروا اليوم الذي نجى الله فيه موسى حين حسبوه بالأشهر الشمسية, ويكون النبي صلى الله عليه وسلم قد رد الأمر إلى نصابه واعتد بما جعله الله ميقاتا لحساب الناس .
ثالثا : لو فرض أن اليهود يخالفوننا في طريقة الحساب ويعتدون بالأشهر الشمسية فإن هذا لا يضر أيضا لأن هذا يكون مما أحدثوه وبدلوه من الشرائع السابقة, وقد ذكر أهل العلم أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا أولا يعتدون بالهلال فبدلوا وحرفوا كما بدلوا أصل الدين وحرفوه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الشَّرَائِعَ قَبْلَنَا أَيْضًا إنَّمَا عَلَّقَتْ الْأَحْكَامَ بِالْأَهِلَّةِ وَإِنَّمَا بَدَّلَ مَنْ بَدَّلَ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ كَمَا يَفْعَلُهُ الْيَهُود فِي اجْتِمَاعِ الْقُرْصَيْنِ، وَفِي جَعْلِ بَعْضِ أَعْيَادِهَا بِحِسَابِ السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ، وَكَمَا تَفْعَلُهُ النَّصَارَى فِي صَوْمِهَا حَيْثُ تُرَاعِي الِاجْتِمَاعَ الْقَرِيبَ مِنْ أَوَّلِ السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ وَتَجْعَلُ سَائِرَ أَعْيَادِهَا دَائِرَةً عَلَى السَّنَةِ الشَّمْسِيَّةِ بِحَسَبِ الْحَوَادِثِ الَّتِي كَانَتْ لِلْمَسِيحِ ... اهــ.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في مجموع فتاواه: وقد روى غير واحد من أهل العلم أن أهل الكتابين قبلنا إنما أمروا بالرؤية أيضاً في صومهم وعبادتهم، ولكنهم بدلوا قلت: ويؤيده قوله تعالى: { يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } والناس كلمة عامة وقوله تعالى: { هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب }. وقوله تعالى: { إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم }. وقد أجمعوا على أن المراد الأشهر الهلالية. اهــ .
رابعا : تشكيكه في تلك الروايات الصحيحة بزعمه أن اليهود لا يحتفلون بهذا اليوم الآن. جوابه أن هذا غير صحيح أيضا فإن اليهود يحتفلون كل سنة بعيد الفصح وهو عيد له علاقة باليوم الذي نجاهم الله فيه من فرعون، حيث يحتفل فيه اليهود بذكرى خروجهم من مصر، وما عانوه في هروبهم.
جاء في موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية لعبد الوهاب المسيري: وفي شهر أبريل، يحل عيد الفصح، حيث يروي اليهود قصص عبوديتهم في مصر وما عانوه من مشقة في الهرب عبر الصحراء ... اهــ.
ولو فرض أنهم الآن لا يحتفلون بهذا اليوم فإن هذا لا يعتبر قادحا في الأحاديث الصحيحة التي جاءت بأنهم كانوا يصومونه, فاليهود الآن لا يقولون بأن عزيرا ابن الله, فهل هذا يعني أنه لم يكن في السابقين من كان يقول بهذه المقولة, واليهود اليوم لا يقرون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم فهل هذا يعني أن موسى لم يخبرهم به ؟!! فإذا كان اليهود اليوم قد تركوا ما جاءهم به موسى من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فلأن يتركوا عيدا من باب أولى .
خامسا : زعمه بأن هناك تناقضا بين الأحاديث حيث جاء في بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم صامه أول مقدمه المدينة, وفي بعضها أنه مات قبل أن يصوم التاسع, ويعضد ذلك بأنه بقى بالمدينة 13 سنه بعد هجرته. نقول له مصححين أولا إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعش في المدينة بعد هجرته إلا عشر سنين، وهذا مما يستوي في علمه أهل العلم وأهل الجهل. ثم نقول إنه لا تعارض بين ما ذكره البتة فالنبي صلى الله عليه وسلم صام عاشوراء أول مقدمه المدينة ولم يعزم وقتها على صيام التاسع معه، وظل يصوم العاشر وحده إلى ما قبل وفاته بسنة لمَّا ذكره الصحابة بأن اليهود يعظمونه وقد علموا من سنته أنه يحب مخالفتهم بعدما كان في أول البعثة يوافقهم أخبرهم عندها أنه سيصوم التاسع معه ومات قبل مجيء التاسع من السنة التالية , فأي تعارض في هذا ؟!! وليس في هذا أنه كان لا يعلم تعظيم اليهود له وإنما نزل التشريع بمخالفتهم في تلك السنة.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قَدْ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيمَا يُخَالِف فِيهِ أَهْل الْأَوْثَان ، فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّة وَاشْتُهِرَ أَمْر الْإِسْلَام أَحَبَّ مُخَالَفَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْضًا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ ، فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ ، فَوَافَقَهُمْ أَوَّلًا وَقَالَ : نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ ، ثُمَّ أَحَبَّ مُخَالَفَتهمْ فَأَمَرَ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ يَوْمٌ قَبْله وَيَوْمٌ بَعْدَهُ خِلَافًا لَهُمْ. اهــ .
والله أعلم.
شبكة إسلام ويب