وقفات مع العلاج بالرُّقية
د.هاني بن عبد الله بن جبير
الحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
فقد انتشرت ظاهرة العلاج بالرقية في المجتمع انتشاراً ملحوظاً، وكان بعض من يزاولها غير كفء لها، مما أدى إلى حصول أخطاء شرعية وتلبّس بعض الدجالين والمشعوذين بلباس الرقية، لذا فإن هذه الأكتوبة محاولة لوضع ضوابط وملاحظات في هذا الموضوع المهم، وذلك من خلال أربع وقفات أذكرها تباعاً ..
أولاً : الرقية ليست مختصة بأشخاص معينين، وليست لها طريقة معقدة تستدعي دراسة خاصة أو خبرة معينة. بل هي نوع من الدعاء لأي شخص أن يستعملها كما أن يدعو الله تعالى . إذا كان يعرف ضوابط الرقية الشرعية .
ثانياً : للرقية ضوابط شرعية ذكرها أهل العلم(1) وهذه أبرزها :
1- أن تكون بعبارات واضحة ومعنى مفهوم .
2- أن لا يكون فيها شرك بالله واستعانة بغيره . عن عوف بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك) (2).
3- أن لا تكون بهيئة محرمة، كأن يتقصد بالرقية وقت الجنابة أو في مقبرة أو حمام .
4- أن لا تشتمل الرقية على سب أو لعن أو غيرها من الألفاظ المحرمة
5- أن لا يعتقد أن الرقية تأثر بذاتها .
ثالثاً : هناك أمور منكرة وأخطاء تحدث بكثرة لدى المتفرغين للرقية لابد من التنبيه عليها ومنعها، كما أن بعضها يدل على أن فاعلها قد يكون من أهل الشعوذة . ومن أبرزها ما يلي :
1- الرقية عبر مكبران الصوت، وعبر الهاتف، وعلى مجموعة من الناس . جاء في فتوى للجنة الدائمة للإفتاء : ( الرقية لابد أن تكون على المريض مباشرة، ولا تكون بمكبرات الصوت ولا بواسطة الهاتف، لأن ذلك يخالف ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان في الرقية، وقد قال صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) (3).
2- مس المرأة .
إذ لا يجوز للراقي أن يمس شيئاً من بدن المرأة إلا من تحل له في الشرع .
قالت اللجنة الدائمة للإفتاء (لا يجوز للراقي أن يمس بدن المرأة التي يرقبها لما في ذلك من الفتنة، وإنما يقرأ عليها بدون مس) (4).
3- جعل الرقية وسيلة تشخيصية .
فالرقية جعلها الله سبباً من أسباب الشفاء، وسواء عرف المرض أولا، ولم يجعلها الله وسيلة لمعرفة سبب المرض هل هو عين أو سحر أو غير ذلك .
وقد يمكن أن يظهر للراقي شيء من ذلك لكن الجزم به غير ظاهر .
4- الخلوة بالمرأة .
فلا يجوز للراقي ولا لغيره أن يخلو بامرأة أجنبية عنه . عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يخلو رجل بامرأة إلا معها محرم) (5).
5- ضرب المريض أو ربطه.
فبعض من يقوم بالعلاج يقوم بضرب المريض أو ربطه أو خنقه بدعوى طرد الجن . قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله : ( الذي ينبغي تركه : لأنه قد يعتدي عليه وقد يضره على غير بصيرة ولقد ورد عن بعض الأئمة فعل مثل ذلك الضرب . وهذا يحتاج إلى نظر فإن الخنق والضرب قد يترتب عليه هلاك المريض والمشروع هو القراءة فقط بالآيات والدعوات الطيبة وهذا هو الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضوان الله عنهم، ولا نعرف منهم أنهم كانوا يضربون .. فالواجب عدم فعل ذلك، وعدم التعرض لهذا الخطر العظيم، ولو كان خيراً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم ولبينه
الصحابة، ثم هذا في الغالب تخرصات قد تفضي إلى هلاك المريض) (6).
6 – طلب ذبح خروف أو ديك أو غيرها على شكل معين طلباً للشفاء .
جاء في فتوى اللجنة الدائمة بالإفتاء: (الذهاب إلى من يقرأ آيات ويأمر بذبح كبش أو ثور مثلاً فهذا لا يجوز، لأن ذلك رقية بدعية، وأكل للمال بالباطل) (7)
7- طلب اسم الأم أو شيء من ملابس المريض .
قد أجابت اللجنة الدائمة للإفتاء عن ذلك بقولها (يحرم الذهاب لمن يدعي علم المغيبات، ولا يجوز أن يرسل لهم ثوب ولا قميص ولا غيرها ويحرم تصديقهم بما يقولون) (
.
8- إعطاء أحجار أو خرق أو غيرها، أو ربط حيوان معين كالذئب، أو طلب وضع حيوان مخصوص في بيت المريض .
قد قالت اللجنة الدائمة للإفتاء (إنه نوع من الكهانة) (9)
9- استعمال التمائم .
هي أوراق أو خرق أو غيرها تكتب عليها عبارات إما من القرآن أو غيرها وتعلق أو تلبس، وهذه استعمالها حرام مطلقاً .
جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء (تعليق التمائم على الإنسان أو غيره من القرآن محرم في أصح قول العلماء، وإن كان من غيره فهو أشد تحريماً وتختلف مراتب الحكم فيه باختلاف قصد صاحبه، فقد يكون شركاً أصغر وقد يكون بدعة ومعصية، وعلى كل حال لا يجوز فعله، ولا ينبغي الائتمان بمن يفعله أو يعلقه) (10).
10- كتابة سورة أو آيات من القرآن في لوح أو طبق أو ورقة بالزعفران وغسله بالماء .
جاء في جواب اللجنة الدائمة للإفتاء: (أما كتابة سورة أو آيات من القرآن في لوح أو طبق أو قرطاس، وغسله بماء أو زعفران أو غيرها، وشرب تلك الغسلة رجاء البركة أو استعادة علم أو كسب مال أو صحة أو عافية ونحو ذلك، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل لنفسه أو لغيره، ولا أنه أذن لأحد من أصحابه أو رخص فيه لأمته مع وجود الدواعي التي تدعو إلى ذلك، ولم يثبت في أثر صحيح فيما علمنا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه فعل ذلك أو رخص قيه) (11).
رابعاً : الأصل أن يكون الراقي ممن يحسن تلاوة القرآن الكريم، ويعرف الأدعية المأثورة والرقى التي ذكرها أهل العلم في كتبهم ككتاب الأذكار للنووي، والكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية, والوابل الصيب من كلام الطيب لابن القيم.
كما أن الأصل أن يكون سمته سمت أهل الصلاح، فلا يكون عليه شيء من علامات الفسق، ولا يكون في مكانه شيء من آلات اللهو والمنكرات الظاهرة.
هذا بعض ما يمكن مراعاته في هذه المسائل المهمة. أسأل الله تعالى التوفيق والصواب، وإخلاص القول والعمل، وصلى الله على محمد وآله وصحبه ,,,
--------------------------------------------------------------------------------
(1) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية (1/182, 328) ، فتح الباري (10/166) تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد (412 ، 411) .
(2) صحيح مسلم كتاب السلام ، باب لا بأس بالرقى مالم يكن فيه شرك برقم 2200
(3) صحيح البخاري كتاب الصلح ، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود برقم 2697 صحيح مسلم كتاب الأقضية برقم 1718 والفتوى رقمها 2361 .
(4) الفتوى السابقة .
(5) صحيح البخاري كتاب النكاح ، باب لا يخلو رجل بامرأة إلا ذو محرم برقم 233: صحيح مسلم كتاب الحج برقم 1341.
(6) مجلة الدعوة العدد 1543.
(7) فتوى اللجنة الدائمة رقم 6773 .
(
فتوى اللجنة الدائمة رقم 9807 .
(9) فتوى اللجنة الدائمة رقم 9496 وانظر الفتوى رقم 7323 .
(10) فتوى اللجنة رقم 2775 وانظر الفتوى رقم 1545 ورقم 2749 .
(11) فتوى اللجنة رقم 1257 .