أحداث غزوة أحد والدروس المستفادة
فهذه أهم أحداث غزوة أحد باختصار، ولنا فيها ألف عبرة وعبرة، ومن أهمها: أهمية الشورى في الإسلام: فمع أنه -صلى الله عليه وسلم- نبي مرسل من عند الله ينزل عليه جبريل بالوحي من السماء إلا أنه -صلى الله عليه وسلم- ترك رأيه...
لم يستطع مشركو قريش أن ينسوا هزيمتهم المخزية يوم بدر، وأخذوا يجمعون الأموال ويعدون العدة ويهيجون النفوس الموتورة أصلًا للأخذ بثأرها من المسلمين، فظلوا عامًا كاملًا يستعدون لغزو المدينة النبوية وإجهاض تلك الدولة الإسلامية الوليدة.
فها هم يخرجون من مكة بأشرهم وبطرهم في شهر شوال من السنة الثالثة للهجرة، وكان عددهم ثلاثة آلاف مقاتل يقودهم أبو سفيان بن حرب الذي كان لا يزال على كفره.
ويعلم المسلمون بتحركهم، ويشاور رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسلمين قائلًا: "إني رأيت فيما يرى النائم كأني لفي درع حصينة، وكأن بقرًا تنحر وتباع، ففسرت الدرع المدينة، والبقر نفرًا والله خير، فلو قاتلتموهم في السكك فرماهم النساء من فوق الحيطان"، قالوا: فيدخلون علينا المدينة! ما دخلت علينا قط ولكن نخرج إليهم قال: "فشأنكم إذا"، قال: ثم ندموا فقالوا: رددنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأيه، فأتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسول الله رأيك، فقال: "ما كان لنبي أن يلبس لأمته ثم يضعها حتى يقاتل"(رواه النسائي في الكبرى).
ويستعد الجيش الإسلامي للقتال في ألف مقاتل، ويخرجون من المدينة النبوية وفي الطريق ينسلخ ثلث الجيش بقيادة رأس المنافقين عبدالله بن أبي زاعما عدم جدوى هذه الحرب وكونها أستندت لمشورة الشباب دون الشيوخ، ويعود متقهقرًا إلى المدينة خاذلًا المسلمين وتاركًا إياهم لعدوهم! قائلًا: "علام نقتل أنفسنا وأولادنا" فتبعه أبو جابر السلمي وقال: أنشدكم الله في نبيكم وأنفسكم، فقال عبد الله بن أبي: (لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ)"(تفسير الخازن)، وعلَّق القرآن الكريم قائلًا: (هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ)[آل عمران: 167].
ثم تابع بقية الجيش الإسلامي إلى جبل الرماة جاعلينه خلفهم، ويأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- الرماة أن يكونون فوق جبل الرماة ليحموا ظهور المسلمين، وأمَّر عليهم عبد الله بن جبير -رضي الله عنه-، وشدد عليهم قائلًا: "لا تبرحوا، إن رأيتمونا ظهرنا عليهم فلا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا فلا تعينونا"(رواه البخاري).
وما هو إلا أن التقى الجيشان حتى كانت الجولة الأولى لصالح المسلمين، يقول البراء بن عازب -رضي الله عنهما-: "فلما لقينا هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل، رفعن عن سوقهن، قد بدت خلاخلهن"، وعندها قال أصحاب عبد الله بن جبير: "الغنيمة أي قوم الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا: والله لنأتين الناس، فلنصيبن من الغنيمة، فلما أتوهم صرفت وجوههم، فأقبلوا منهزمين"(رواه البخاري)، وخالف الرماة أمر قائدهم -صلى الله عليه وسلم- فكانت الهزيمة، فقُتل من المسلمين سبعون، في حين لم يُقتل من المشركين إلا اثنان وعشرون.
ويصل المشركون إلى مكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويهاجمون بشراسة آملين أن يقتلوه، ويستميت الصحابة في الدفاع عن نبيهم -صلى الله عليه وسلم-، يصف أنس -رضي الله عنه- ذلك المشهد قائلًا: "لما كان يوم أحد انهزم الناس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأبو طلحة بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- مجوب به عليه بحجفة له، وكان أبو طلحة رجلًا راميًا شديد القد، يكسر يومئذ قوسين أو ثلاثًا، وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل، فيقول: "انشرها لأبي طلحة"، فأشرف النبي -صلى الله عليه وسلم- ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: يا نبي الله، بأبي أنت وأمي، لا تشرف يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك... ولقد وقع السيف من يدي أبي طلحة إما مرتين وإما ثلاثا"(متفق عليه)، ويصيب الأذى رسولَنا -صلى الله عليه وسلم-، يقول سهل بن سعد -رضي الله عنه- وقد سئل عن جرح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد: "جرح وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكسرت رباعيته، وهشمت البيضة على رأسه"(متفق عليه).
وتنطلق الشائعة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قُتل، فيقعد بعض المسلمين متثاقلين محبطين، فيمر عليهم أنس بن النضر -رضي الله عنه- فيسألهم: "ما يجلسكم؟ قالوا: قتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: فما تصنعون بالحياة بعده! قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"(السيرة النبوية لابن كثير)، ثم قال: "اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء -يعني أصحابه-، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء -يعني المشركين- ثم تقدم"، فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: "يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد"، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعا وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح، أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: "كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)[الأحزاب: 23] إلى آخر الآية"(متفق عليه).
ويشرف أبو سفيان على المسلمين شامتًا متشفيًا وهو يقول: أفي القوم محمد؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لا تجيبوه"، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة؟ قال: "لا تجيبوه"، فقال: أفي القوم ابن الخطاب؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا، فلم يملك عمر نفسه، فقال: كذبت يا عدو الله، أبقى الله عليك ما يخزيك، قال أبو سفيان: اعل هبل، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أجيبوه"، قالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا: الله أعلى وأجل"، قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أجيبوه"، قالوا: ما نقول؟ قال: "قولوا الله مولانا، ولا مولى لكم"، قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر، والحرب سجال، وتجدون مثلة، لم آمر بها ولم تسؤني"(رواه البخاري).
***
فهذه أهم أحداث الغزوة باختصار، ولنا فيها ألف عبرة وعبرة، ومن أهم العبر والدروس: أهمية الشورى في الإسلام: فمع أنه -صلى الله عليه وسلم- نبي مرسل من عند الله ينزل عليه جبريل بالوحي من السماء إلا أنه -صلى الله عليه وسلم- ترك رأيه بالمكوث في المدينة والقتال داخلها، ونزل على رأي أصحابه -رضي الله عنهم- بالقتال خارجها، ولا عجب فهو أمر الله -عز وجل- له: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)[آل عمران: 159].
ومنها: خطورة المنافقين على الصف المسلم: حيث أراد ابن سلول وأتباعه زلزلة الصف الإسلامي من داخله؛ فانسحبوا من القتال ليصير المسلمون سبعمائة مقاتل فقط في مواجهة ثلاثة آلاف من المشركين، ولعل انسحابهم كان خيرًا للمسلمين: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا)[التوبة: 47].
ومنها: وجوب طاعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشؤم مخالفته: فقد كان عصيان الرماة لأمره -صلى الله عليه وسلم- سببًا في الهزيمة بعد بشائر النصر.
ولا تنقطع الدروس والعبر من هذه الغزوة، ونقر أننا لم نستطع الإحاطة بدروسها ولا بأحداثها في هذه العجالة، لذا فقد أتينا بمجموعة من الخطب المنبرية تلقي مزيدًا من الضوء على تلك الغزوة العظيمة وعلى شيء من دروسها.
۩❁
#منتدى_المركز_الدولى❁۩