فضل السجود
عبادة عظيمة جليلة، إنها السجود!!
السجود هو انطراح للجبار، وتذلل للقهار، وتمريغ للأنف، وتعفير للوجه، وانطلاق من أسْر الدنيا، وهروب من قيود الطاغوت، وتجرد من أوسمة العظمة، وتخلّ عن رُتَب الفخامة، وألقاب الزعامة.
السجود غاية التواضع والعبودية لله تعالى، ففيه تمكين أعز أعضاء الإنسان وأعلاها وهو وجهه من التراب الذي يُداس ويمتهن.
السجود أقصى درجات العبودية، وأجل مظاهر التذلل، وأصدق دلائل الإذعان، وأعذب مناظر الخشوع، وأفضل أثواب الافتقار.
السجود روضة خاصة، إذا دخلها القلب لا يخرج منها أبدًا، ففيها من اللذة والانشراح ما لا يُوصَف، ولا يحيط به قلم، ورغم صغر موضع السجود، إلا إنه للروح أوسع من الدنيا وما فيها. جاء عند الإمام البيهقي رحمه الله بسندٍ صحيح عن أبي الدرداء tأنه قال: «لولا ثلاثٌ ما أحببْتُ البقاءَ في الدنيا: ساعةُ ظمأٍ في الهواجر ـ يعني: صيامٌ في شدة الحرـ، والسجودُ في الليل، ومجالسة أقوامٍ ـ أي: أصدقاءٍ صالحين ـ ينتقون أَطَايبَ الكلام كما ينتقي أحدُهُمْ أطايبَ التَّمْر».
وقال مسروق رحمه الله: « ما من الدنيا شيء آسى عليه إلا السجود لله تعالى» [نزهة الفضلاء تهذيب سير أعلام النبلاء 1/ 333 ]
السجود أقرب ما يكون العبد من ربه وهو فيه يتنعَّم، تُسكَب فيه العبرات، وتُزاح الآهات، تُطرح الحاجات، تُجاب الدعوات، ترفرف الأفئدة نشوةً وفرحًا بما تنعم به في مِثل هذه اللحظات.
السجود فيه لقاء من نوع خاص لا يَحضُره أحد ولا يُمنع منه أحد، ولا يدري به أحد، فهو بين العبد والرب، لقاءٌ شفاف بعيد عن الدنيا ومن فيها وما فيها، تختلط فيه الدموع بالدعوات، والتملق بالثناء، والخوف بالرجاء، والسرور بالبكاء.
السجود عنوان عبودية، ورمز خضوع، وموقف عزٍّ، ومدرسة اعتراف، فسبعة أعضاء تسجد لله وتحمل البدن، كلها مُنطرِحة غير متأفِّفة ولا مستكبِرة، بل راغبة مُحبَّة طالبة للعز والرفعة.
السجود إنه الاعتراف في ذُلٍّ بعظمة الخالق وجبروته وكبريائه، إنه طريق معبَّد للمرور إلى الجنة إن شاء الله. . .
لأهمية السجود فقد ذُكرت ألفاظ السجود في كتاب الله في اثنين وتسعين موضعاً.
أهمية السجود وثماره وآثاره
1- السجود رفعة درجات:
اسجد ففي كلِّ سجدة تسجدها مطمئنًّا مؤمنًا ترتفع درجة، وأقرب ما يكون القلب من الرب إذا سجد، فلا تبخل على نفسك، ولا تعجل في سجودك، فأطِل؛ فاللذة تأتي كلما طال بقاؤك ساجدًا حتى إنك تود ألا ترفع.
ورد عند مسلم من حديث ثوبان رضي الله عنه أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له أخبرني عن عمل يدخلني الجنة؟ فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فأعاد الرجل قوله ثانية فسكت عليه الصلاة والسلام، فأعاد الرجل قوله ثالثة فسكت ثم قال له سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: « عليك بالسجود فأنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة »[ مسلم (شرح النووي ) 4/274، كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه، حديث رقم (488). ]، وفي رواية «مَن سجد لله سجدةً، كتب الله له بها حسنةً، وحطَّ بها عنه خطيئةً، ورفَع له بها درجةً» [صحيح الترغيب والترهيب].
الله أكبر ما أعظمه من أجر، فتأمل كم أنت مفرط في حق نفسك إذ لم تُكثر من السجود لله سبحانه وتعالى.
2- السجود وقاية من النار:
السجود من أعظم أسباب الوقاية من عذاب النار وشاهد ذلك حديث ربيعه بن كعب رضي الله عنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم مرافقته في الجنة فكان جواب المصطفى عليه الصلاة والسلام له أنه قال: « فأعني على نفسك بكثرة السجود » [ مسلم (شرح النووي ) 4/274، كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه، حديث رقم ( 489). ]، وهذا يدل على أن السجود من أعظم المؤهلات لدخول الجنة وحصول رضوان الله تعالى.
3- السجود تفريج الهم وتنفيس الكرب:
السجود فيه تفريج الهم، وتنفيس الكرب وحصول انشراح الصدر، وثبوت الإيمان في القلب، فالمسلم عندما تتكالب عليه الدنيا بمشكلاتها ومعضلاتها، وتعترضه المحن وتحل به الابتلاءات يجد في العبادة والسجود عوناً على ذلك ومخرجاً منه، ومما يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿ كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق:19] أي اقترب من الله وتوكل عليه بطاعته والسجود إليه، وهو توجيه بالصد عن أعراض المعرضين وتكذيبهم والاستعانة على مواجهتهم بالطاعة والسجود، وتأمل كذلك قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ﴾[الحجر: 97-98]، ما يعني أن السجود علاج لضيق الصدور.وهذا المعنى مهم بالنسبة للمؤمن وللدعاة على وجه الخصوص لانهم يُلاقون الإعراض ويتعرضون للإيذاء، فليعلموا أنه لا يثبتهم ولا يشرح صدورهم ولا يزيل غمهم وكربهم إلا هذه العبادة وهذا السجود حينما ينطرح الواحد بين يدي الله فيُلقي بأمره وهمه بين يدي الله، فيكون السجود أُنساً له وكأن لسان حاله يقول: « إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي » [الطبراني في الكبير عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ورمز المناوي لحسنه فيض القدير 2/119. ].
4- الساجدين غُراً محجلين:
من أعظم آثار و بركات و فضائل الساجدين المصلين أنهم يُبعثون يوم القيامة غُراً محجلين من آثار السجود كما ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم، أي منورين وجوههم مضيئة مشرقة من آثار السجود لما سجدوا لله نوّر الله وجوههم وبيّضها يوم القيامة: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾[آل عمران:106] .
5- تذكر البداية والنهاية:
السجود فيه التصاق بالأرض يتذكر به العبد البداية والنهاية؛ لأن الإنسان في سجوده يمرّغ جبهته بالتراب فيتذكر أن أصل خلقته من التراب وأنه عاد إلى هذا التراب، وأن الله سبحانه وتعالى يبعثه يوم القيامة للنشر والحساب وهذا المعنى يتجسد بأبلغ ما يكون في السجود، والأرض لن تنس جباه الساجدين.
6- صارف عن الدنيا:
السجود بهيئته صارف عن رؤية الدنيا وفتنتها، فالإنسان حينما يسجد يكون نظره في سجوده إلى هذه القطعة والرقعة الصغيرة في الأرض لا يرى من الدنيا سواها فيتذكر مقدار الدنيا بالنسبة للآخرة، ففي أثناء قيام العبد في الصلاة قد يلفت نظره شيء من الدنيا أو يرى الأشخاص أو الذوات، وكذا في ركوعه قد يقع بعض ذلك، أما في سجوده فلا يحصل شيء من هذا أبداً فلا يرى شيئاً من الدنيا، ولا يبصر أحداً من أهلها، فكأنما انصرف عن كل شيء وعن كل بشر وتجرد من كل نفع ومن كل ضر وتبرأ من كل حول ومن كل طول ولم يبق له نظر إلا إلى الله سبحانه وتعالى به يعلق قلبه، وبذكره يرطب لسانه، ومنه يرجوا الإعانة وله يخلص النية، ولذا كان السجود موضع قرب من الله لأن فيه كمالاً في التجرد لله.
7- مشاركة كل الاعضاء:
السجود فيه مشاركة لمعظم الأعضاء، إذ أن الإنسان في وقوفه أو في ركوعه يستخدم بعض الأعضاء ولكن في سجوده يكون على هذه الأرض بيديه وقدميه وركبتيه وجبهته وأنفه فهذا كله دليل على أنه كله لله سبحانه وتعالى، وأن كل حواسه ينبغي أن تكون لله عز وجل وفق أمر الله، فلا ينبغي أن يسجد ثم ينظر إلى المحرمات بعينه، أو يعتدي على المحرمات بيديه، أو يمشي إلى المنكرات برجليه، وهذا المعنى يتحقق للمتأمل في السجود ومعانيه.
8- النار لا تآكل آثار السجود:
حرّم الله عز وجل على النار أن تأكل آثار السجود؛ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه في حديث طويل وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : « .....حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار، أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله، فيخرجونهم، ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود. فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود. . . »[صحيح الجامع، رقم الحديث 7033]..
9- مراغمة للشيطان:
السجود يفرق ما بين الإنسان والشيطان، إذ هو في الحقيقة مراغمة لهذا الشيطان، ودحرله، لأن الشيطان أُمر بالسجود فأبى، وكان ذلك سبب حلول لعنة الله عليه ثم يكون له العقاب في الآخرة،.قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله. أُمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فأبيت فلي النار » [صحيح مسلم الإيمان (81)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1052)، مسند أحمد بن حنبل (2/443). ]، وأما الذي يسجد استجابة لأمر الله سبحانه وتعالى فإنه حينئذ يكون متحققاً بالعبودية معلناً مراغمته وخصومته للشيطان، ولما كان عقاب إبليس عند امتناعه من السجود طرد وإبعاد من رحمة الله، فعندما تسجد لله يكون العكس تعرُّض لرحمة الله واقتراب.
10- موضع الدعاء الأقرب:
السجود هو موضع الدعاء الأكبر والأعظم في الصلاة لأنه هو مقام القرب، فإذا كنت قريباً كنت مؤهلاً أن تقدم دعاءً ذليلاً، وأنت ملتصقاً في الأرض، ذاكراً لفضل الله عليك بالإبتداء ومتذكراً للفناء والانتهاء، كل هذه المعاني تجعلك في مقام وهيئة يحبها الله ويرضاها؛ إذ هو جل وعلا يحب من عباده المبالغة في العبودية والذلة والتضرع والسؤال له سبحانه وتعالى، فإذا سجدت فأخبره بأسرارك ولا تُسمع من بجوارك، وأروع ما في السجود أنك تهمس في أُذن الأرض فيسمعك من في السماء.
سجود الدنيا وسجود الآخرة
العبد المؤمن دُعي للسجود في الدنيا فسجد والكافرون دُعوا فأبوا أن يسجدوا، ويوم القيامة يتمنون السجود مع إرادتهم له ورغبتهم فيه لأن ظهورهم تصير طبقاً واحداً فلا يستطيع الواحد منهم أن يحني ظهره ليسجد، وهذا هو ما ذكره أهل التفسير عند بيان معنى قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ ﴾[القلم:42]، فلا يستطيعون السجود، إما لأن وقته قد فات، وإما لأنهم كما وصفهم في موضع آخر يكونون: ﴿مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ﴾ [في ظلال القرآن 6/3667 ].قال صلى الله عليه وسلم: « يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنه ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاء وسمعه فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً » [البخاري (فتح الباري ) 8/531، كتاب التفسير، سورة (ن و القلم )، باب (يوم يكشف عن ساق )، حديث رقم (4919)]. فإذا تذكر العبد المؤمن هذا المقام أيضاً فإنه يرى أن مسابقته للسجود نجاة وخلاص من هذا المقام العصيب وذلك الموقف الرهيب و تقرب لله العظيم لينجيه من العذاب الأليم.
سجود القلب والقرب
سُئل أحد العارفين: أيسجدُ القلب؟
قال: نعم، سجدة لا يرفعُ رأسه منها أبداً. . ! !والسجود يكون فيه المرء أقربَ ما يكون من ربه، كما في الحديث الصحيح "أقربُ ما يكونُ العبدُ إلى الله وهو ساجد".وصحَّ في الحديث أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم: "أقربُ ما يكون الربُّ من العبدِ في جوفِ الليلِ الآخِر". فالعبودية مراتب، وبمقدار تحقق الذلة تتحقق أهلية الإنسان لوصف العبودية واسم العبد فبقدر ما يذل وبقدر ما تكون صورة الذل لله عظيمة وكبيرة بقدر ما يتحقق فيه معنى العبودية لله سبحانه وتعالى، فإذا عرفنا أن العبودية هي أعلى مراتب هذا الإنسان المؤمن في هذه الحياة ظهر لنا سر اختصاص السجود بالقرب.
الكون كله يسجد لله
حينما يتأمل الإنسان في هذا السجود فإنه يجد أن الكون كله ساجد لله بمعنى ذلته وخضوعه لله سبحانه وتعالى وانقياده وصيرورته وفق حكم الله، ، ثم هو ساجد بالمعنى الحقيقي لأن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ﴾[الحج:18] ، فيتأمل العبد أنه حينما يسجد لله عز وجل يكون عبارة عن جزء من هذا الكون المسبح بحمد الله الساجد لله سبحانه وتعالى
السجدة أحب من الدنيا وما فيها
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تكون السجدة الواحدة خيرا من الدنيا وما فيها" [ البخاري "3448 ]، ومعنى الحديث أن الصلاة حينئذ تكون أفضل من الصدقة لكثرة المال إذ ذاك وعدم الانتفاع به حتى لا يقبله أحد؛ فيكون السجود لله سبحانه وتعالى هو العبادة العظيمة التي لا تزاحمها عبادة.
فقه السجود
أخي الحبيب: تأمل هدي النبي صلى الله عليه وسلم حينما علَّمنا الذكر الذي يقال في السجود، في ذلك الموضع الذي يمرغ فيه الإنسان جبهته في التراب ويحني جسمه كله، ويخضع قلباً وقالباً ( روحاً وجسداً ) يقول حينئذ: « سبحان ربي الأعلى » وهو في المقام الأدنى حساً يقول سبحان ربي الأعلى مستشعراً علو العلي الأعلى مستوٍ عل عرشه، وهذا جزء أساسي من فقه السجود يربط بين الصورة الحسيه والدلالة المعنوية للعبادة في ذله العبد وعظمه الرب، وافتقار العبد للرب.
صفة السجود
ليست القضية هي طول السجود كيفما اتفق، كلا، فهناك بعض الناس في السجود يفترش ذراعيه ويجعل بطنه ملتصقاً بفخذيه. فإذا سجد بهذه الهيئة يكون السجود له راحة كأنه شبه مضطجع أو شبه نائم فيطيل السجود ما شاء الله له أن يطيل، كلا ليس هذا هو المقصود بل المقصود أن يأتي بالسجود على هيئته الصحيحة ثم يطيل هذا السجود فلا يطيله حينئذ لأنه راحة يتخلص بها من تعب الوقوف. عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « اعتدلوا في السجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب » [صحيح مسلم ( شرح النووي ) 4/279، كتاب الصلاة، حديث رقم ( 493) ].
عن عبد الله بن بحينة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى فرّج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه [صحيح مسلم ( شرح النووي ) 4/279، كتاب الصلاة، حديث رقم ( 493) ].
والسجود على سبعة أعضاء لما ثبت في صحيح البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: « أُمرت أن اسجد على سبعة أعظم: على الجبهة - وأشار بيده على أنفه - واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين »
أيهما أفضل طول السجود أم طول القيام؟
والخلاف في هذه المسألة أكثره فيما يتصل بصلاة النافلة. قال بعض أهل العلم: إن القيام فيه تلاوة القرآن وهي أعظم شئ في مناجاة الله سبحانه وتعالى كفاحاً والزيادة في القيام زيادة في التلاوة، وزيادتها فيها لله تعظيم، وفيها للعبد تعليم، وبها إحياء القلوب وتذكير العقول، وتشويق النفوس إلى النعيم وتخويفها من الجحيم ولكل هذا فالقيام وطوله أفضل.
وقال الآخرون: السجود فيه القرب من الله تعالى، والتسبيح بعظمته، والدعاء له، وفيه انقياد العبد لمولاه، ومخالفته لإبليس الذي عصاه فلذا طول السجود أفضل. وقد رجح ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد أن طول القنوت أي القيام أولى من طول السجود [زاد المعاد 1/235].
و العبادة حينما يستشعر الإنسان لذتها وحلاوتها وحين يقبل عليها بكمال خشوعها فإنه حينئذ يكون بغير شعور مطولاً لقيامها وسجودها، ولذلك وصفت عائشة رضي الله عنها في الصحيح قيام النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: «يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه » [ البخاري ( فتح الباري ) 3/11، كتاب التهجد: حديث رقم ( 1123). ]. والمندوب في السجود أن يكون السجود طويلاً ولا يكون طويلاً إلا مع الأذكار والأدعية المأثورة.
أدعية السجود
وردت أدعية كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في سجوده ومنها:
1- حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: « سبوح قدوس رب الملائكة والروح » [ مسلم ( شرح النووي ) 4/272، كتاب الصلاة، حديث رقم ( 487) ] ، وهذا أيضاً تسبيح وتقديس وإشعار للعبد بأنه يسجد للعظيم رب الملائكة والروح ( جبريل عليه السلام ) وتستشعر أن العبادة وسجودها يرقى بك إلى الملأ الأعلى، ويغلب الجانب الروحاني فيك على الجانب الجسماني.
2- ورد في الحديث عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في سجوده فيقول: «اللهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره » [مسلم ( شرح النووي ) 4/267، كتاب الصلاة، حديث رقم ( 483 ) ]، فكيف ترى هذه الجوامع من الكلم؟ إنها لم تدع ذنباً مما يستغفر منه إلا وذكر فيها على وجازتها.
3- ورد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: « اللهم، أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك » [مسلم ( شرح النووي ) 4/271، حديث رقم 486. ].
4- وورد من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان من دعائه صلى الله عليه وسلم في سجوده: « اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه وصورة، وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين » [مسلم ( شرح النووي ) 6/ 86، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم 771. ].
5- وكان صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده: « اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي سمعي نوراً وفي بصري نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، وفوقي نوراً، ونحتي نوراً، واجعل لي نوراً » [ مسلم (شرح النووي ) 6/71، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، حديث رقم 763. ].
6- وعن ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: جاءَ رجلٌ فقال: يا رسولَ الله، إنِّي رأيتُني الليلةَ وأنا نائم كأنِّي أُصَلِّي خلفَ شجرة فسجدتُ فسجدتِ الشجرةُ لسجودي، فسمعْتُها وهيَ تقول: اللهمَّ اكتبْ لي بِها عندكَ أجرًا، وضعْ عنِّي بها وزرًا، واجعلْها لي عندَك ذُخْرًا، وتقبَّلْهَا منِّي كما تقبَّلتَهَا منْ عبدِك داود، قال ابنُ عباس: فقرأَ رسولُ اللهِ سَجْدَة ـ أي: آية فيها سجود تلاوة ـ، ثمَّ سجدَ فسمعتُه وهو يقولُ مثلَ ما أخبَرهُ الرجلُ عنْ قولِ الشجرة. [رواهُ الترمذيُّ وابنُ ماجةَ وابنُ حبانَ].
فوائد السجود الصحية
السجود هو رياضة لتفريغ الشحنات الزائدة ولتنشيط الدورة الدموية ولزيادة التركيز وتدريب الإنسان على الصبر والهدوء.
إذا كنت تعاني من الإرهاق. . أو التوتر. . أو الصداع الدائم. . أو العصبية، فعليك بالسجود. . فهو يخلصك من أمراضك العصبية والنفسية، و يساعدك فى الحفاظ على مرونة مفاصل الجسم كله وخاصة العمود الفقرى وحماية مفاصل الجسم من الخشونة والتيبس لأنه يُعتبر كتمرين وتدليك لجميع المفاصل والعضلات، ويُعتبر السجود التمرين اليومى لمراكز التحكم فى جسم الإنسان وخاصة التحكم فى الأوعية الدموية الموجودة بالمخ؛ ومن ثم يستطيع الجسم مواجهة أي تغير فى وضع الانسان أو هزة دون أن يُصاب بالدوار،والسجود يساعد على تخفيف الاحتقان الموجود فى منطقة الحوض الخاصة بالإنسان ومن ثم تساعد على الوقاية من وعلاج مرض البواسير.
البكـاء في السـجود
البكاء من صور الكمال في التأثر والانفعال في السجود وغالب بكاء المسلم في صلاته في موضعين، موضع القيام وموضع السجود، أما في موضع القيام لما يتلوه أو يسمعه من آيات القرآن الكريم التي فيها الوعد والوعيد، وذكر الجنة والنار، فيخشع القلب وتدمع العين، وأما موضع السجود فإنه بانطراحه بين يدي الله سبحانه وتعالى، وضعفه وقله حيلته وينبهه إلى تقصيره في حق ربه جل وعلا، ولذلك أقترن ذكر البكاء بالسجود كما في قوله عز وجل: ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً﴾[مريم:58] فهم أتقياء شديدو الحساسية بالله، ترتعش وجداناتهم حين تُتلى عليهم آياته، فلا تسعفهم الكلمات للتعبير عما يخالج مشاعرهم من التأثر، فتفيض عيونهم بالدموع ويخرون سجداً وبكياً، [في ظلال القرآن 4/2314. ] قرأ عمر بن الخطاب رضى الله عنه الآية السابقة من سورة مريم فسجد وقال: هذا السجود، فأين البكيّ [تفسير القرآن العظيم 3/205. ].
وقوله جل وعلا: ﴿وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً﴾[الإسراء:109] ، وهو مشهد موح يلمس الوجدان. مشهد الذين أوتوا العلم من قبله، وهم يسمعون القرآن، فيخشعون و﴿يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً﴾ إنهم لا يتمالكون أنفسهم، فهم لا يسجدون ولكن ﴿يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً﴾[الإسراء:107] ثم تنطق ألسنتهم بما خالج مشاعرهم من إحساس بعظمه الله وصدق وعده: ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً ﴾[الإسراء:108] ويغلبهم التأثر فلا تكفي الألفاظ في تصوير ما يجيش في صدورهم منه، فإذا الدموع تنطلق معبره عن ذلك التأثر الغامر الذي تصوره الألفاظ [ في ظلال القرآن 4/2254. ].
أخي المؤمن: اسجد باكيًا ويا لذة البكاء في السجود! واسجد سائلاً، وداعيًا، ومسبِّحًا، ومهللاً، متضرِّعًا خاضعًا، فأنت في جنَّة من جنان الدنيا!
في سجودِك قربٌ من ربِّك، ورفعة لمنزلتك، ومحوٌ لذنبك، ومغفرة لزلتك، وترغيم للشيطان، وقوة لقلبك، وزيادةُ يقين وإيمان. فلو عرَفتَ قدر هذه النِّعمة، لما تعجلت الرَّفع منها، وأطلت السجود، وذرفت الدموع، وسكبت العبراتِ حرَّى بين يدَي خالقك على ما فات من أيام دهرك.
في السجـــــودِ تتمازجُ للروحِ الأفــراحْ.. تتلاشى كل الأتراحْ. . في بضــع ثــوانْ يتــجلى قـربُ المعبـودِ يتلاشى الكلُ. . فلا صوت. . غــيرُ أنـينٍ و شهودِ.
اسجد للشكر، واسجد للتوبة واسجد للتلاوة، واسجد للسهو في صلاة، ولتكن حياتك سجودًا، و عبوديَّة وطاعة وامتثالاً ورغبة ورهبة.
اسجد سجودًا يليق بمن تَسجُد له.
• فـ"السين" سمو.
• و"الجيم" جَنة.
• و"الدال" دائمة.
فلا يليق بك أن تعرف هذا، وتجعل سجودَك مرورًا عابرًا تَخطف التسبيحات خطفًا وكأنك على جمر.
اللهم تقبَّل ركوعنا وسجودنا، وارزقنا سجودًا يرفع عندك درجاتنا وتمحو به سيئاتنا.
وصلّى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د/أمير بن محمد المدري
اليمن – المهرة
۩❁
#منتدى_المركز_الدولى❁۩