في بعض الأحايين.
يا بُنيتي: قد توجد أوقات طارئة قد لا يتم فيها العناية بالنفس والمظهر علي نحو كاف ولائق، كأوقات العودة من يوم عمل شاق، أو عند العناية بالسيارة أو الحديقة أو صيانة المنزل، أو استحداث منزل آخر، أو عند تحضير الطعام في المطبخ..الخ، لكن أن يصبح عدم الاهتمام بالمظهر الجميل والبسيط والمتنوع، وعدم التزين قاعدة مستمرة ومتواترة، وبخاصة مع تواجد هذا السيل العرم من التبرج/ العري الذي يصدمك أينما ذهبت. كما إن عدم إبداء الإعجاب والتقدير المتبادل بالذائقة الجمالية وحسن الهندام ـ مظهراً ومخبرا ـ مؤشر خطير لاضمحلال الحب ودمار العش الأسري. لقد كان ابن عباس ـ رضي الله عنهما، واقتداءً برسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ يتزين لامرأته كما يحب أن تتزين له.
بُنيتي: لم يزعزع إيمان أمك \"خديجة\"، ولم تتزحزح ثقتُها بزوجها يوم تسببت الدعوة الإسلامية – بزعم البعض – في تطليق بناتها. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ زَوّجَ رُقَيّةَ وأُمّ كُلْثُومٍ من دار أَبِي لَهَبٍ. فَلَمّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللّهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ، قَالُوا: إنّكُمْ قَدْ فرّغْتُمْ مُحَمّدًا مِنْ هَمّهِ فَرُدّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ فَاشْغَلُوهُ بِهِنّ. فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ (زوج \"زينب\") فَقَالُوا لَهُ فَارِقْ صَاحِبَتَك وَنَحْنُ نُزَوّجُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْتَ قَالَ: لا وَاَللّهِ، إنّي لا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي، وَمَا أُحِبّ أَنّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ خَيْرًا .. ثُمّ مَشَوْا دار أبي لهب، فأجابهم، وطُلقت رقية وأم كلثوم\" (ابن هشام 1/652 . بتصرف). لم يصدر عن أمك \"خديجة\" ولا من بناتها لفظة تشائم أو تبرم، أن ابتلاهم الله بفض هاتين الزيجتين، ولم تقل خديجة كما تقول بعض النساء: لقد جلبت لنا دعوتك خراب البيوت، وطلاق البنات! ما ذنبهن ألا يفرحن ويُحْمَلن إلا أزواجهن؟!. لقد صبرت، ورأت أن حكمة الله اقتضت، أن يبدلنهن بزوج أكرم وأخلق وأغنى وأجمل مما كُنَّ يطمحن إليه.
صغيرتي: احرصي ألا يتحول بيتك إلي شبه \"فندق\" يلتقي فيه النزلاء ـ زوجا وزوجة وأولادا ـ كأنهم في ورشة عمل \"وظيفية\"، لا في حياة زوجية، تحوطهم مسئولية ورعاية أسرية.. فيظهر القلق والاضطراب والتفكك والحيرة والضياع والجنوح، ثم تسجل محاكمنا عشرات الآلاف من صكوك الطلاق المبكر والمتأخر، لتصل معدلاته ما بين (34- 46٪)، ويُحجم المقبلون علي الزواج ـ تعللا بعدم وجود شريك مناسب، كفء \"يغامرون\" بالارتباط به في ظل غلاءٍ للمهور، فترتفع نسبة العزوبة والعنوسة (15 ـ20٪).
بُنيتي: لما كُتبت وثيقة الحصار الظالمة، وسيق المسلمين إلى الشِعِب، وقاطعتهم قريش وجوّعتهم، كانت خديجة مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – راضية محتسبة، على الرغم من تقدمها بالسن، كانت ذات همة عالية. لم يصدر منها كلمة عتاب لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - ولم تتبرم له، بل ثبتت معه في المحنة، وعزمت أن تبقى إلى جواره حتى تنقشع الظلمة، ورضيت أن تترك منزلها الفاخر وفراشها الوثير.خرجت حبيسة \"الحصار\" مع رسول الله بين جبلين، تُعاني الحَر والقَر، تفترش الحصباء وتلتحف السماء، وتكابد الجوع والفقر، وهي الغنية الحسيبة. كابدت الظمأ والخشونة، وهي السيدة الشريفة. وطالت بها أيام الحصار وهي واثقة راسخة رسوخ الشم الرواسي، سامقة سمو الجوزاء العوالي. كل ذلك على مدار سنوات الحصار الثلاث من شهر المحرم للعام السابع للبعثة وحتى المحرم للعام العاشر للبعثة. فلكِ فيها كل الأسوة والقدوة، ولك في فضائلها رضي الله عنها خير مُحفز للإقتداء بها.
عزيزتي: الأسرة شركة وتعاون، وعدم التشارك في الحاجيات/ الأغراض المادية علي الأغلب قد سبقه عدم التشارك في الجوانب العاطفية وفتورها/ أو توقفها. إذ الحب دافع كبير لكل عطاء، وإذا كان عدم التشارك في الحاجيات مقبولا إبان فترات الطفولة، فهو ليس بمقبول بأي حال في الحياة الأسرية، فالزوج لا ينسي مطلقا أزمة مرت به وكان في مقدور زوجته أن تنقذه منها من مالها؟. وليضع كل واحد منكم نفسه موضع الآخر: إن هذه الأمور ـ معنوية ومادية ـ تؤذي مشاعري فلا ينبغي أيضاً أن تؤذى مشاعره، يقول المولي عز وجل: \"وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ\" (فصلت: 34).
بُنيتي: ولما انقشعت ظلمة الحصار، وتبدد كابوس السجن، خرجت – رضي الله عنها – وقد أعياها المرض، وبراها الجوع، وهدَّمت بنيانها سنوات الضنك، فخرجت من سجن الناس إلى رحاب الله الرحيب، بعدما بشرّها رسول الله – صلى الله عليه وسلم - ببيت في الجنة من لؤلؤ – وبيوت الجنة قصور - تنعم في قصرها بغاية الهدوء والنعيم، وقد نزل الأمين جبريل – خصيصًا – ذات يوم حاملاً رسالة عاجلة وسلامًا مُخَصَصًا من الله رب العالمين إلى السيدة الجليلة \"خديجة\". فعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَال : يَا رَسُولَ اللَّهِ! هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ، فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ؛ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلامَ مِنْ رَبِّهَا – وَمِنِّي - وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ، لا صَخَبَ فِيهِ ولا نَصَبَ (البخاري: 3536). وهكذا أرسل الله لها التحية والبشارة، محمولتان من أمين السماء \"جبريل\"، مدفوعتان إلى أمين الأرض \"محمد\"، ليقوم بدوره بتبليغ التحية الكريمة والبشارة السعيدة، من كريم عن كريم عن كريم إلى سيدة نساء العالمين \"خديجة\"، فما أكرمها وأكرم منزلتها.
بُنيتي: لقد تاقت روح السيدة \"خديجة\" رضي الله عنها إلى بارئها، وذلك قبل الهجرة بنحو ثلاث سنوات وثلاثة أشهر ونصف، ولها من العمر خمس وستون سنة، ودفنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجون، وأدخلها القبر بيده (أسد الغابة، ج1 ، ص11). وتشاء الأقدار أن يتزامن وفاتها والعام الذي توفي فيه \"أبو طالب\" عم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان ـ بجانب السيدة خديجة رضي الله عنهاـ يدفع عنه ويحميه أيضاً، فحزن الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك العام حزنا شديدا حتى سُمي بعام الحزن. لقد توفيت أمك \"خديجة\" رضي الله عنها ولم تر في الدنيا لقاء ما قدمته، فلم تفرح بغنيمة، ولم تر دولة المسلمين الزاهرة. بيد أن الأجر العظيم الذي لا ينقطع فضله قد أخره الله لها، فليس بمقدور ملوك الأرض جميعًا أن يوفوا لها أجر صنيعها، إنما الجدير بذلك ربها الذي خلقها وهو ملك والملوك. فجزاك الله ـ يا أماه ـ عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
بُنيتي: كوني نصيراً لدعوتك ورسالتك وأمتك، وأهلك وزوجك وأولادك كما كانت أمك \"خديجة\" رضوان الله عليها.. النموذج السامي للقيم الإيمانية والأخلاقية والإجتماعية والإنسانية تجاه زوجها صلى الله عليه وسلم. فنعم المؤمنة الحامدة الشاكرة كانت، ونعم الصابرة المجاهدة المحتسبة كانت، ونعم الوفية الصادقة المخلصة كانت. فكوني زوجة مثالية كما كانت. كوني كما جسّدت خلق المرأة المثالية في علاقتها مع زوجها من المودة والسكن، والحبّ والوفاء والمواساة، والبذل والعـطاء، وتحمّل المحن والشدائد دون تأفف أو تضجر.. فليتك ثم ليتك ونساء المسلمين يقفون أثرها، ويحذون حذوها، ويخطون خطاها. إن تلكم الزوجة الصالحة التي تدفع زوجها إلى مدارج الإيمان، وتطبيق رسالة الله تعالي، فتخفف عنه أعباء الحياة، وتُشاركه آلامه وأحزانه.. لا تقدَّر بثمن، وقد روي عن عبدالله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:\"الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة\" (صحيح مسلم، ج2، ص1090)، وروي أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك، وإذا امرتها أطاعتك، وإذا غبت عن ها حفظتك في نفسها ومالك\"(مسند الطيالسي, ج1، ص306)، وتلك كانت أهم صفات السيدة خديجة رضي الله عنها.
يا بُنيتي: بعد وفاة أمك \"خديجة\"..تروي أمك \"عائشة\" رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر ذكر \"خديجة\"، فقالت له: \"لقد أخلفك الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين\". تقول \"عائشة\": فتمعر وجهه صلى الله عليه وسلم تمعرا ما كنت أراه منه إلا عند نزول الوحي وإذا رأى المخيلة حتى يعلم أرحمة أو عذاب\"(صحيح ابن حبان، ج 15 ص 468). وتقول أيضاً:\" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر \"خديجة\" لم يكن يسأم من الثناء عليها والاستغفار لها، فذكرها ذات يوم واحتملتني الغيرة إلى أن قلت:\"قد عوضك الله من كبيرة السن، قالت: فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب غضبا سقط في جلدي، فقلت في نفسي: اللهم إنك إن أذهبت عني غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أذكرها بسوء ما بقيت. فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد لقيت قال \"كيف قلت؟! والله لقد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، ورزقت مني الولد إذ حرمتيه مني، فغدا بها علي وراح شهرا\" (لمعجم الكبير ج 23 ، 13).
بُنيتي: يروى البخاري ومسلم وغيرهما عن أمك \"عائشة\" رضي الله عنها، قالت: \"استأذنت هالة بنت خويلد، أخت خديجة، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف استئذان خديجة\"(أي صفته لشبه صوتها بصوت أختها فتذكر خديجة بذلك، فارتاع لذلك (تغير واهتز سرورا)، فقال:\"اللهم هالة\" (أي اجعلها يا الله هالة، أو: هي هالة). لقد كان وفاء نبيك لها بلا حدود، وأكرم به من وفاء، الجزاء من جنس العمل. يحن إليها كثيرا، ويذكرها طويلاً، ويسترجع فضائلها دوماً، ويكرم صويحباتها كرماً. فكان إذا ذبح أو طبخ أهدى إليهن، إكرامًا لـ\"خديجة\"، وهي في قبرها!. وإذا ذكرَها ذاكرُها في حضرة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا به – صلى الله عليه وسلم – يرق لها، ويذكرها، ويستغفر لها، ويذكر فضائلها حتى تاتيه عادية أو صارفة تقطع الحديث عن فضل خديجة!. وأحيانا يحصل العكس، فإذا غارت أمك \"عائشة\" ونالت من أمك \"خديجة\" كما تنال المرأة من ضرتها فقالت: \"عجوزٌ! قد أبدلك الله بخير منها\". فيزيد رسول الله في ذكرها ويكثر من الحديث عن فضلها أكثر وأكثر.
بُنيتي: هل تعلمين بعد يوم بدر، جاءت كل عشيرة تفتدي أسراها من المسلمين، وكان أبو الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ - زوج \"زينب\" بنت بنيك محمد صلي الله عليه وسلم– بين الأسارى، وكان الإسلام قد فرق بينه وبين بنت رسولك. وأرادت زينب – الوفية بنت الوفية – أن تنقذ زوجها من الأسر، علها تَرد له يدًا من أياديه البيضاء، أو يشرح الله صدره للإسلام. وبينا الناسُ يتوافدون على النبي – صلى الله عليه وسلم – كل ٌيدفع الفداء لقاء قبض أسيره؛ إذ بعثت زينب بنت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - في فداء \"أبي العاص\" بمالٍ وبعثت فيه بقلادة لأمها وأمنا \"خديجة\"، كانت أَدخلتها بها على أبي العاص. وجيء بالمال والقلادة إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لإطلاق أبي العاص، فلما وقعت عينا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على قلادة خديجة، رَقّ لَهَا رِقّةً شَدِيدَةً، وَقَالَ – يستسمح أصحابه- :\"إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا \" فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ. ففعلوا\" (أنظري: ابن هشام 1/652.. بتصرف). لقد أثارت قلادة خديجة في نفس رسول الله – صلى الل ه عليه وسلم – الذكريات، فكأنما هب إليه من إطار هذه القلادة أريجًا تنفسته خديجة، فحرك القلب الرحيم الحنون الوفي، بعدما كاد أن يقر بعد رحيل الحبيبة الكريمة، تلك المرأة التي حار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في فضلها. رق لها، ولما لا ؟ فقلادة لامست يومًا نَفسَ خديجة التي أعطته كل شيء.. نفسها وجهدها ومالها وبيتها، وتركت له كل شيىء، ولم تمتن عليه بشيء. ورق لها، رقة شديدة، فأوشك أن يرسل عَبرة حارة من عينيه الكريمتين، بيد أن العَبرة لم تسيل على الخد إنما سالت إلى القلب، فأحس الناظرون بحرارتها في رقته الشديدة هذه. وأشفقوا عليه. وشرع يستنزل فيهم الكرم، ويستسمح أصحابه – وهو الكريم الأكرم – أن يطلقوا لزينب أسيرها. ثم إنه في أدب جم وخلق سَجْح، يُخيرهم في ذلك ويكل إليهم القرار، ولو شاء أمرهم، فقال: \"إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا\". بأبي ـ أنت ـ وأمي ونفسي يارسول الله.
بُنيتي: في فتح مكة (رمضان 8هـ)، لما أراد أن يبيت، لم يذهب إلى بيت من بيوت أصحابه، أو يصادر أرقى بيوت مكة، ولكنه ضرب خيمته إلى جوار قبر \"خديجة\"، وكأنما لما فتح مكة؛ فتحت هي الأخرى قلبه، فنكئت فيه ذكريات \"خديجة\"، وكأنما جاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إليها على قدم وساق، قد اختلطت في قلبه عَبرة الفراق وفرحة الفتح، ولسان حال المقام يقول: صدقت يا خديجة:\"لا يخزيك الله أبدًا\".
يا بُنيتي: التربية النسوية..مسئولية: إن إدارة بيت المستقبل ورعاية شؤونه فن يحتاج إلي تدريب طويل ومستمر وجاد، فلا يتم بين ليلة وضحاها، فهي ليست فقط تنظيف البيت وإعداده وترتيبه، ولا مجرد طبخات تطبخها الفتاة وتجيدها، وإنما هي قبل كل شيء مسئولية تربي عليها، فتختلف بتربيتها هذه عن تلك التي تفتقدها، وإن كانت تجيد فنون التنظيف والترتيب والطبخ. ومنهج التربية الإسلامية يعد الفتاة المسلمة للتحمل مسئوليتها، ويحفزها علي متابعة إدارة البيت وتحمل أعبائه ومشكلات أبنائه، ووضع كل أمر في نصابه، وتهيئة اكبر قدر من تنظيمه وسير أموره، ومنع اكبر قدر من اضطرابه واختلاله، ومشاركة في السراء والضراء، كل ذلك وغيره يتجاوز مجرد إتقان الأعمال المنزلية، فالأخيرة وحدها لا تكوّن ربة بيت، إن لم يكن معها هذا الشعور بالمسئولية: فعَنْ عَبْد ِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال:\"َأَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَ يْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ\"(رواه البخاري:6605، وفي مسند احمد، برقمي:5635 ، 5753).
ولتعلم أن السعادة الزوجية تحل عندما يعلم الطرفان بمدي المسئولية الكبيرة الملقاة علي عاتقيهما، فيعملان بالتعاون لا التخاصم، بالتكامل لا التنافر، من أجل تكوين أسرة، وتنشئة أطفال لمستقبل جديد. و\" تربي علي طاعة زوجها فيما لا يغضب الله تعالي، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:\" لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا\"(رواه الترمذي/ كتاب الرضاع، برقم:1079). \"وأن تلازم بيتها، ولا تخرج من بيتها إلا بإذن زوجها، وان تكون في حشمة حجابها، وأن تحفظ زوجها في غيبته وحضرته، في نفسها وماله وعياله، وتطلب مسرته في جميع أمورها، وتحفظه في نفسها وماله، همها صلاح شأنها، وتدب ير بيتها، مقبلة علي مهماتها، وأن تقصر لسانها عن مراجعة الزوج أهله، وتستطيع تقوم الولد في غيبة والده، وان لا تكثر من الكلام مع أجنبي من وراء حجاب، وتخبر أنه إذا مات زوجها لا يجوز لها أن تحد عليه اكثر من أربعة اشهر وعشر، وتجتنب الطيب والزينة فيهن والتعرض للزواج\"(بتصرف من جمال الدين القاسمي الدمشقي: جوا مع الآداب، إعداد خليل إبراهيم علي، 1984م، ص 36).
يا بُنيتي: تربية الفتاة وتدريبها علي حفظ أسرار بيتها وأسرتها وعدم البوح بها، وان تكون قدوة حسنة، وأن تجيد لغة التفاهم، وبذل الجهد لفهم شريك حياتها، ومحاولة إسعاده، وعليها تنظيم وقتها وتوزيع أولويتها، بحيث توفر قسطا كبيرا من الراحة لنفسها، وتخلق جوا من الألفة والمودة مع زوجها للحوار بهدوء، وليعبر كل منهما عن مشاعره. كما إن التسامح والتجاوز عن الأخطاء يريح النفس ويخلصها من شحنات الغضب والكراهية، فلا تثور لأتفه الأسباب، ولا تخلق المشكلات، ولا تكثر الشكوى، \"فالمرأة بطبيعتها سريعة التأثر والتأثير، وسرعان ما تعبر عما بداخلها من ضغوط ومشاعر سواء سلبية أو إيجابية\"، وعليها تعلم تفادي مشاعر الرغبة في السيطرة على الزوج، مع الاعتدال في الغيرة، والتميز بين حالات التوتر والإرهاق لدي الزوج، وبين الغضب منها، والتمييز بين مواطن الجدة منك ومواقف اللين والمرح وعدم الخلط بينهما.
يا بُنيتي: وتربي ـ علما وعملا ـ علي كيفية التعامل مع المشكلات الزوجية، والاختلافات الأسرية، وتقويم تدخل الأهل والأقارب، أو حصرها في المنزل، وكيفية تفاديها وعدم تكرارها مستقبلا، وصولا لأسباب السعادة الزوجية. الإلمام بقواعد الصحة العامة والأسرية، وحسن إدارة صحة أبنائها، والتدرب علي الإسعافات الأولية، وكيفية العناية بالجروح والحروق والكسور، وإعطاء بعض الأدوية. كما تتعلم كيفية ضبط الانفعالات والغضب والارتباك إذا ما حدث طارئ من مرض وأو حادث لها او لطفلها أو لزوجها. ومن المفضل للمقدمين على الزواج اجتياز دورات تدريبية في مهارات التواصل والقيم الأسرية، لتحسين فرص نجاح أسرتهم وسعادتها.
يا بُنيتي: تربيتها علي حسن اختيار شريك حياتها، وإبداء رأيها، وتحمل مسئولياتها بناء علي ذلك، وعلي وليها أن يزوجها من الأكفاء الأخيار ذوي الدين والمرؤة الذين يتوسم فيهم أسعدها، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: \"إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ\"(رواه الترمذي، برقم1004)، وفي رواية عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنِ ابْنِ وَثِيمَةَ النَّصْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:\"إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ\"( في سنن ابن ماجة/ كتاب النكاح برقم:1957).
يا بُنيتي: في نهاية طريق تربيتها الأسرية النسوية، وبداية مشوار الحياة الزوجية.. تقف تلكم النصائح الغالية،والقواعد التربوية التي دشنتها \"أمامة بنت الحارث\" لأبنتها \"أم إياس\" لتضع النقاط فوق الحروف:\"أي بنية: إن الوصية لو تركت لفضل أدب تركت لذلك منك، ولكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل، ولو أن امرأة استغنت عن الزواج لغني أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت اغني الناس عنه،ولكن النساء للرجال خلقن ولهن خلق الرجال.أي بنية: انك فارقت الجو الذي منه خرجت وخلفت العش الذي فيه درجت، إلي وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فاحفظي له خصالا عشرا يكن لك ذخرا..أما الأولي والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة، وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواقع عينيه وانفه، فلا تقع عينه علي قبيح، ولا يشم منك ألا أطيب ريح/ وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة، وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والإرعاء علي حشمه وعياله، ملاك الأمر في المال حسن التقدير ، وفي العيال حسن التدبير، وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمرا ، ولا تفشين له سرا، فأنك إ ن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سره، لم تأمني غدره، ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهتما والكآبة بين يديه عن كان فرحا\".
يا بُنيتي: إن الفتاة المتعلمة المهذبة التي نالت قسطها من تربيتها، هي فخر لأهلها، وعون لزوجها، وكمال لأبنائها، فأهلها بها يفتخرون وأولادها بها يسعدون، ومن ذا الذي لا يسر فؤاده بابنته التي بالمعرفة تربت علي تدبير أمورها، وبالحكمة تـسير طريقها، فيجد فيها زوج المستقبل مديرا ناجحا، وأنيسا عاقلا، وسميرا كاملا. إن السعادة الزوجية لا تأتي مصادفة أو تمنيا، فالحياة الزوجية لا تخلو من الاختلافات والمشكلات والأزمات، لكن السعداء من عرفوا وتدربوا وأعدوا علي أن يكونوا يتجاوزوها ليصبحوا سعداء، لذا فالتربية النسوية، والإحساس بالمسئولية هي أساس استقرار الحياة الزوجية.
يا بُنيتي: ينظر الإسلام للزواج باعتباره ليس ارتباطاً بين فردين فحسب، وإنما يعتبره علاقة متينة وشراكه وثيقة لا تنفصم عراها تجمع بين عائلتين لبناء أسرة متماسكة تربطها روابط الرحم، ومن ثم فقد أكد أن قوامها الوداد والتراحم والتعايش:\"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ\"(1الروم:21). وصدق الله تعالي، فليس كل البيوت تُبني علي المودة، فأين الرحمة والتذمم؟. لا تتوقعي ـ عزيزتي ـ أن ينظر أهل زوجك نفس نظرتك للحياة وتصرفاتك اليومية، وكيفية حل مشكلاتها لذا يجب فهم الأختلافات والفروق الفردية والعائلية والمجتمعية ومحاول التقريب منها. ويبقي نجاح تعاملك ـ بُنيتي ـ وتقديرك لأهل زوجك، وتوثيق صله زوجك بهم وليس عكس ذلك، من أسس استقرار واستمرار حياتك الأسرية وسعادتها. كما هو أيضا سبب رئيس يقف وراء التفكك الأسري والشقاق والطلاق. ضعي نفسك ـ صغيرتي ـ موضع حماتك وعامليها كما تحبين ان تعاملك زوجة ابنك أو زوج ابنتك.
أي بُنية: إذا كانت معيشتك بعيدا عن أهل زوجك، فمطلوب منك اشعارهم بأنك مازلت مرتبطة بهم، ولم تنفصلي عنهم، وانك بحاجة لنصحهم ومساندتهم الدائمة, وأنك تعملينهم بنفس القدر من الاحترام والتقدير والمودة كما تعاملين أهلك تماماً. ومقياس النجاح ان يشعر زوجك أن تعاملين أهله كما تعاملين أهلك دون تفضيل اوانتقاص.
يا بُنيتي: إذا علمت أن تصرفاتك ومواقفك قد تثير استياء اهل زوجك فحاولي ان تعيدي النظر فيها تلائما وتوافقا قدر المستطاع ووفق الأمور الأيجابية وليس السلبي \"ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق\".
يا بُنيتي: ينبغي أن تحلي خلافاتكما الزوجية معا دون اللجوء ـ قدر الأمكان ـ إلي أي من الأهل، فمهما حدث من زوجك فلا تحاولي الشكوى منه لأمك أم أمه، فالأولي ستتعاطف معك علي الدوام مما قد يزيد الأمر تعقيدا، والثانية مهما تعاطفت معك فلن تنسي أنها أمه، وقد تشعر أن أنتقادك له، إنما هو انتقاد ضمني لها. مع الحرص علي تبادل الزيارات وابداء المودة، وتقديم بعض الهدايا الرمزية التي توثق عري الحب بينك وبين أهل زوجك. كذلك الحرص علي مشاركتهم المناسبات السعيدة والمؤلمة علي حد سواء وتقديم الدعم الشخصي والأحتماعي فيها. كما لا تتوقعي أن يؤدوا لك ماتريدن ويتخذوا مواقف من وجهة نظرك انت وباسلوبك انت فقط عبري عن شكرك وامتنانك لكل من حاول معونتك في امر ما وقدم ما استطاع تقديمه وبأسلوبه هو. فالسمة الناجحة لتعاملك مع اهل زوجك حسن الظن والتغاضي عن الصغائر والتماس العذر لهم حتي يشعرون انك جزء منهم لا دخيلة عليهم. ولا تفارقي البسمة علي وجهك وترحابك باهل زوجك عند مقابلتهم فهي أهم من كل ما تقدمينيه لهم من ضيافة وماكل ومشرب.
يا بُنيتي: من الأهمية الكبيرة عدم عقد مقارنات كثيرة فتقارني بينك وبين شقيقة زوجك، او بين اهلك واسرتك وبين أهل واسرة زوجك مهما كانت الفوارق ولكي لا ينعكس ذلك علي تصرفاتك نحو زوجك واهله. إذا حدث خلاف بين زوجك واهله فلا تستثمري هذا الخلاف بزيادة الشقة ووذكرهم بسوء، التصريح بما قد تحمليه من مواقف سابقة من مشاعر سلبية نحوهم، فقد ينتهي الصدع بينهم بما يبقي ما احدثته من صدوع نحوهم باقيا في نفسه. وتذكرى دوما أن زوجك غير مسئول عن توجهات أهله فلا ينبغي الربط بينه وبينهما في كل شيئ ولا تولميه أو تؤاخذه بهذا فيدب الشقاق بينكما، فلا تزر وازرة وز اخري
أي بُنية: عليكِ القناعة بمبدأ الخصوصية بين الزوجين، وعدم السماح للغير (خاصة الأقربين) بالتدخل في الحياة الزوجية وتناول الأمور الخاصة بكما. فأغلب هذه التدخلات لا تأتي بخير، فأهل الزوجة غالباً ما يتدخلون لصالح ابنتهم وكذلك فأهل الزوج يتدخلون لمناصرة ابنهم، الأمر الذي يعمل على إيجاد المشاكل وتأزمها بين الزوجين وكثيراً من الخلافات الزوجية إنما تنجم بسبب تدخلات الأقارب في الشئون الزوجية، فحياة الزوجين هي ملك لهما فقط لا ينبغي أن تُعكر صفوها التدخلات الخارجية مهما كانت درجة القرابة.
يا بُنيتي: مثلما أن هناك عوامل وأسباباً يمكن أن تساهم في تعكير صفو هذه العلاقة، وربما تؤدي إلى هدمها، فكذلك ثمة عوامل وأسباب يمكن أن تقوي هذه العلاقة وتزيد من متانتها وتساعد على غرس وتنمية السعادة الزوجية والمحافظة عليها بين الزوجين، ولعلنا نحاول أن نصل معاً إلى أهم تلك الأسباب متمثلة في النقاط التالية.
يا بُنيتي: الالتزام بأوامر الله عز وجل والإكثار من ذكره والبعد عن معاصيه، به تنشرح النفوس وتطمئن القلوب. وحينما يقال: إن التدين ينبغي أن يكون راشداً فليس من أجل استتباب الحياة الزوجية فقط، بل الحياة كلها، بمعنى أن يكون التدين شاملاً عاما، يشمل كافة مناحي الحياة اليومية، فالعبادات والقربات من الدين، وحسن التعامل مع الآخرين من الدين(فالدين المعاملة)، وصلة الرحم، والابتسامة، وأداء الواجبات والحقوق للناس، فكلها من أمور الدين. كما لابد أن يكون التدين متوازناً فليس من الفقه التوسع في النوافل مع إهمال حقوق الزوج أو رغباته أو العكس، ولذلك لا يشرع للمرأة صيام النفل إلا بإذن زوجها. والشيطان قرين الغافلين عن الله وشرعه، وهو من أهم العوامل المفضية لغرس الكراهية وبث البغضاء بين الزوجين وله في ذلك طرق ووسائل شتى وحيل وحبائل عديدة. بل إن أدنى أعوان إبليس إليه منزلة هو ذلك الذي يعمد إلى التفريق بين الأزواج ويفلح في إيقاع الطلاق بينهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: \"إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا. فيقول ما صنعت شيئاً. قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول:\"نعم\".
يا بُنيتي: الإنسان بطبعه يحب التجديد في كل أمر من أمور دنياه، والروتين أحد أسباب الملل وجلب الكآبة، لذلك ينبغي على الأسرة أن تضفي على حياتها نوعاً من التغيير وألا تعكف على نمط واحد، كأن تجتهد الزوجة في تغيير زينتها بما يناسبها، أو تتعلم نوعاً جديداً من الأطعمة والمشهيات فتضيفه إلى مائدتهما، وعليها كذلك من وقت لآخر أن تغير من صورة بيتها بنقل الأثاث وتحويره من مكان إلى آخر. والزوج مطالب كذلك بأن يكسر الروتين بوسائل كثيرة منها على سبيل المثال الخروج مع أهله للترويح عن النفس من خلال الرحلات المشروعة من دون إفراط ولا تفريط.
يا بُنيتي: عليكِ بغض الطرف عن بعض الهفوات، فالبشر يمليون للخطأ والزلل، ولذلك فمن الحق والعدل أن يغض الزوج والزوجة طرفهما عن الأخطاء الصغيرة والهفوات العابرة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه مسلم: \"لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خُلقاً رضي منها آخر\".
يا بُنيتي: الملاطفة من أسباب دوام المحبة فعلى كل من الزوج والزوجة أن يحرص كل واحد على ملاطفة الآخر وملاعبته والمزاح معه. فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه برغم جديته وشدته يقول: ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي فإن كان في القوم كان رجلاً. وروت السيدة \"عائشة\" رضي الله عنها: أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة وهي جارية، قالت لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال لأصحابه تقدموا، ثم قال: \"تعالي أسابقك! فسابقته فسبقته، فلما كان بعد وحملت اللحم وبدنت ونسيت، خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: تقدموا فتقدموا ثم قال: \"تعالي أسابقك! ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه الحال، فقال: \"لتفعلن\" فسابقته فسبقني، فجعل يضحك وقال: \"هذه بتلك.
يابُنيتي: عليكِ باحتواء المشاكل الطارئة وسرعة معالجتها ومعالجتها أولاً بأول وعدم الهروب منها، فإن تراكمها وتطورها يقود إلى نتائج غير محمودة العواقب، ويجب ألا يسيطر اليأس على أحد الزوجين أو كليهما باستحالة الحل، فلكل مشكلة حل ولكل خلاف علاج، وليحرص الزوجان على المحافظة على أسرار حياتهما الزوجية وذلك من خلال الثنائية في طرق المشاكل والاتفاق على الحل وألا يوسعا دوائر الخلاف بإدخال أطراف أخرى لئلا تتسرب الأسرار وتتطور المشكلة، وإن كان لابد من مشاركة طرف آخر فليكن الوسطاء من أهل العقل والتجربة والحكمة والصلاح وممن يحفظون أسرار البيوت.
يا بُنيتي: إن تبادل الهدايا تغرس المحبة في النفوس:\"تهادوا تحابوا\". فالهدية هي تعبير عن المودة وهي كسر لجمود ورتابة العلاقات الإنسانية فإن كانت مثل هذه الهدايا تفعل فعلها وسط الأصدقاء والمعارف. فإن تأثيرها وسط الأزواج أكثر فاعلية وأعظم أثراً. ولا يشترط أن تكون الهدايا من تلك المقتنيات الثمينة الفاخرة، لأن الغرض من الهدية هو إظهار مشاعر الود والألفة في المقام الأول، وذلك يتحقق بأي مستوى من القيمة المادية للهدية، ولكن عن كانت الهدية من النوع الثمين فإن ذلك من أسباب مضاعفة السعادة وزيادة المودة.
بُنيتي: تعقلي في الطلبات بحيث لا تكلفين زوجك بما لا يطيق، فترهقين ميزانيته أو وقته أو صحته وتضيفين عليه أعباء جديدةلم يكن قادراً على توفيرها. وكذلك الزوج مطالب هو أيضاً ألا يحمل زوجته ما لا تطيق من أعباء وتكاليف، سواء كان ذلك في التعامل أو المسؤوليات أو غيره. قال تعالى في محكم تنزيله: \"..لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا..\"(البقرة:133)
أي بُنية: ينبغي على الزوجة أن تحترم زوجها، وأن تعترف له بالقوامة، وعدم منازعته في الاختصاصات التي يجب أن انفرد به. مع إنزاله منزلته، من كونه رب الأسرة وحاميها والمسؤول الأول عنها، وإذا أرادت الزوجة أن تشاركه الرأي في بعض اختصاصاته فيجب أن يتم ذلك بتلطف ولباقة واختيار الوقت والزمان المناسبين لمناقشة مثل هذه القضايا وطرح الأفكار، على ألا تصر الزوجة على رأيها أو موقفها إن وجدت منه تمنعاً، بل عليها أن تؤجل الأمر حتى تسنح الفرصة ويتهيأ المناخ لمناسب لمعاودة الطرح. فمن الأهمية بمكان التشاور وتبادل الرأي من خلال عقد جلسات عائلية دورية يتشاور فيها الزوجان عما يجب عمله في الأمور المهمة في حياتهما المشتركة، ويتم من خلال ذلك تقويم تجاربهما الماضية والتخطيط للمستقبل. وذلك عبر رؤية مشتركة. فإن القرارات إذا أُخذت باتفاق لاشك أنها أفضل من نظيراتها الفردية.
يا بُنيتي: يجب ضبط النفس عند وقوع الخلافات الزوجية والأسرية، والبعد عن استخدم العبارات الجارحة أو انتهاج السلوك المؤذي بين الزوجين. كأن يعير الزوج زوجته بنقص فيها، أو أن تخدش الزوجة زوجها بنقائصه، خاصة إن كانت تلك النقائص مما لا يؤثر في الدين والخلق أو يجرح الاستقامة والسلوك، وفي ذلك يجب أن يكون النقد أو التوجيه بأسلوب رقيق تلميحاً لا تصريحاً ثم المصارحة بأسلوب المشفق الودود.
وليس هناك أي مبرر مثلاً لكي يعيب الزوج على الزوجة عدم إتقانها لفن الطبخ، بل عليه بدل ذلك أن يحضر لها الكتب المتخصصة في هذا الشأن. ومن الممكن أن يوجهها بعبارات لائقة كأن يقول لها لو فعلت ذلك لكان خيراً ولو امتنعت عن ذلك لكان أفضل. فرسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما كان يصحح الأخطاء تلميحاً لا تصريحاً فكان يقول: \"ما بال أقوام يفعلون كذا\"، وكذلك ما عاب طعاماً قط، فالانتقاد الحاد والهجوم الصارخ قد يقود إلى التعنت والعناد، ويؤدي إلى العزة بالإثم.
يا بُنيتي: كثيرا ما تهتم الكتابات التي تُعني بالسعادة الأسرية، بمجموعة من السلوكيات الإيجابية، والنصائح الثنائية لطرفي الرابطة الأسرية، كي تستقر الأسرة، وتستمر أسباب سعادتها ومودتها:\"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ\" (الروم:21)، لكن ـ وبمفهوم المخالفة الذي يتعرف الأخطاء والسلبيات مخافة الوقوع فيها ـ قليلا ما يأتي التحذير من تلك الأمور التي تؤشر على قرب انهيار تلك الرابطة المقدسة، وتدق ناقوس الخطر بشأن معاول الهدم التي تنخر بقوة في ذلك الحصن لتهدمه، وفي تلك السفينة لتغرقها، وذلك بالانفصال المعنوي داخل الأسرة أو الكلي بالطلاق ـ(والذي ارتفعت نسبته في مجتمعاتنا..سواء فيما بات يعرف بـ\"الطلاق المبكر\" خلال العام الأول من الزواج، أو في زيجات قد مضي عليها عقود من الزمان، فحذار من معاول تهدم حصن الأسرة، وتأذن له بالانهيار وابتعدي عنها.. وقايةً، أو ليكن التصارح بشأنها ـ إن حدثت ـ لتدارك آثارها..علاجا، ومن ثم بذل الجهود لبناء السعادة الأسرية. . رسوخا واستقراراً.
يا بُنيتي: إن الشعور بعدم الرغبة في العودة إلي المنزل، ومداومة البحث عن أسباب أو أعمال إضافية، أو أصدقاء للانشغال بهم عن العودة لعش الزوجية من علامات الإنذار المبكر..إذ المرء يهرب مما يسبب له ألما ومعاناة، واستمرار ذلك يولد مزيدا من الشقاق والنزاع الأسري، مما يأذن بهدمها. إن تفريع الأوقات للأسرة، واللهفة للتواصل واللقاء الحميمي، وتحمل المسئوليات العائلية والتربوية نحو الأبناء، مؤشر صحة وسعادة وتماسك واستقرار الأسرة.
يا بُنيتي: يشكو بكثرة كده وجهده وعمله لتوفير الحاجيات والنفقات المتعاظمة والمتزايدة، في حين لا يري حرصا أو ترشيدا في الإنفاق، أو الاستهلاك الترفي غير الضروري، بل يُدفع بسياط \"الحرص والرغبة في زيادة الدخل أكثر مما هو عليه الآن\". وإن كانت الزوجة تعمل ينشأ الجدل حول مساهمتها في الأنفاق على الأسرة؟، إذ ان وقت عملها من حق البيت والأسرة. إن إساءة التعامل مع الجانب الاقتصادي من أهم وأخطر معاول الهدم الأسري، والطعن في مبدأ\" القوامة\" وتمييعه، نذير شؤم عائلي، فلتكن الثقة متبادلة، وبذل المزيد من الطاقة ـ معاـ علي حسن إدارة دفة البيت في ظل تحولات اقتصادية متسارعة، مع تقدير جهود الزوجة \"العاملة\" داخل وخارج المنزل، ثم لا تحمّـلوا أنفسكم فوق طاقتها:\"لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا\" (الطلاق:7).
يا بُنيتي: حذارِ من فقد الاهتمام بأخباره/ أخبارها، وعدم العناية بأقربائه / أقربائها، وجفاف ينبوع التعاون والتواصل وبث المشاعر عن الهموم والصعوبات والمشكلات اليومية التي مرت بكما، وغيرها من أمور التواصل اللفظي والفكري والوجداني والاجتماعي. إن الفتور و\"الصمم\" الأسري مدعاة لانهيار المنزل إذ يحوله إلى فندق، يعيش فيه الجميع في وحيدة وعزلة كحاضرين غائبين.. فإذا ما تحدثوا فعن \"أحوال الطقس، وعناوين الجرائد\"، والقاعدة الأساسية: \"الصمت من ذهب\"، \"وليخدم كل واحد نفسه بنفسه Help yourself\".
يا بُنيتي: إن استمرار إحراج/ نقد/ معارضة/ تكذيب أحد الطرفين أمام الأبناء والأهل والغرباء، والتظاهر بمعرفة ما سيقوله مسبقاً سلوكيات سلبية قد تكون تنفيساً عن مواقف سلبية أخري بدرت من أحد الطرفين، لكنه كفيل برد فعل من الزوجة استمرارا في السلبية أو من الزوج بفصم عري هذا الزواج الذي لا يحظي فيه بالاحترام اللائق من زوجته. إن الاعتذار عند الخطأ ـ والذي قد يكون تافهاًـ دليل علي الأخلاق السامية، وبيان عن مدي الحرص علي عش الزوجية من أن تتقاذفها الأنواء والهواء، أما الإصرار علي هذه السلوكيات السلبية فمن دواعي الشقاق والدمار الأسري.
يا بُنيتي: \"للطاهرة خديجة\" رضي الله عنها كان الفضل، والمكانة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لم ثمّن نبيك عالياً لمن عاشت معه \"حلو الحياة ومرها\". بل ويعلنها على الملأ وبعد وفاتها وفاء لها وردا لأعتبارها:\"إني قد رزقت حبها\". فلم يفعل مثلما يحابي ويجامل ازواج زوجتهم الثانية بذم الأولى، فما بالنا وإن كانت الأولى في عداد الموتى؟!. ولنترك الحديث للسيدة عائشة رضي الله عنها إذ تقول: ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلا على خديجة، وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة، قالت: فأغضبته يوما فقلت: خديجة؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: \"إني قد رزقت حبها\"(صحيح مسلم، ج 4، ص 1888). إنه صلى الله لم يكد ينساها طيلة حياته وبعد وفاتها؛ إذ كان يكثر ذكرها ويتصدق عليها، وتروي أيضا السيدة عائشة رضي الله عنها فتقول: \"ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما رأيتها ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة فيقول:\"إنها كانت وكانت وكان لي منها ولد\"(صحيح البخاري، ج 3، ص 1389). وأيضا تروي عائشة في ذلك فتقول: جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو عندي، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أنت؟ قالت: أنا جثامة المزنية، فقال: بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله، فلما خرجت قلت: يا رسول الله، تُقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟! فقال: \"إنها كانت تأتينا زمن خديجة وإن حسن العهد من الإيمان\"،(المستدرك على الصحيحين، ج1، ص 62).
يا بُنيتي: الغيرة المحمودة تؤثر على العلاقة الأسرية مع عدم المبالغة في الغيرة بل تكون باعتدال وروية، وهي بذلك تكون مؤشراً على محبة كل من الطرفين للآخر وعدم تفريطه فيه أو السماح بالنيل منه بشكل غير مشروع، فيجب على الزوج أن يعتدل في هذا الشأن، ولا يبلغ إساءة الظن والتعنت وتجسس البواطن، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تتبع عورات النساء: \"إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل، وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة\" لأن ذلك من سوء الظن الذي نهانا الله تعالى عنه، فإن بعض الظن إثم. وقد قال علي رضي الله عنه: \"لا تكثر الغيرة على أهلك فتُرمى بالسوء من أجلك\".وأما الغيرة التي تكون في محلها فهي مطلوبة شرعاً ولابد منها، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: \"إن الله يغار، والمؤمن يغار…\" وكان الحسن يقول:\" أتدعون نساءكم ليزاحمن العلوج في الأسواق؟\" قبح الله من لا يغار.
فالمطلوب إذاً هو الاعتدال بحيث يغار الزوج في المواطن التي تجب فيها الغيرة، ويُمسك فيما عدا ذلك من غير ضعف ولا تنطع.
يا بُنيتي: يبدو أنها شكوى عامة.. مستمرة ومتكررة ومتطورة، تلك المتمثلة في إبداء علامات التحسر علي العبارات والمواقف والهدايا المعبرة عن الحب قبل الزواج، ويغيب عن كثيرين أن الحب قد يأخذ صورا أخري من التعبير بعد الزواج، ومع ذلك فعدم إبداء الإعجاب وتكرار تذكر أيام وسنوات الحب السعيدة، وعدم التقدير لمدي الجهود المبذولة من أجل الأسرة، وتجنب التحدث عن عواطفكما نحو بعضكما البعض يزيد من الفتور والبكاء علي \"أطلال الحب\" المنقضي، لا تجديده أو حتى ترميمه. من المعلوم أن لكلٍ من الزوجين أوجه كمال وجمال وإلا لما تزوجا، يقول المصطفي صلى الله عليه وسلم:\"لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها آخر\") رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .( لذا لقد كان التقدير والمدح قبل الزواج انسجاماً وتأليفاً، أما بعد الزواج فهو ضرورة حياتية ونفسية ووجدانية، فالنفس الإنسانية فطرت علي حب المدح وكراهية الذم.
يا بُنيتي: إن رسول صلى الله عليه وسلم يعلن في أكثر من مناسبة، وتقديراً لسيدة هذا شأنها، وتلك مواقفها، وذلك جهدها، بأنها خير نساء الجنة، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:\"خير نسائها مريم، وخير نسائها خديجة\"(صحيح البخاري، ج 3، ص1388)، وفي رواية: عن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض خطوطا أربعة، قال:\"أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون\" (صحيح ابن حبان، ج15، ص 470) .بل جاء أيضا أنها رضي الله عنها من أفضل نساء العالمين، فقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: \"حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وآسية امرأة فرعون\" (صحيح ابن حبان، ج 15، ص 464. ليس هذا فحسب، بل يقرؤها المولى عز وجل السلام من فوق سبع سماوات، ويبشرها ببيت من قصب في الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:\"يا رسول ال له، هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب.صحيح البخاري، ج3، ص1389).
يا بُنيتي: ما أروع هذه الزيجة!! وما أروع هذين الزوجين، وتلكم الأسرة!! وكأن الله خلقها لتأتم بها الدنيا كلها، ويأتم بهم كل زوجة وزوج وأسرة تريد إصلاحا وفلاحا، وهذه هي الزيجة الربانية.. كما أرادها الله وكما طبقها رسوله صلي الله عليه وسلم.
يابنيتي: لعل تكثيف برامج الإرشاد النفسي في الوسائل المسموعة والمرئية والمقروءة، وإنشاء قنوات فضائية متخصصة في قضايا الأسرة النفسية والاجتماعية والمادية، إهتداءً بنماذج الواردة في القرآن والسنة، وسيرة السلف الصالح، وتخصيص ملحق أسبوعي في الصحف المحلية، موجّه للشباب والشابات حديثي الزواج، أو المقبلين عليه، يناقش هذه الأمور، باتت من الأمور المُلحة. كذلك تسهيل إجراءات تأسيس مؤسسات خيرية تُعني بأمور الأسرة، ومشاركتها في تنفيذ البرامج والدوريات التدريبية ذات العلاقة بالأسرة وتقديم البرامج التدريبية والإرشاد الأسري. وتوجيه خطباء المساجد والدعاة بالتوعية بأحكام وقيم الأسرة والزواج في خطب الجمعة والمحاضرات، وتنظيم المخيمات الدعوية المتخصصة لرفع الوعي لدى الجنسين في مجال القضايا الأسرية.
غاليتي: اعرفي عظمة هذا الدين الذي تنتسبين إليه، وأعرفي قدر أسلافك، وكيف جاهدوا في خدمة الإسلام، وفي تربية القادة الأبطال، والرجال العظام. فما أحوج الأمة الإسلامية ـ الآن ـ إلى أمثال \"خديجة\"!. يـُنفقن، ويبذلن، ويصبرن، ويربين، ويبَلِغْنَ دعوة الله تعالي، ويسكبن الإيمان والثقة والفرح في قلوب إزواجهن سكبًا. فإلى هذا المعين، معين أمهات المؤمنين، فارتشفي واترابك. وإياك، ومَثالب الأخلاق.. الكَذِب المُبرِّح، والخُلْفَ المُصَرّح، والغيبة والنميمة، وإضاعة الوقت والمال، على التفاهات، والانشغال بوسائل الإعلام.
بُنيتي: جميل أن أخبرك عن الأخلاق الفاضلة، ورائع أن اكتب لك عن المثل وعظيم السجايا والخصال، أن تقرأي عن الحلم والأناة، أو نتحدث عن الجود والسخاء ونصف الصدق والسماحة، فنعجب من كرم الكريم، وشهامة الشهم. عظيم كل هذا وغيره، لكن إذا اتصف شخص واحد بكل هذا، فكم ستحمل النفوس والقلوب له من الإجلال والاحترام والمحبة؟. أم القاسم! رضي الله عنها.. مَعلمةَ العفة لبنات المسلمين، ومَعلمةَ الوفاء لزوجات المسلمين، ومَعلَمة الصبر لداعيات المسلمين، بل إنها مُعلمة الحكمة لحكماء المسلمين. فعيشي، بُنيتي وأترابك في ظلال سيرتها..\"الأنموذج لخير النساء وأكملهن\".. اللهم بلّغ أمنا \"خديجة\" رضي الله عنها، منا السلام، وسلام عليها، وعلي امهات المؤمنين، في الأولين والآخرين.
يمكن التواصل مع الكاتب أ.د./ ناصر أحمد سنه
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗