🟢
ثوبان مولى رسول الله ﷺ
🟢
اسمُهُ ونسبُهُ:
ثَوْبَانُ بنُ يُجدُدٍ، وقيل: ابنُ جَحدَرٍ، وَيُكنى: أَبَا عَبدِ الله، أصوله يمانية مِن حِمْيَر.
مولى رسول الله ﷺ:
أَصَابَهُ سَبيٌ وهو صغير، فتقلَّب في الرق حتى اشتراه رسول الله ﷺ، وأسلم على يديه، فأعتقه، ثم خَيَّرَهُ فقال له: «إِنْ شِئْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِمَنْ أَنتَ مِنْهُم، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَكُونَ مِنَّا أهل البيت» فثبت ثوبان على ولاء رسول الله ﷺ، وهكذا أصبح من آل بيت النبوة.
وقد سمع ثوبان النبي ﷺ يومًا يدعو لآل بيته -رضي الله عنهم- فقال له: "يا نَبيَّ الله، أَمِنْ أَهْلِ الْبَيتِ أَنا؟" قَالَ ﷺ: «نَعَم، ما لم تَقُم على بَابِ سُدَّةٍ، أو تَأْتِيَ أَمِيرًا تَسْأَلُهُ».
تعظيمه لمقام رسول الله ﷺ:
كان ثَوْبَانُ مع النبي ﷺ يومًا فجاء حَبْرٌ مِن أَحبار اليهود، فقال: "السَّلَامُ عَلَيكَ يا مُحَمَّدُ"، قال ثَوْبَانُ: فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كادَ يُصرَعُ منها، فقال الْيَهودِيُّ: "لِمَ تَدْفَعُنِي؟" فقال له: "أَلَا تَقُولُ يا رَسُولَ الله؟"، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: "إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الذي سَمَّاهُ به أَهْلُهُ"، فقال رسول الله ﷺ لِثَوْبَانَ: «إِنَّ اسْمِي الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي: مُحَمَّدٌ» وذلك لِيُهَدِّئ ثوبان، ويترك الرجل.
عِفَّتُه وزُهدُه رضي الله عنه:
خرج رسول الله ﷺ على أصحابه يومًا فقال لهم: «مَن يَضمَنُ لي واحدةً وأضمَنَ له الجنَّةَ؟»، فَقَالَ ثَوْبَانُ: "أَنَا يَا رَسُولَ الله"، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ له: «لا تَسأَلِ النَّاسَ شيئًا» فكان ثَوْبَانُ من بعدها لا يَسأَلُ أحدًا شيئًا، حتى أَنه كان يَقَعُ سَوْطُهُ وهو رَاكِبٌ على بَعِيرِهِ، فَيُنِيخُ حَتَّى يَأْخُذَهُ، وما يَقُولُ لِأَحَدٍ: نَاوِلْنِيهِ.
وقد كانت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- من عِفَّة ثوبان وشدة زهده؛ تخشى عليه أن يصيبه الفقر، أو تصيبه الحاجة، ولا ينتبه إليه أحد؛ لاستمساكه بعهده لرسول الله ﷺ ألا يَسْأَلَ النَّاس شيئًا، فكانت توصي الناس به، وتأمرهم أن يتفقدوا أحواله بقولها: "تَعَاهَدُوا ثَوْبَانَ؛ فَإِنَّهُ لا يَسْأَلُ أحدًا شَيْئًا".
خوفه مِن مُحبِطات الأعمال:
وكان ثوبان من أحرص الناس على معرفة الذنوب التي تُهلِك صاحبها، وتُفسِد عليه آخرته؛ ليتجنبها.
🪶 فأخبر النبي ﷺ يومًا أصحابه بحال بعض الناس يوم القيامة فقال: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا»، فَانْخَلَعَ قلب ثَوْبانَ، فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لنا جَلِّهِمْ لَنَا، أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ" فقال ﷺ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِن اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إذا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا».
حبٌّ يشهد الوحي على صدقه:
كان ثَوْبَانَ -مَولى رسول الله ﷺ- شديد الحبِّ لرسول الله ﷺ، قليل الصبر عنه، فأَتاه يومًا وقد تَغَيَّرَ لونه، ونَحِلَ جسمه، وعُرِف الحزن في وجهه، فسأله رسول الله ﷺ عن حاله، فقال:
🤍 "يَا رَسُولَ اللهُ مَا بِي وَجَعٌ، غَيْرَ أَنِّي إِذَا لَمْ أَرَكَ اشْتَقْتُ إِلَيْكَ، وَاسْتَوْحَشْتُ وَحْشَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَلْقَاكَ؛ فَإِنَّكَ لأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، وَإِنَّكَ لأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَهْلِي، وَأَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ وَلَدِي، وَإِنِّي لَأَكُونُ فِي الْبَيْتِ فَأَذْكُرُكَ، فَمَا أَصْبِرُ حَتَّى آتِيَكَ فَأَنْظُرُ إِلَيْكَ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوتَكَ خَشِيتُ أَنْ لَا أَرَاكَ فِي الْآخِرَةَ، فقد عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الْجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَإِنِّي إِنْ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ كُنْتُ فِي مَنْزِلَةٍ أَدْنَى مِنْ مَنْزِلَتِكَ، وَإِنْ أَنَا لَمْ أَدْخُل الْجَنَّةَ فَحِينَئِذٍ لَا أَرَاكَ أَبَدًا" 🤍
فأَنزل الله تعالى جبريل عليه السلام بهذه الآية: ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا﴾ [النساء: ٦٩]
🤎ليشهد الوحي على صدق حبِّه لرسول الله ﷺ، ويُبشره وَيَدُله على طريق يصل به إلى صحبته في الدنيا والآخرة.
وحان وقت الرحيل:
عاش ثوبان -رضي الله عنه- حياته يجاهد في سبيل الله، ويخدم رسوله، ويروي عنه الحديث، وينصح للمسلمين، حتى مات بحِمْصَ سنة أربعٍ وخمسين من الهجرة، ليلحق بركب المحبين لرسول ربِّ العالمين عليه صلوات الله وسلامه إلى يوم الدين.
🤍رضي الله عنهم وأرضاهم🤍
ثوبان