الترغيـب فـي الـزواج
فقه السنه
وقد رغب الإسلام في الزواج بصور متعددة للترغيب؛ فتارة يذكر، أنه من سنن الأنبياء، وهدي المرسلين، وأنهم القادة الذين يجب علينا أن نقتدي بهداهم: " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً " [الرعد: 38]. وفي حديث الترمذي، عن أبي أيوب _ رضي اللّه عنه _ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربعٌ من سنن المرسلين؛ الحناء(1)، والتعطر، والسواك، والنكاح"(2).
وتارة يذكره في معرض الامتنان: " وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ " [النحل: 72]. وأحياناً يتحدث عن كونه آيةً من آيات اللّه: " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [الروم: 21]. وقد يتردد المرء في قَبُول الزواج، فيحجم عنه؛ خوفاً من الاضطلاع بتكاليفه، وهروباً من احتمال أعبائه، فيلفت الإسلام نظره إلى أن اللّه سيجعل الزواج سبيلاً إلى الغنى، وأنه سيحمل عنـه هـذه الأعباء، ويمده بالقوة، التي تجعله قادراً على التغلب على أسباب الفقر: " وَأَنكِحُوا الأَْيَامَى (3) مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ (4) وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " [النور: 32]. وفي حديث الترمذي، عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة حقٌّ على اللّه عونهم؛ المجاهد في سبيل اللّه، والمكاتَب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف"(5). والمرأة خير كنز يضاف إلى رصيد الرجل؛ روى الترمذي، وابن ماجه، عن ثوبان _ رضي اللّه عنه _ قال: لما نزلت: " وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " [التوبـة: 34]. قال: كنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، فقال بعض أصحابه: أنزلت في الذهب والفضة، فلو علمنا أي المال خيرفنتخذه ؟ فقال: "لسان ذاكر، وقلب شاكر، وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه"(6).
وروى الطبراني بسند جيد، عن ابن عباس _ رضي اللّه عنهما _ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من أصابهن، فقد أعطي خير الدنيا والآخرة؛ قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً على البلاء صابراً، وزوجة لا تبغيه حُوباً في نفسها وماله"(7).
وروى مسلم، عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة"(
.
وقد يخيل للإنسان في لحظة من لحظات يقظته الروحية أن يتبتل، وينقطع عن كل شأن من شئون الدنيا، فيقوم الليل، ويصوم النهار، ويعتزل النساء، ويسير في طريق الرهبانية المنافية لطبيعة الإنسان.
فيعلِّمه الإسـلام أن ذلك مناف لفطرته، ومغاير لدينـه، وأن سيد الأنبياء _ وهو أخشى الناس للّه وأتقاهم له _ كان يصوم ويفطر، ويقوم وينام، ويتزوج النساء، وأن من حاول الخروج عن هديه، فليس له شرف الانتساب إليه؛ روى البخاري، ومسلم، عن أنس _ رضي اللّه عنه _ قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها(9)، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم، قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا، فإني أصلي الليل أبداً. وقال آخر: أنا أصوم الدهر، ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء، فلا أتزوج أبداً. فجاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما واللّه، إني لأخشاكم للّه وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقـد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي، فليس مني"(10).
والزوجة الصالحة فيض من السعـادة يغمـر البيت، ويملؤه سـروراً، وبهجة، وإشراقاً؛ فعن أبي أمامة _ رضي اللّه عنه _ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى اللّه، عز وجل، خيراً له من زوجة صالحة؛ إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سَرَّته، وإن أقسم عليها أبرَّته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله"(11). رواه ابن ماجه.
وعن سعد بن أبي وقاص _ رضي اللّه عنه _ قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "من سعادة ابن آدم ثلاثة، ومن شقاوة ابن آدم ثلاثة، من سعادة ابن آدم؛ المرأة الصالحة، والمسكن الصالح، والمركب الصالح، ومن شقاوة ابن آدم؛ المرأة السوء، والمسكن السوء، والمركب السوء"(12). رواه أحمد بسند صحيح، ورواه الطبراني، والبزّار، والحاكم وصححه. وقد جاء تفسير هذا الحديث في حديث آخر رواه الحاكم، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة من السعادة؛ المرأة الصالحة، تراها تعجبك، وتغيب فتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة(13) تلحقك بأصحابك، والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، وثلاثة من الشقاء؛ المرأة تراها فتسوءك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفاً(14)، فإن ضربتها أتعبتك، وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة، قليلة المرافق"(15).
والزواج عبادة يستكمل الإنسان بها نصف دينه، ويلقى بها ربه على أحسن حال من الطهر والنقاء؛ فعن أنس _ رضي اللّه عنه _ أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "من رزقه اللّه امرأة صالحة، فقد أعانه على شطر دينه، فليتق اللّه في الشطر الباقي"(16). رواه الطبراني، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد. وعنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: "من أراد أن يلقى اللّه طاهراً مطهراً، فليتزوج الحرائر"(17). رواه ابن ماجه، وفيه ضعف.
قال ابن مسعود: لو لم يبق من أجَلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها، ولي طَوْلُ النكاح فيهن، لتزوجت؛ مخافة الفتنة(18).
(1) وقال بعض الرواة: الحياء. بالياء.
(2) الترمذي: كتاب النكاح، عن رسول الله صلى الله عليه وسلمـ باب ما جاء في فضل التزويج، والحث عليه، برقـم (1080) (3 / 382)، وقال: حديث حسن غريب.
(3) الأيامى: جمع أيم؛ وهو الذي لا زوجة له، أو التي لا زوج لها.
(4) العباد: العبيد.
(5) الترمذي: كتاب فضائل الجهاد _ بـاب مـا جـاء في المجاهد، والنكاح، والمكاتـب وعـون الله إياهم، برقـم (1655 ) (4 / 184)، وقال: حديث حسن، والبيهقي: كتاب النكاح _ باب الرغبة في النكاح، برقم (13456) (7 / 125).
(6) الترمذي:كتاب تفسير القرآن _ باب "ومن سورة التوبة"، برقم (3094) (5 / 277) وقال: هذا حديـث حسـن، وأحمد، في "المسند" (5 / 278، 282، 366) بألفاظ متقاربة، وابن ماجه: كتاب النكاح _ باب أفضل النساء، برقم (1855) (1 / 596).
(7) الطبراني في "الكبير" بلفظ: "من أعطيهن"، برقم (11275) (11 / 134)، وقال المنذري، في "الترغيب": رواه الطبراني بإسناد جيد (3 / 206)، ورواه، في: "الأوسط" (ص 191) مجمع البحرين، بنفس السند والمتن، فلا معنى لقول الحافظ الهيثمي، في: "المجمع" (4 / 273): ورجال الأوسط رجال الصحيح. فهو في "الكبير" بنفس السند.
(
مسلم: كتاب الرضاع _ باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، برقم (64) (2 / 1090).
(9) أي؛ عَدُّوها قليلة.
(10) البخاري، في: كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح(7 / 4)، ومسلم، في: كتاب النكاح، باب استحباب النكاح، لمن تاقت نفسه إليه، ووجد مؤنة (9 / 175)، والإمام أحمد، في "المسند" (3 / 241، 259، 285).
(11) ابن ماجه: كتاب النكاح _ باب أفضل النساء، برقم (1857) (1 / 596). وفيه، أن التقوى هي مقصود المؤمن، ومعنى "سرته". أي؛ لحسنها ظاهراً، أو لحسن أخلاقها باطًنا، أو لدوام اشتغالها بطاعة الله والتقوى، و"أبرته". بفعل المقسَم عليه، و"في نفسها". بحفظها من تمكين أحد منها.
(12) تقدم تخريجه، في "الأدعية ".
(13) "وطيئة": ذلول سريعة السير.
(14) "قطوفاً": بطيئة.
(15) في: كتاب النكاح، برقم (2684). مستدرك الحاكم.
(16) مستدرك الحاكم: كتاب النكاح _ حديث رقم (2681)، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
(17) ابن ماجه: كتاب النكاح _ باب تزويج الحرائر والولود، برقم (1862) (1 / 598).
(18) أورده الهيثمي، في: كتاب النكاح، باب الحث على النكاح،...، وقال: رواه الطبراني، وفيه عبد الرحمن بن عبد اللّه المسعودي، وهو ثقة ولكنه اختلط، وبقية رجاله رجال الصحيح. مجمع الزوائد (4 / 251).