السؤال
يرى بعض الناس الآن أن قيام المسحراتى بإعلان الناس بالسحور بدعة لم تكن على أيام النبى صلى الله عليه وسلم فما حكم الدين فى ذلك ؟
الجواب
معلوم
أن تناول طعام السحور سنة عن النبى صلى الله عليه وسلم ، وذلك للتقوِّى به
على الصيام ، كما جاء فى حديث البخارى ومسلم : "تسحَّروا فإن فى السحور
بركة " ووقته من منتصف الليل إلى طلوع الفجر، والمستحب تأخيره ، ففى
البخارى ومسلم عن زيد بن ثابت : تسحرنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم ثم
قمنا إلى الصلاة، وكان قدر ما بينهما خمسين آية .
وكان هناك أذانان
للفجر، أحدهما يقوم به بلال ، وهو قبيل الوقت الحقيقى للفجر، والثانى يقوم
به عبد الله بن أم مكتوم ، وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن أذان
بلال ليس موعدًا للإِمساك عن الطعام والشراب والمفطرات لبدء الصيام ، وأذن
لنا فى تناول ذلك حتى نسمع أذان ابن أم مكتوم . ففى حديث البخارى ومسلم "
إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " وروى أحمد
وغيره قوله صلى الله عليه وسلم "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره ، فإنه
يؤذن - أو قال ينادى - ليرجع قائمكم وينبه نائمكم " .
ومن هنا كان أذان
بلال بمنزلة الإِعلام بالتسحير فى شهر رمضان ، وما كان الناس فى المدينة
يحتاجون إلى أكثر من ذلك للتنبيه على السحور. يقول المؤرخون : لما جاء إلى
مصر عتبة بن إسحاق واليا من قِبل الخليفة العباسى المنتصر بالله قام هو
بالتسحير سائرا على قدميه من مدينة العسكر فى الفسطاط حتى جامع عمرو بن
العاص وكان ذلك سنة 238 هـ وممن اشتهروا بالتسحير "الزمزمى" فى مكة، "ابن
نقطة" فى بغداد، وكان الزمزمى يتولى التسحير فى صومعته بأعلى المسجد ومعه
أخوان صغيران يقول : يا نيامًا قوموا للسحور، ويدلى حبلا فيه قنديلان
كبيران ، من لم يسمع النداء يرى النور. ثم تطور التسحير فكان أهل مصر أول
من ابتكروا "البازة" مع الأناشيد ، ويقوم عدة أشخاص معهم طبل بلدى وصاجات
برئاسة المسحراتى ، ويغنون أغانى خفيفة ، "إبراهيم عنانى - جريدة الأخبار
15 من رمضان 1414 - 25 من فبراير 1994 م " .
ويقول الدكتور حسين مجيب
المصرى : الشعر الذى كان يستخدمه المسحراتى كان يسمى " فن القوما " واشتهر
به "ابن نقطة" الذى كان موكولا إليه إيقاظ الخليفة للسحور، ولا يلتزم فيه
باللغة العربية . وذكر نموذجا منه . وذكر أن ظهور فانوس رمضان ارتبط
بالمسحراتى ، وكان يعلق بالمآذن ، وشاهده ابن بطوطة فى رحلته ورأى فى الحرم
المكى الاحتفال برمضان ، وقال : كانوا يعلقون قنديلين للسحور ليراهما من
لم يسمع الأذان ليتسحر " الأخبار 18 / 4 /1988 ، 25/ 2/ 1994" .
نرى من
هذا أن الإِعلام بوقت السحور له أصل فى الدين ، فكان فى أيام الرسول صلى
الله عليه وسلم بأذان بلال ، وكان فى العصور التى تلت ذلك بوسائل شتى ،
بإضاءة الأنوار، وبإنشاد الأشعار، وبالضرب على الآلات ، ثم بإطلاق الصفارات
وضرب المدافع وغير ذلك من الوسائل .
ولا ينبغى أن نسرع -كما قلت مرارا -
بإطلاق اسم البدعة وجعلها ضلالة فى النار على كل شىء جديد لم يكن بصورته
الحالية موجودا فى عهد التشريع ، فقد يكون له أصل مشروع ، والصورة هى التى
تغيرت ، فإن كانت الصورة غير خارجة عن الدين فلا بأس بها أبدا ، وسنة
التطور تقضى بذلك ما دامت فى الإِطار العام للدين ، وفى التنبيه على السحور
دلالة على الخير وتعاون على البر، والدال على الخير كفاعله ، والله فى عون
العبد ما دام العبد فى عون أخيه .
مدفع الإفطار :
فى منتصف القرن
التاسع الهجرى انطلقت أول طلقة لمدفع الإفطار فى رمضان ، وتبدأ الحكاية فى
زمن والى مصر "خوشقدم" عندما أهدى إليه مدفع ، فأمر بتجربته فانطلقت أول
طلقة ، وصادف الوقت أن كان عند غروب الشمس فى أول يوم من رمضان ، فظن الناس
أنه تقليد جديد اتبعه الوالى للإِيذان بموعد الإِفطار، فشكروه على ذلك
وصار تقليدا " جريدة مايو 26 / 5 / 1986"
السؤال
هل يجوز فتح المطاعم فى نهار رمضان ؟
الجواب
صيام
رمضان من أهم الأركان التى بنى عليها الإِسلام ، وكان من رحمة الله تعالى
أن خفف عن ذوى الأعذار فأباح لهم الفطر ما دام العذر قائما، على أن يصوموا
قضاءً ما أفطروه كما قال سبحانه { فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا
أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر
ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} البقرة :185 .
ولذلك
حذر النبى صلى الله عليه وسلم من التهاون فى أداء هذه الفريضة فقال فيما
رواه الترمذى وأبو داود والنسائى وابن ماجه وابن خزيمة فى صحيحه "من أفطر
يوما من رمضان من غير رخصة ولا مرض لم يقضه صوم الدهر كله وإن صامه" بل جاء
التحذير من التعجل بالفطر قبل موعده فقد روى ابن خزيمة وابن حبان فى
صحيحيهما أن النبى صلى الله عليه وسلم رأى فى النوم -ورؤيا الأنبياء حق-
قوما معلقين بعراقيبهم مُشققةً أشداقهم تسيل دما ، وهم الذين يفطرون قبل
تحلة الصوم ، أى قبل الإفطار، والذى يساعد المفطر على فطره من غير عذر شريك
له فى الإثم ، فما أدى إلى الحرام يكون حراما كما أن تقديم طعام أو شراب
له باختياره دليل رضائه عن فعله ، والراضى بالمعصية عاصٍ كما قرر العلماء ،
وكما نص الحديث على لعن شارب الخمر وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها
ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه .
والذى يملك محلا لبيع مأكولات أو
مشروبات قد تتناول بعيداً عنه أو تُعَدُّ لتناولها فى وقت يحل فيه تناولها ،
لا وجه لمنعه من ذلك ما دام لم ير المنكر يرتكب أمامه بتناول المشترى له
فى نهار رمضان ، والواقع يقضى بتيسير حصول الناس على ما يحتاجون ، والإِثم
عليهم فى سوء استعمال ما يقع تحت أيديهم ، أما الذى يملك مطعما يتناول فيه
الناس غذاءهم ، أو مقهى تتناول فيه المشروبات ، فإن كان ذلك التناول فى
نهار رمضان ، وتأكد أن متناوله مفطر لا عذر له فى الإِفطار كانت مساعدته
على ذلك محرمة ، وإذا كانت معرفة المعذور وغير المعذور متعسرة فى المجتمع
الكبير الذى يجمع أخلاطا متنوعة قد تنتحل فيه الأعذار فالأفضل عدم القيام
بهذا العمل نهارا ، وفى ممارسة نشاطه ليلا متسع له دون حرج .
ذلك أن
تيسير تناول الطعام والشراب فى هذه الأماكن فى نهار رمضان فيه إغراء بالفطر
وفيه تشويه لسمعة المجتمع الإِسلامى الذى يجب أن يراعى حرمة هذا الشهر
الكريم ، والمتقون لربهم يستعدون قبل رمضان بما يغنيهم عن العمل فيه من أجل
العيش ، ليتفرغوا للعبادة أو لمزاولة عمل آخر، والليل كله مجال واسع للعيش
الكريم .
إن الأمر يحتاج إلى مراقبة الضمير، وإلى يقظة المسئولين
وتعاون الجميع على مقاومة المنكر والتمكين للخير والمعروف ، وبخاصة فى هذا
الشهر المبارك العظيم
السؤال
يحرص
بعض النساء على صيام كل أيام رمضان ، ولتفادى الدورة الشهرية التى تمنع
الصيام يتعاطى بعضهن أقراصا تمنع الدورة، فما رأى الدين فى ذلك ؟
الجواب
رمضان
شهر مبارك عظيم فيه من الخيرات والنفحات ما لا يوجد فى غيره ، وقد فرض
الله فيه الصيام على المكلف القادر المستطيع ، لينال الثواب العظيم ، وخفف
عن ذوى الأعذار فأباح لهم الفطر حتى يزول العذر، وعليهم قضاء ما فاتهم من
أيام رمضان ، قال تعالى : { ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر
يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة } البقرة :185.
وممن خفف الله عنهم فى رمضان المرأة فى أثناء الدورة الشهرية ، وفى مدة
النفاس ، فأوجب عليها الفطر كما أوجب عليها القضاء ، والقضاء سيكون فى أيام
غير رمضان ، والشهر الذى يجرى فيه القضاء ليس له من الفضل وليس فيه من
النفحات ما فى رمضان ، ولذلك يرى بعض النساء منع نزول الدم فى رمضان ليصح
الصوم ويَفُزْنَ بفضل رمضان من صيام ومن صلاة التراويح وقراءة قرآن .
ولا
يوجد دليل يُحرم ذلك فى كتاب أو سنة ، ولا فى مأثور السلف الصالح ، بل جاء
فى المأثور عنهم أنهم كانوا يجيزون للنساء فى موسم الحج أن يتعاطين ما
يمنع نزول الدم حتى لا يُحْرمن من أداء الشعائر التى تشترط فيها الطهارة
كالطواف حول البيت والصلاة فى المسجد الحرام بمكة ومسجد الرسول بالمدينة ،
وكقراءة القرآن الكريم .
وكان منقوع شجر الأراك الذى يؤخذ منه السواك
مفيدا فى هذا الموضع ، فوصفوه للنساء ولم ينقل اعتراض أحد عليه ، ومع جواز
ذلك أنصح باستشارة الطبيب قبل تناول أى دواء يمنع نزول الدم ، فقد يكون فيه
ضرر
السؤال
قرأنا فى بعض الكتب أن الحامل والمرضع يجوز لهما الإفطار فى رمضان مع دفع الفدية ولا يجب عليهما القضاء فهل هذا صحيح ؟
الجواب
يقول
الله تعالى عن الصيام {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } البقرة : 184
، للعلماء فى تفسير هذه الآية رأيان ، رأى يقول بأن الصيام كان فى أول
أمره على التخيير، من شاء ممن يطيقونه ويقدرون عليه أن يصوموا أو يفطروا ،
وعليهم بدل الإفطار أن يخرجوا فدية هى طعام مسكين ومع التخيير فالصوم أفضل ،
ثم نسخ هذا الحكم وفرض على من يطيقون الصيام أن يصوموا ولا يجوز لهم الفطر
والإطعام وذلك لقوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه } البقرة : 185 ،
فالناسخ هو هذه الآية كما رواه الجماعة إلا أحمد عن سلمة بن الأكوع قال :
لما نزلت هذه الآية {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } كان من أراد أن
يفطر ويفتدى حتى أنزلت الآية التى بعدها فنسختها .
ورأى يقول بأن الصيام
فرض على كل القادرين عليه فقط ، وأبيح الفطر للمريض والمسافر ومن يطيقونه
أى يتحملونه بمشقة شديدة حيث فسروا الإطاقة بذلك ، وهم كبار السن ، وفرض
على المريض والمسافر القضاء ، وعلى كبار السن الفدية فقط دون قضاء ، لأنه
شاق عليهم كلما تقدمت بهم السن ، ومثلهم المريض الذى لا يرجى بروه ولا يرجى
أن يقدر على القضاء فهؤلاء يفطرون ويخرجون الفدية .
روى البخارى عن
عطاء أنه سمع ابن عباس رضى الله عنهما يقرأ {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام
مسكين } قال ابن عباس : ليست بمنسوخة ، هى للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا
يستطيعان أن يصوما ، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا .
وبعض العلماء
المعاصرين -كالشيخ محمد عبده -يقيس على الشيوخ الضعفاء والمرضى بمرض مزمن :
العمال الذين جعل الله معاشهم الدائم بالأشغال الشاقة كاستخراج الفحم
الحجرى من مناجمه ، وكذلك يلحق بهم المجرمون المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة
المؤبدة إذا قدر عليهم الصيام بالفعل ، فليس عليهم صيام ولا فدية حتى لو
ملكوها .
أما الحبلى والمرضع إذا خافتا من الصيام على أنفسهما أو على
أولادهما فيرى ابن عمر وابن عباس انهما يفطران ويخرجان الفدية ولا قضاء
عليهما إلحاقا لهما بكبار السن .
روى أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس قال
فى قوله تعالى : {وعلى الذين يطيقونه } : كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة
الكبيرة وهما لا يطيقان الصيام - يعنى يتحملانه بمشقة شديدة - أن يفطرا
ويطعما مكان كل يوم مسكينا، والحبلى والمرضع إذا خافتا-يعنى على أولادهما -
أفطرتا وأطعمتا ، ورواه البزار وزاد فى آخره ، وكان ابن عباس يقول لأم ولد
له حبلى : أنت بمنزلة الذى لا يطيقه فعليك الفداء ولا قضاء عليك وصحح
الدارقطنى إسناده . وروى مالك والبيهقى عن نافع أن ابن عمر سئل عن المرأة
الحامل إذا خافت على ولدها فقال : تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدًّا من
حنطة . وفى الحديث " إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة- أى قصر
الصلاة- وعن الحُبلى والمرضع الصوم " رواه الخمسة أحمد وأصحاب السنن .
وعليه
فإن الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على أولادهما لهما أن يفطرا،
أما القضاء والفدية فإن ابن حزم لا يوجب شيئا منهما، وابن عباس وابن عمر
يوجبان الفدية فقط دون قضاء ، والأحناف يوجبون القضاء فقط دون فدية،
والشافعية والحنابلة يوجبان القضاء والفدية معا إن خافتا على الولد فقط ،
أما إذا خافتا على أنفسهما فقط أو على أنفسهما وعلى ولديهما فعليهما القضاء
فقط دون فدية "نيل الأوطارج 4 ص 43 2 - 5 4 2 " .
السؤال
هل يفطر للصائم إذا بلع البلغم ، وماذا يفعل لو تعذَّر بصقه وهو فى الصلاة؟
الجواب
الريق
العادى الخالى من مواد غريبة يجوز بلعه فى نهار رمضان وفى أى صيام ، وذلك
لمشقة الاحتراز عنه ، وليس من الواجب بصقه كلما تجمَّع ، فإن بصقه يزيد من
الإحساس بالعطش وجفاف الحلق ،إلى جانب أن ابتلاعه لا يعد أكلا ولا شربا ،
وليس غذاء يتنافى مع معنى الصوم وحكمته .
أما البلغم الخارج من الصدر
ومثله النخامة النازلة من الرأس ، فإن وصل إلى الفم ثم بلعه الصائم بطل
صومه على ما رآه الشافعية، إذ يصدق عليه أنه شىء دخل إلى الجوف من منفذ
مفتوح ، ولا يشق الاحتراز عنه . وقال بعض العلماء : إن بلعه فى هذه الحالة
لا يضر ما دام لم يتجاوز الشفتين ، بل قاسه آخرون على الريق العادى فقالوا :
إن بلعه لا يبطل الصوم مطلقا ، وفى هذا القول تيسير على المصابين بحالة
يكثر فيها البلغم ، أما غير هؤلاء فيتبعون أحد القولين الأولين .
وعلى
القول بأن بلعه يبطل يجب بصقه حتى لو كان فى الصلاة، على ألا يطرحه فى
المسجد فإن تلويثه ممنوع بل يكون ذلك فى نحو منديل بحركة خفيفة لا تبطل
الصلاة