ساعات من العمر - عبد الوهاب مطاوع

ساعات من العمر - عبد الوهاب مطاوع


قبل نحو خمسة عشر عاما اشتريت كل كتب الكاتب الصحفي والأديب الكبير عبد الوهاب مطاوع، وقلت لطفلتي التي كانت تستعد لدخول المدرسة الابتدائية: اشتريت هذه المجموعة خصيصا لك، حينما تكبرين ستقرأينها وستعرفين كم هي ثمينة. 
ثم مرت السنون وأصبحت ابنتي شابة لكنها لم تقرأ كتابا واحدا منها، وكلما شجعتها وألححت عليها تعدني أنها ستفعل ذلك يوما ما. إنها تحب القراءة لكن للأسف ليس بالعربية.
ظلت كتب الأستاذ عبد الوهاب مطاوع تحتل مكانها في مكتبتي طيلة هذه السنوات ولم أفكر في قراءة واحدا منها لأني فعلت ذلك مرتين؛ الأولى حينما كانت مقالاتٍ تنشر في الأهرام ومجلة الشباب، والثانية حينما اشتريت المجموعة بالفعل آنذاك. لكني أمس وجدت في داخلي حنينا لاستعادة تلك الأجواء الجميلة من شبابي المبكر حينما كنت أستيقظ باكرا صباح يوم الجمعة لأشتري الأهرام وأقرأ بصحبة أمي، أطال الله عمرها، باب بريد الجمعة الشهير، ونتعجب من تصاريف القدر، ونتشاور في حل المشكلة قبل أن نواصل القراءة لنعرف رد عبد الوهاب مطاوع، فنكتشف أننا اقتربنا من رده لكنه صاغ هذا الرد بأسلوبه الأدبي الذي يمزج فيه الحكمة بالشعر بالاستشهاد بأقوال الفلاسفة وبمواقف معبرة من قصص مشهورة وروايات ذائعة. 
المهم أني مددت يدي لرف المكتبة وتناولت كتابا من مجموعة كتب عبد الوهاب مطاوع دون تقصد لعنوان معين، فإذا به يأسرني ويستغرقني فلم أشعر بنفسي إلا وقد وصلت إلى صفحته الأخيرة. 
الكتاب بعنوان ساعات من العمر، يحكي فيها كاتبنا وأديبنا ذكريات ويقص علينا مشاهد ومواقف من حياته انحفرت في ذاكرته فلم تبرحها فما كان منه إلا أن نسخها كلماتٍ مكتوبة فكان هذا الكتاب الجميل. 
حياة حافلة بالأحداث وثرية بالشخصيات عاشها المؤلف واستعرض بعضا منها بقلمه الرشيق، ينتقل فيها من ذكريات طفولته في بلدته دسوق إلى دراسته بآداب القاهرة وبدايات عمله الصحفي أواخر الخمسينات بالأهرام، معيشته أعزبا بشقة صغيرة في حي شعبي بعمارة يسمع الجيران فيها بعضهم بعضا فيروي حادثة وفاة زوجة أحد الجيران أثناء نومها واكتشاف زوجها ذلك وهو ينادي عليها كي تستيقظ لتباشر عملها، ويربط ذلك بقصة فيلم مشهور يسمى خلف النافذة... إلى تصويره أجواء القاهرة في تلك الفترة واهتمام أهل الفن بأصول صنعتهم وتحمسهم لها، ومن ذلك إلى زواجه وانجابه والزالزال الذي شهدته مصر في أكتوبر من عام ١٩٩٢ وشعوره وأسرته بالهلع وهرولتهم إلى خارج البيت نجاةً بأنفسهم، وتحليله لمعنى الخوف وربطه ذلك بالرسائل الإلهية التي تأتي لتذكر البشر بهوان الدنيا وبأهمية الاستعداد لها قبل أن يأتي اليوم الموعود الذي لا يستطيع المرء أن يرجع إلى الحياة التي غادرها ليعمل صالحا. 
ومن هذا إلى مشهد يصور فيها إجراءه لعملية البواسير دون إخبار أهله واجتياح الألم له لخطأ في تقدير موعد انتهاء مفعول المسكن قبل حصوله على الجرعة التالية. 
ومن هذا وذاك إلى احتفاله في مجلة الشباب ببلوغ صديقه الأثير أحمد رجب سن الستين وتنظيمه لحفل جميل في مجلة الشباب دعا فيه ١٢ شخصا من رموز مصر كلهم على صلة ود وحب بأحمد رجب مثل الأستاذ هيكل والدكتور مصطفى محمود والمهندس إبراهيم المعلم صاحب دار الشروق وعادل إمام ونجيب محفوظ وغيرهم من أصدقاء المحتفى به، وتصويره وقائع هذا الحفل الذي غلبت عليه روح الفكاهة والمرح. 
ومن هذا إلى تصوير بعض ما وقع له أثناء رحلاته إلى فرنسا، وفقدان نقوده في اليوم الأول لإحدى هذه الرحلات، واستقباله ذلك الحدث بسكينه مبعثها الرضا بالقدر والتسليم لمجرياته. 
وهكذا، عشرات وعشرات من القصص احتوتها مقالات الكتاب: زيارته للكعبة وسماعه أما صغيرة جميلة تحمل طفلها وتجعله يتعلق بأستارها وتقول له: قل يارب اشفي ماما.. إلى رؤيته لصورة عازف في فرقة أفراح يغلب عليه الحزن والضعف فيستغرق في تأمل أحواله ناسيا المناسبة التي جمعته لذلك، إلى تصويره لحفل الاستاذ هيكل بمناسبة صدور كتابه أكتوبر ٧٣ السلاح والسياسة، في عزبته وبيته الريفي الجميل على أطراف القاهرة وحديثه عن بعض جوانب شخصية الأستاذ هيكل التي جعلت منه واحدا من أهم كتاب السياسة في العالم العربي طيلة النصف الثاني من القرن العشرين...
كما قلت، عشرات وعشرات من المواقف والمشاهد والقصص الجميلة الجذابة الشيقة التي يرويها هذا الكتاب الممتع ويستخلص منها الأستاذ عبد الوهاب مطاوع ما فيها من دروس وعبر وحكمة. 
رحمه الله.. لقد كان نافعا حيًّا وميِّتاً.
***
رابط تحميل الكتاب بخانة التعليقات، والغلاف لا يمت بصلة لمضمونه، ومن الضروري أن تراجع الدار المصرية اللبنانية جودة الطباعة لهذه المجموعة بأكملها بدءا من التصميم وتدبيس الورق وانتهاءً بالتدقيق اللغوي.

۩❁#منتدى_المركز_الدولى❁۩