سعيد ناجى عضو متألق
عدد المساهمات : 684 تاريخ التسجيل : 31/10/2010
| موضوع: ضرب الزوجات للأزواج ( العنف العكسى ) د.محمد المهدى السبت 28 يناير - 16:47 | |
| ضرب الزوجات للأزواج ( العنف العكسى ) د.محمد المهدى
حجم الظاهرة :
كنا وما زلنا نحاول تلافى ضرب الأزواج لزوجاتهم وتخفيض وتيرة العنف الأسرى على وجه العموم أملا فى تخفيف حدة التوتر الإجتماعى وصولا إلى عالم أكثر سلاما وأمانا , ولكننا فوجئنا بمتغير جديد يظهر على السطح من خلال إحصاءات تتجمع من هنا وهناك تعكس صرخات أزواج تضربهم زوجاتهم بما ينذر بتحول " سى السيد " إلى " سى سوسو " .
ويبدو أنها ظا هرة عالمية ففى الهند كانت نسبة الأزواج " المضروبين " 11% , وفى بريطانيا 17% , وفى أمريكا 23% , وفى العالم العربى تراوحت النسبة بين 23% و 28% , وتبين أن النسب ا لأعلى تكون ةفى الأحياء الراقية والطبقات الإجتما عية الأعلى أما فى الأحياء الشعبية فالنسبة تصل إلى 18% فقط . وهذا الفرق بين الطبقات يمكن أ ن يكون فرقا حقيقيا بمعنى أن المرأة فى الطبقات الإجتماعية الأعلى استفادت أكثر من جهود تحرير المرأة وتمكين المرأة فعلا صوتها " وسوطها " أكثر من المرأة فى الأحياء الشعبية والتى لم تصلها تلك الجهود وما زالت تنظر لزوجها باحترام أكثر ولا تهفو إلى منافسته أو مزاحمته أو القفز على مكانته , وقد يكون فرقا إحصائيا فقط حيث أن الطبقات الإجتماعية الأعلى يسهل تسجيل حالات الإعتداء فيها أكثر حيث الصراحة أكثر والشجاعة فى الإعتراف بما حدث تكون أكثر ا حتمالا .
الأسباب :
والبعض يعزو هذا العنف الأنثوى إلى حالة الإنتقال من مرحلة تحرير المرأة ( التى كان يحلم بها قاسم بك أمين ) إلى مرحلة تمكين المرأة ( التى يعمل من أجلها رموز كثيرة فى المجتمع ا لمحلى والعالمى) وتساندها الأمم ا لمتحدة بكل تشكيلاتها وهيئاتها , وقد أدى هذا إلى استيقاظ عقدة التفوق الذكورى لدى الرجل (الشوفينية ) فراح يمارس عدوانا سلبيا ضد المرأة بان يكايدها أو يتجاهلها أو يهملها , فهبت هى لتؤدبه على كل هذا .
وهناك تفسير آخر يرجع الظاهرة إلى حالة التفوق الأنثوى الملحوظة فى السنوات الأخيرة والتى يمكن رصدها على عدة محا ور منها على سبيل المثال _:
1- أكبر عدد من العشرة الأ وائل فى الثانوية العامة من الفتيات
2- يلاحظ بوضوح أن فتاة اليوم أكثر نضجا والتزاما من نظيرها الفتى , فهى تحاول أغلب الوقت أن تفعل شيئا مفيدا فى حين يقضى هو معظم وقته على ال" كوفى شوب " أو " الإنترنت كافيه " يمارس أنشطة ترفيهية .
3- نسبة حضور المحاضرات والند وات تميل كثيرا فى صالح الإناث , وهن أكثر حرصا على الفهم والمتابعة والإستفسار والإستفادة
4- أصبحت شخصية المرأة أكثر محورية فى حيا ة أبنائها وبناتها فهى تعرف كل التفاصيل عن الأسرة واحتياجاتها أما الرجل فيعيش على هامش الأسرة فهو يخرج للعمل ثم يعود ليتناول طعامه ثم يقرأ ا لجريدة أو يشاهد التليفزيون وليس لديه طاقة أو صبر لمتابعة مشكلات ا لأبناء والبنات .
5- المرأة التى يسافر زوجها لفترات طويلة ويترك لها مسئولية البيت بالكامل تكتسب بعد فترة صفات القوة والحزم والصرامة لكى تستطيع الحفاظ على تماسك الأسرة وتسيطر على نز عات الأبناء ومشكلاتهم و أما الزوج فيكتفى بدور الممول لهذه الأسرة ويأخذ بالتالى مساحة أقل فى وجدان زوجته وأبنائه ويصبح بالتالى أكثر عرضة للهجوم وانتهاك المكانة .
6- الإستقلال الإقتصادى لبعض النساء والذى أعطاهن شعورا بالندية وا لمنافسة للرجل فهى تشعر أنها تعمل مثله ( ور بما أكثر ) وتكسب مثله ( وربما أكثر ) و ولذلك ترفض منه أى وصاية وترفض أن يكون له ميزة أو تفوق عليها .
وفى مقابل هذا التفوق الأنثوى الملحوظ نجد تراجعا ( ملحوظا أيضا ) فى دور الرجل يعزوه علما ء النفس والإجتماع إلى كثير من الظروف السياسية والإقتصادية والإجتماعية أدت إلى شعور الرجل بالإحباط والقهر , فهو أكثر إحساسا ومعانا ة تجا ه الإستبداد السياسى والقهر السلطوى , وهو أكثر مواجهة للأزمات الإقتصادية والإجتماعية وأقل تحملا لها من المرأة . ولهذا نجد أن شخصية الرجل قد اعتراها الكثير من مظاهر التآكل والضعف والتراجع , فى حين صمدت المرأة أكثر لهذه ا لظ روف وتكيفت معها وتجاوزت تأثيراتها الضارة بل واستفادت منها فى بعض الأحيان . وحين أحس الرجل بكل هذا ( بوعى أو بغير وعى ) راح يتعامل مع المجتمع ومع المرأة بطريقة العدوا ن السلبى فظهرت عليه علامات ا للامبالاه وا لتراخى وا لصمت السلبى والتجاهل وا لمكايدة والعناد ....الخ
سمات الضرب الأنثوى :
وضرب الزوجة لزوجها قد يكون حدثا عارضا فى لحظة انفعال شديدة تصرفت فيها الزوجة بدا فع من القهر الشديد الواقع عليها من زوجها , وقد يكون حدثا متكررا منذ فترة طويلة , وقد يكون سلوكا معتادا ومزمنا فى العلاقة بين الزوجين .
والصورة النمطية للمرأة أنها كائن رقيق وأنها الأضعف فى علاقتها بالرجل الذى يتفوق عليها على الأقل ماليا وجسديا فى أغلب ا لأحيان ( وليس كلها ) , وهذه الصورة ربما تجعل تصور ا مرأة تضرب زوجها أمرا مستبعدا أو على الأقل مستهجنا أو طريفا , ولكن فى الواقع حين تتعرض المرأة لحالة من القهر والإستبداد والإهانة والقسوة لمدة طويلة , أو حين يمارس زوجها معها ألوان من العدوان السلبى فإنها تتفجر بد اخلها قوة انتقام هائلة تمنحها طاقة عدوانية غير متوقعة لأحد , وهذه الطاقة لا تمكنها فقط من الضرب ولكن أحيانا تمكنها من القتل بأبشع الوسائل ( تقطيع الزوج وتعبئته فى أكياس ) .
ومع هذا فضرب ا لزوجة لزوجها يكون على الأغلب ضربا غير مبرح وكأنه فقط تعبير رمزى عن الشعور بالظلم والإهانة , وغالبا ما يكون ذلك بيديها , وأحيانا تستخدم ا لمرأة بعض الأسلحة الخفيفة المتاحة لها كالحذاء أو المنفضة أو المقشة أو أى شئ من أدوات المطبخ . وإذا وصل الشعور بالقهر أو الشعور بالغيرة ذروته فإنها ربما تنتقل إلى استخدام أسلحة ثقيلة وخطرة مثل السكين والساطور . ومن حسن الحظ أ ن المرأة العربية حتى الآن لم تتطور أسلحتها فما زا لت بعيد ة عن استخدام الأسلحة النارية ولكن مع هذا لا أحد يعرف ماذا تخبئه ا لأيام القاد مة .
أنماط الضرب النسائى :
والآن نحاول أن نرصد أنماطا من الضرب النسائى ودوافع تلك الأنماط :
1- ضرب المزاح : بعض الزوجات يملن إلى المزاح باليد مع الزوج ويجدن متعة فى ذلك , وربما يبادلهن أزواجهن نفس المتعة خاصة أن المزاح باليد ( المناغشة ) يلغى الحواجز بين الإثنين ويعطى شعورا بالألفة الزائدة وأحيانا يحتاجه بعض الأزواج أو تحتاجه بعض الزوجات لتحريك مشاعر أكثر عمقا وحرارة , وقد يكون ذلك تمهيدا لما هو أعمق
2- الضرب الدفاعى : وهنا تقوم المرأة بالرد على عدوان زوجها , فإذا لطمها على وجهها شعرت بالإهانة فردت له اللطمة مباشرة أو دفعته بعيدا عنها أو حملت عصا أو سكينا فى مواجهته بهدف وقف عد وانه أو الرد عليه . والزوجة فى هذه الحا لة لاتما رس العدوان على زوجها إلا د فاعا عن نفسها ولكن لا تبدأ هى أبدا بالعدوان
3- الضرب الإنتقامى : وهو نتيجة قهر مستمر أو استبداد بالرأى أو قسوة زائدة من جانب الزوج أو حالة غيرة شديدة أشعل نارها فى قلب ز وجته . والزوجة فى هذه الحالة لاتستجيب مباشرة وإنما تتحمل وتتحمل حتى يترا كم بداخلها مخزون كبير من العدوان والرغبة فى الإنتقام والقصاص , إلى أن تحين ا للحظة التى تبلغ فيها هذه المشاعر ذر وتها فينطلق العدوان من داخل المرأة كالطوفان أو الإعصار المدمر , وهنا يأخذ العدوان صورا شديدة القسوة وغير متوقعة من المرأة
4- ضرب الزوجة السادية للزوج الماسوشى : حيث تكون الزوجة ذات صفات ساد ية فتستمتع بضرب زوجها وإهانته وغالبا ما يكون الزوج لديه سمات ماسوشية فيستمتع بهذا الضرب ( على الرغم من شكواه ا لظاهرية من ذلك ) . وفى هذا النموذج نجد أن سلوك ضرب الزوج شئ متكرر فى العلاقة الز وجية ومع هذا تستمر العلاقة لأن الطرفين فى الحقيقة يستمتعان بذلك ( أيضا على الرغم من شكواهما الظاهرية )
5- ضرب الزوجة المسترجلة للزوج السلبى الإعتمادى : وهى درجة أقل من السابقة , فالمرأة هنا أكثر قوة وأكثر سيطرة , والرجل ضعيف وسلبى ومنسحب , وبالتالى تجد المرأة أنها تملك دفة القيادة وبالتالى تملك التوجيه والإصلاح لأى اعوجاج فى البيت بما فيه اعوجاج الزوج , فإذا حدث منه خطأ فهى لا تجد غضاضة فى أن تقومه وتربيه , وهو يتقبل ذلك أو لايتقبله ولكنه لا يستطيع الإستغناء عنها وعن حمايتها له , ولهذا يتكرر سلوك الضرب من الزوجة لزوجها دون حدوث انفصال أ و طلا ق لأن العلاقة هنا تحمل مصالح متبادلة واحتياجات متوازنة رغم أنها غير مقبولة اجتماعيا , وهذا ما يسمى " سوء التوافق المحسوب " . وأحيانا يكون استرجال ا لمرأة طبيعة فطرية فيها , وأحيانا أخرى يكون مكتسبا بسبب إهمال الرجل لمسئولياته وتحليه بصفات السلبية والإعتمادية مما يجعل الزوجة تتحمل مسئولية الأسرة بالكامل وشيئا فشيئا تكتسب صفات القوة والخشونة لكى تحافظ على استقرار الأسرة , فالإسترجال فى هذه الحالة ليس صفة أساسية فيها ولكنه من صنع الرجل لذلك يجنى ثماره المرة . والمشكلة فى هذا ا لنمط وسا بقه ليست فى التأثير النفسى للضرب على الزوج ( فهو فى الحقيقة متقبل ذلك برضا أو عدم رضا ) ولكن المشكلة هى فى تأثير ذلك على صورة الأب أمام أبنائه وأيضا فى صورة الأم لأن هذا يؤدى إلى صور تربوية مشوهة ومعكوسة تنطبع فى أذهان الأبناء والبنات فتؤدى إلى مشاكل جمة فى علاقاتهم الحالية والمستقبلية ,لأنهم لم يعرفوا النموذج السوى فى العلاقة بين الرجل والمرأة .
6- ضرب المرأة المريضة نفسيا : وهذه حالة خاصة تكون مدفوعة بأ فكار ومشاعر مرضية تد فع المرأة لضرب زوجها ( أو غيره ) , ويحدث هذا فى حالات الفصام أو الهوس أو الإدمان أو اضطراب الشخصية.
وربما يسأل سائل : وما الحل ؟
والإجابة هنا لا يصح أن تكون بإعطاء بعض النصائح والتعليمات للرجل أو المرأة وإنما تكتفى برصد الظاهرة وبيان دوا فعها وأسبابها , ثم بعد ذلك على المتضرر ( إن كان هناك متضرر ) أن يلجأ لابتكار حلول تغير من هذا الواقع الذى أدى لتزايد هذه الظاهرة , وعلى المجتمع أن يعيد ترتيب أحواله السياسية والإقتصادية والإجتماعية والدينية بما يكفل إعادة التوازن والسلام , وإلى أن يحدث ذلك ندعو الرجال " المضروبين " بالصبر والسلوان وندعو على الزوجات " الضاربات " بالهداية , ولا عزاء للرجال .
دكتور / محمد ا لمهدى
استشارى الطب النفسى
| |
|