بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
الإيمان بالقدر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله
وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
سبحان من وسع علمه كل شيء، سبحان من جعل أمر المؤمن كله خير ولن يكون
العبد مؤمناً حتى يؤمن بقضاء الله وقدره خيره وشره، حلوه ومره.
الإيمانُ بالقضاء والقدر..
قال الله تبارك وتعالى:
(.. إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِعَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ
سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ..)سبأ47
تعريفه:
القضاء في اللغة فهو: الحكم، والقدر: هو التقدير.
القضاء: هو بالمد ، ويقصر ، أصله قضاي ؛لإنه من قضيت إلا أن الياء لما جاءت بعد الألف همزت.
فالقدر.. هو ما قدره الله سبحانه من أمور خلقه في علمه.
والقضاء.. هو ما حكم به الله سبحانه من أمور خلقه وأوجده في الواقع.
وعلى هذا فالإيمان بالقضاء
والقدر معناه: الإيمان بعلم الله الأزلي، والإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة سبحانه وتعالى..
وهو : الإقرارُ بأن الله تعالى علمَ كلَّ شيء وكتب مقادير كل شيء، وكلُّ شيء
بإرادته ومشيئته وأنه خالقُ كلِّ شيء..يخلقُ ما يشاء فعّالٌ لما يريد، ما شاءَه كانَ، وما
لم يشأْ لم يكنْ، بيده ملكوتُ كلِّ شيءٍ، يحي ويميت، وهوعلى كل شيء قديرٌ.
يهدي من يشاءُ بفضله، ويضلُّ من يشاء بعدلهِ،لا معقِّبَ لحكمِه، ولا رادَّ لقضائهِ،خلق الخلقَ، وقدَّر أعمالَهم وأرزاقَهم وحياتهَم وموتهَم،
قال تعالى
.. ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوعَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ..)الأنعام102،
وقال تعالى: (.. وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ
لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُإِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ..) سبأ3،
وعن طَاوُس،أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ إِذَا تَهَجَّدَ مِنَ اللَّيْلِ،
قَالَ
..اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الحَمْدُ أَنْتَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، أَنْتَ الحَقُّ، وَوَعْدُكَ الحَقُّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ،
اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَقَوْلُكَ الحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ الحَقُّ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ،وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ،
وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ،وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْلِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ،أَنْتَ إِلَهِي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ..)أخرجه الشيخان .
الإيمانُ بالقدَر على درجتينِ؛ وكلُّ درجةٍ تتضمنُ شيئين..
فالدرجةُ الأولى: الإيمانُ بأن اللهَ علِمَ ما الخلقُ عاملونَ، فسبقَ علمُه في كلِّ كائن ٍفي خلقِه، فقدَّرَ ذلك تقديراً محكماً ..
والدرجة الثانية: الإيمانُ بمشيئةِ الله النافذةِ، وقدرتهِ الشاملةِ،وأنَّ ما شاء اللهُ كانَ،
وما لم يشأْ لم يكنْ،وأنهُ ما في السماواتِ والأرضِ منْ حركةٍ ولا سكونٍ إلا
بمشيئةِ الله سبحانه وتعالى، ولا يكون في ملكِه إلا ما يريدُ.
عن عَبْدِ الْحَمِيدِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ وَكَانَتْ تَخْدِمُ بَعْضَ بَنَاتِ النَّبِيِّ ، أَنَّ
ابْنَةَ النَّبِيِّ حَدَّثَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يُعَلِّمُهَا فَيَقُولُ:
(.. قُولِي حِينَ تُصْبِحِينَ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَبِحَمْدِهِ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ مَا شَاءَ اللَّهُ، كَانَ وَمَا لَمْ
يَشَأْ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ مَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُصْبِحُ حُفِظَ حَتَّى يُمْسِيَ، وَمَنْ قَالَهُنَّ حِينَ يُمْسِي حُفِظَ حَتَّى يُصْبِحَ..)أخرجه أبوداود .
ومع ذلك فقدْ أمرَ سبحانه وتعالى ، العباد بطاعتِه وطاعةِ رسلهِ ونهاهُم عن معصيتِهِ، قال تعالى:
(.. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ..)التغابن12
*- غِنَى اللهِ الكاملِ عن العبادِ ؛ حيثُ لا تنفعهُ طاعةُ المطيع كما لا تضرُّه معصية العاصي. وغناهُ تعالى شاملٌ ومطلقٌ، قال تعالى :
(.. يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوالْغَنِيُّ الْحَمِيدُ..) فاطر15.
وهويفيد في طمأنينةِ القلبِ عند المؤمنِ في هذا الباب، وأنَّ الله تعالى ليس بحاجة
إلى العباد حتَّى يجبرَهم أويعذبَهم بغيرِ ذنبٍ يستحقونَ العقابَ عليه قال تعالى:
(.. مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا..) النساء147.
*- وأفعالُ العباد خلقُ الله وفعلُ العباد، فالعبادُ فاعلونَ حقيقةً ، والله خالقُ أفعالهِم، والعبدُ هوالمؤمن أوالكافرُ، والبرُّ أوالفاجرُ، والمصلِّي والصائمُ،
وللعبادِ قدرة ٌعلى أعمالهِم ولهم إرادةٌ، واللهُ خالقُهم وخالقُ قدرتهِم وإرادتهِم. وأن دلائل الهدى وموحيات الإيمان في الأنفس والآفاق من القوة والعمق
والثقلب حيث يصعب على القلب التفلت من ضغطها إلا بجهد متعمد..
وبخاصة حين يسمع التوجيه إليها بأسلوب القرآن الموحي الموقظ. وما ينحرف عن طريق الله بعد ذلك إلا من يريد أن ينحرف.في غير عذر ولا مبرر!
*-الإيمانُ بالقدر من أكبر العوامل التي تكونُ سبباً في استقامةِ المسلمِ، وخاصة في معاملته للآخرينَ، فحين يقصِّرُ في حقّهِ أحدٌ أويسيءُ إليه
أويردُّ إحسانهُ بالإساءةِ أوينالُ من عرضهِ بغير حق ٍّتجدهُ يعفوويصفحُ،لأنه يعلم أن ذلك مقدّرٌ، وهذا إنما يحسنُ إذا كان في حقِّ نفسهِ،أمّا في حقِّ الله فلا يجوزُ العفو
ولا التعللُ بالقدَر،لأن القدرَ إنما يحتجُّ به في المصائبِ لا في المعايبِ.،
*- والإيمانُ بالقدَر يغرسُ في نفس المؤمن حقائقَ الإيمان المتعددة، فهودائم ُالاستعانةِ بالله، يعتمد على الله ويتوكلُ عليه مع فعل الأسبابِ،
وهوأيضًا دائمُ الافتقارِ إلى ربه تعالى.. يستمدُّ منه العونَ على الثبات، ويطلبُ منه المزيد، وهوأيضًا كريمٌ يحبُّ الإحسانِ إلى الآخرين، فتجده يعطفُ عليهم.
*- ومن آثارِ الإيمان بالقدَر أنَّ الداعيَ إلى الله يصدعُ بدعوتهِ، ويجهرُ بها أمام الكافرين والظالمين،لا يخافُ في الله لومة لائمٍ، يبيّنُ للناس حقيقةَ الإيمان،
ويوضحُ لهم مقتضياته، ويكشف الباطلَ وزيفهُ ودُعاتهِ
عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : (..أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ،أَوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ..)أبوداود .
*- الإيمانُ بالقدَر طريقُ الخلاصِ من الشركِ،وهومفرقُ الطريقِ بين التوحيدِ والشركِ، فالمؤمنُ بالقدَر يُقرُّ بأن هذا الكون وما فيه صادرٌ عن إلهٍ واحدٍ،
ومعبودٍ واحدٍ، ومن لم يؤمنْ هذا الإيمانَ،فإنه يجعلُ مَنْ دونَ الله آلهةً وأرباباً.
*- وهويفضي إلى الاستقامةِ على منهجٍ سواءٍ في السّراءِ والضرّاءِ،لا تبطرُه النعمةُ، ولا تيئسهُ المصيبةُ، فهويعلمُ أن كلَّ ما أصابهُ من نعمٍ
وحسناتٍ فمنَ اللهِ،لا بذكائهِ وحسنِ تدبيرهِ، وإذا أصابَهُ الضراءُ والبلاءُ علِم أن هذا بتقديرِ اللهِ ابتلاءً منه، فلا يجزعُ ولا ييأسُ، بل يحتسبُ ويصبرُ،
فيسكبُ هذا الإيمان في قلبِ المؤمن الرضا والطمأنينةَ،
*- المؤمنُ بالقدر دائماً على حذر من أن يأتيهُ ما يضلُّه، كما يخشى أن يُختمَ له بخاتمةٍ سيئةٍ، وهذا لا يدفعه إلى التكاسلِ والخمولِ، بل يدفعُه إلى المجاهدةِ
الدائبةِ للاستقامة، والإكثار من الصالحاتِ، ومجانبةِ المعاصي والموبقاتِ،كما يبقى قلبُ العبد معلقاً بخالقِه، يدعوهُ ويرجوهُ ويستعينُه..
هذهِ هى الثمار الجليلة للإيمان بالقضاء والقدر، والذي يجب على كل مؤمن أن يدركها؛ ليرتبط بخالقه سبحانه ، وذلك أن الحياة مليئة بالمفاجآت ، فلا يدري المرء ما يحصل
له من خير ، أو ما يدهمه من شر ، فيأتي الإيمان بالقدر ليبقي قلب المؤمن معلقاً بخالقه ، راجياً أن يدفع عنه كل سوء ، وأن يعافيه من كل بلاء ،
وأن يعافيه من كل بلاء ، وأن يوفقه لخيري الدنيا والآخرة ، فتتعلق نفسه بربه رغبةً ورهبةً.
الخـاتمــــة
· أن الإيمان بالقدر هو سر الله في خلقه.
· الإيمان بالقضاء والقدر يورث في النفس الرضا والطمأنينة.
ويدفع بالفرد للجد والعمل دون النظر للنتائج.
ولينتفع بها في الدارين.