الأنبياء والرسل جاؤوا بمعجزات لا يستطيع عامة البشر
أن يفعلوها ،
وبالبديهة لابد أن يكون هذا الإنسان مبعوثاً من قبل العناية الإلهية ,
يعني مع النبي آية :
إما أن تكون هذه الآية معجزة إعجازاً مادياً
كالعصا في يد سيدنا موسى ،
و كإحياء الموتى على يد سيدنا عيسى ،
و كالنار لم تحرق سيدنا إبراهيم ،
وكانقلاب البحر طريقاً يبساً على يد سيدنا موسى ,
أو إعجازاً بلاغياً تشريعياً كما هي الحال
على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
فهذا النبي لابد بديهة من أن يكون رسول الله ,
هذا النبي من عند الله ,
والدليل أنه فعل شيئاً لا يستطيع بنو البشر أن يفعلوه ,
هذا التأييد الذي لا يمكن أن يكون من الله تعالى
إلاّ لرسله الدالين عليه والمبلغين لشريعته ودينه بصدق .
فهذه المعجزات ليست من حق عامة الناس
بل من حق أنبيائه المصطفين
معنى النبوة والرسول والفرق بينهما
1- النبوة لها معنيان في اللغة
1- النبوة مأخوذة من النبأ
في اللغة :
النبوة مأخوذة من النبأ قال تعالى :
( عم يتساءلون * عن النبأ العظيم )
يعني هذا الإنسان اصطفاه الله سبحانه وتعالى
و أنبأه بالحقائق فهو ينبئُ الناس بها ,
فالنبوة مشتقة من فعل " نبأ " أو " أنبأ " ،
والأصل مأخوذة من النبأ أي الخبر ،
فالنبي أنبأه الله عن أخبار السماء ،
وكلفه أن ينبئ الناس عن حقائق التوحيد ،
وحقائق التشريع فهو نبيّ ,
فالنبوة بشكل أو بآخر مقام علمي يعني هذا الإنسان
باتصاله بالله المستمر بلغ مرتبة النبوة ,
بمعنى أنه عرف الحقائق المطلقة وعرّفها للناس
2- مأخوذة من النبوة :
أو مأخوذة من النَبوَة ,
والنَبوَة أي ما ارتفع من الأرض ،
كيف ارتفع هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ؟
ارتفع عن سائر الخلق وهو في الأفق الأعلى ,
هو في واد والناس في واد ،
الناس في همومهم وفي معاشهم وفي خلافاتهم وفي خصوماتهم ،
معنى النبي أنه من النبوة :
أي في مستوى سامٍ وراقٍ غير مستوى الناس
2-معنى الرسول ؟
الرسول في اللغة :
هو التوجيه بأمر ما ،
فالرسول هو الذي يتابع أخبار الذي بعثه .
في الاصطلاح الشرعي :
تكليف الله نبياً من أنبيائه لتبليغ شريعته للناس .
فكل رسول يجب أن يكون نبياً وليس العكس
قال تعالى
(إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ
عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عليم )
فالتعريف الاصطلاحي للنبي والرسول ،
هذا مما اختلف فيه أهل العلم كثيراً ،
والمذاهب فيه متنوعة :
المذهب الأول :
قول من قال إنه لا فرق بين الرسول والنبي ،
فكل نبي رسول وكل رسول نبي ،
وهذا القول الأدلة القائمة لا تسنده ولا تعضده .
المذهب الثاني :
أنَّ النبي أرفع من الرسول ،
وهو قول غلاة الصوفية وأنَّ الرسول دون النبي .
المذهب الثالث :
أنَّ النبي والرسول بينهما فرق ،
وهو أنَّ النبي أدنى مرتبةً من الرسول
فكل رسول نبيٌ وليس كل نبيٍ رسولاً
وأنَّهُ ثَمَّةَ فرق بين النبي والرسول
وأنَّ كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً ،
وهذا قول جمهور أهل العلم وعامة أهل السنة ،
وهو الصحيح،
وذلك لأدلةٍ كثيرة استدلوا بها على هذا الأصل منها
قوله تعالى
"وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ "
[ الحج :52 ] ،
فيُستدل من هذه الآية الآتي
أنَّ الإرسال وهو فعل (أَرْسَلْنَا )
وقع على الرسول وعلى النبي،
فإذاً الرسول مرسل والنبي مرسل؛
لأنّ هذا وقع على الجميع.
أنه عطف بالواو فقال
(مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ )،
وأنه عطف ذلك بـ(لَا )
أيضا في قوله: ( وَلَا )
الدليل الثاني :
أنَّ النبوة ثبتت لآدم عليه السلام ،
فآدم كما صح في الحديث ( نبي مُكَلَّم )
و هناك أنبياء بعد آدم عليه السلام كإدريس وغيره ،
وجعل الله عز وجل أولي العزم من الرسل خمسة ،
وجعل أولهم نوحا عليه السلام .
فهذا يدل على أنّ آدم عليه السلام لم يحصل له وصف الرسالة ،
بل جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال : قلت
" يا نبي اللَّهِ ، فأي الأَنْبِيَاءِ كان أَوَّلَ ؟
قال : (آدَمُ عليه السَّلاَمُ ) ،
قلت : يا نبي اللَّهِ ، أو نبيا كان آدَمُ ؟
قال : (نعم نبي مُكَلَّمٌ )"
رواه أحمد ،
و وُصف نوح بأنه رسول ،
و وُصف إدريس بأنه نبي ،
فدل هذا على التفريق بين المقامين :
بين مقام النبوة ومقام الرسالة .
الدليل الثالث :
جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه التفريق
بين عدد الأنبياء وعدد المرسلين قال : قلت :
"يا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ وفى عدة الأَنْبِيَاءِ ؟
قال : "مِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفاً
الرُّسُلُ من ذلك ثلاث مائة وخمسه عَشَرَ جَمًّا غَفِيراً "
رواه أحمدُ والطبراني .
( فكلاً من النبي والرسول يقع عليه إرسال،
فالنبي مع أنه يقع عليه الإرسال؛
ولكن لا يسمى رسولاً عند الإطلاق،
والرسول يقع عليه الإرسال
وهو الذي يسمى رسولا عند الإطلاق.
فالنبي مُوحَاً إليه بشرع وأُمِرَ بتبليغه إلى قوم موافقين
أو لم يُؤْمَرْ بالتبليغ، قد يكون مُقْتَصِراً على نفسه
وقد يُؤْمَرْ بالتبليغ إلى من يوافقه في اتِّبَاعِ الرسول
الذي يَتَّبِعُهُ النبي و يَتَّبِعُهُ الناس،
فالنبي يُرْسَلْ إلى قوم
موافقين يُجَدِّدُ بإرساله شِرْعَةَ الرسول الذي أُمروا باتباعه،
فيكون النبي متابعاً لشريعة مَنْ قَبْلَهْ،
مثل أنبياء بني إسرائيل كلما مات نبي خلفه نبي
وكُلُّهُم تَبَعْ لموسى عليه السلام.
والرسول قد يكون متابعاً - كيوسف عليه السلام جاء قومه
بما بعث به إبراهيم ويعقوب عليهما السلام - ،
وقد يكون يُبْعَثُ بشريعة جديدة،
يؤمر بتبليغها والعمل بها )
( شرح الطحاوية للشيخ صالح آل الشيخ )
وقد يوحى إلى النبي وحي خاص في بعض القضايا،
لكن الغالب أنه يُبعث بشريعة سابقة،
كأنبياء بني إسرائيل ،
أما الرسول فإنه يُبعث بشريعة مستقلّة .
والمراد بتبليغه هنا :
الجهاد والإلزام ،
أي : أُمر أن يُلزم النّاس بإتباعه ،
ويجاهدهم على ذلك،
خلاف النبي فإنه يؤمر بالتبليغ ،
بمعنى : تعليم النّاس شرع من قبله وإفتائهم فيه ،
وهذا مأمور به غير الأنبياء ، حتى العلماء
( إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد
للشيخ صالح الفوزان حفظه الله )
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (النبوّات : 254)
(( فالنبي هو الذي ينبئه الله وهو ينبئ بما أنبأ الله به
فإن أرسل مع ذلك إلى من خالف أمر الله
ليبلغه رسالة من الله إليه فهو رسول،
وأما إذا كان إنما يعمل بالشريعة قبله
ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالة؛
فهو نبي وليس برسول،
قال تعالى:
" وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ
إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ "
وقوله
" من رسول ولا نبي "
فذكر إرسالا يعم النوعين
وقد خص أحدهما بأنه رسول فان هذا هو الرسول المطلق
الذي أمره بتبليغ رسالته إلى من خالف الله كنوح،
وقد ثبت في الصحيح أنه أول رسول بعث إلى أهل الأرض،
وقد كان قبله أنبياء كشيت وإدريس
وقبلهما آدم كان نبيا مكلما
قال ابن عباس:
" كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام "
فأولئك الانبياء يأتيهم وحي من الله بما يفعلونه
ويأمرون به المؤمنين الذين عندهم لكونهم مؤمنين بهم
كما يكون أهل الشريعة الواحدة يقبلون ما يبلغه العلماء
عن الرسول وكذلك أنبياء بني اسرائيل يأمرون بشريعة التوراة
وقد يوحى الى أحدهم وحي خاص في قصة معينة
ولكن كانوا في شرع التوراة كالعالم الذي يفهمه الله في قضية معنى
يطابق القرآن كما فهم الله سليمان حكم القضية التي حكم فيها
هو وداود فالانبياء ينبئهم الله فيخبرهم بأمره وبنهيه وخبره
وهم ينبئون المؤمنين بهم ما أنبأهم الله به من الخبر والامر والنهي ))
وقال أيضاً في موضعٍ آخر:
(( دليل على أن النبي مرسل ولا يسمى رسولا عند الاطلاق
لانه لم يرسل الى قوم بما لا يعرفونه بل كان يأمر المؤمنين
بما يعرفونه أنه حق كالعلم
ولهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم
( العلماء ورثة الانبياء )
وليس من شرط الرسول أن يأتي بشريعة جديدة
فان يوسف كان رسولا وكان على ملة ابراهيم
وداود وسليمان كانا رسولين وكانا على شريعة التوراة
قال تعالى عن مؤمن آل فرعون
" وَلَقَدْ جَاءكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَـيِّـنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ
فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءكُم بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ
لَن يَبْعَثَ اللَّهُ مِن بَعْدِهِ رَسُولاً "
[ غافر: 34 ] ))