وبعد
منذ القرون الأولى للإسلام،
ومحاولات زرع الفتنة بين المسلمين،
وتفريق جمعهم، وتشتيت وحدتهم،
تصطدم دائما بنصوص قاطعة الدلالة
ومفصلة البيان من أحاديث النبي ،
تكشف زيغها، وتحذر من باطلها،
فلا يجد أنصار الفتنة أمامهم إلا التشكيك في السنة
ولو أن واحداً من هؤلاء العامة فكَّر قليلاً
لعلم أن شبههم خاوية ،
وأن حجتهم داحضة
ومن أيسر ما يمكن أن يرد به العامي
على هذه الشبهة المتهافتة أن يسأل نفسه
كم ركعة أصلي الظهر ؟
وكم هو نصاب الزكاة ؟
وهذا سؤالان يسيران ،
ولا غنى بمسلم عنهما
ولن يجد إجابتهما في كتاب الله تعالى ،
وسيجد أن الله تعالى
أمره بالصلاة ، وأمره بالزكاة ،
فكيف سيطبق هذه الأوامر
من غير أن ينظر في السنَّة النبوية ؟
إن هذا من المحال ،
ولذا كانت حاجة القرآن للسنَّة
أكثر من حاجة السنَّة للقرآن !
كما قال الإمام الأوزاعي - رحمه الله
" الكتاب أحوج إلى السنَّة من السنَّة إلى الكتاب "
من أوجه الرد على من يزعم أنه لا حاجة للمسلمين للسنَّة المشرفة ،
وأنه يُكتفى بالقرآن الكريم
أنه بهذا القول يرد كلام الله تعالى في كتابه الكريم
حيث أمر في آيات كثيرة
بالأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ،
وبالانتهاء عما نهى عنه ، وبطاعته ،
وقبول حكمه ،
ومن ذلك :
قوله تعالى
( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )
الحشر 7
وقال تعالى
( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ
وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ )
النور 54
وقال تعالى
( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ )
النساء64
وقال تعالى
( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ
لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً )
النساء 65
فماذا يصنع هذا الزاعم المدعي أنه يُكتفى بالقرآن
ويُستغنى به عن السنَّة في هذه الآيات ؟
وكيف سيستجيب لأمر الله تعالى فيها ؟
فلقد بعث الله سبحانه وتعالى
محمداً صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل ،
وأنزل عليه القرآن الكريم ،
فختم الله تعالى به الرسل ،
وختم برسالته الرسالات ،
وختم بكتابه الكتب ،
وجعله مصدقاً لما بين يديه منها ومهيمناً عليها .
وقد جاء القرآن المجيد مشتملاً على الدين كله ،
بعضه مفصل والكثير منه مجمل .
وقد وكل الله تعالى تبيين الكتاب المجيد ،
وتفصيله إلى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ،
ومن ثم جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
مبينة لما أبهم ومفصلة لما أجمل
يقول الله عز وجل
(وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون )
النحل 44
ولما كان الكتاب المجيد بحاجة إلى السنة تبينه وتفصله ،
فقد كانت السنة من وحي الله تعالى
إلى نبيه صلى الله عليه وسلم
حتى يكون المبيِّن والمبيَّن من مصدر واحد ،
وعلى مستوى واحد ،
وحاشا الله تعالى أن ينزل الكتاب وحيا ،
ثم يترك بيان مافيه لبشر بعيداً عن الوحي .
فإن المبيِّن له نفس أهمية المبيَّن
من حيث هو وسيلة الانتفاع به ،
وسبيل العمل بمقتضاه ،
من ذلك كان القرآن المجيد والسنة النبوية المطهرة
يصدران من مشكاة واحدة ،
مشكاة الوحي الإلهي المعصوم
يقول الله عز وجل عن رسوله صلى الله عليه وسلم
( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى )
النجم 3-4
منزلة السنة من القرآن
قال شيخ الاسلام ابن القيم طيب الله ثراه
(والذي يجب على كل مسلم اعتقاده
أنه ليس في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصحيحة سنَّة واحدة تخالف كتاب الله ،
بل السنن مع كتاب الله على ثلاث منازل
المنزلة الأولى
سنَّة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل
المنزلة الثانية :
سنَّة تفسر الكتاب ، وتبين مراد الله منه ، وتقيد مطلقه
المنزلة الثالثة :
سنَّة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب ، فتبيِّنه بياناً مبتدأً
ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة ،
وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة )
وقال الامام الشافعي في " الرسالة "
في باب فرض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
قال تعالى
( من يطع الرسول فقد أطاع الله )
( وكل فريضة فرضها الله تعالى في كتابه
كالحج ، والصلاة ، والزكاة :
لولا بيان الرسول ما كنا نعرف كيف نأتيها ,
ولا كان يمكننا أداء شيء من العبادات ,
وإذا كان الرسول من الشريعة بهذه المنزلة
كانت طاعته على الحقيقة طاعة لله )
وكما يرى المسلم العاقل أن الزاعم
أنه معظم لكتاب الله تعالى
هو من أعظم المخالفين للقرآن ،
ومن أعظم المنسلخين عن الدين
حيث جعل القرآن كافيا لإقامة الدين والأحكام ،
وهو بالضرورة
إما أنه لا يفعل ما جاء بالسنة فيكفر ،
أو أنه يفعلها فيتناقض !
قال شيخ الاسلام بن القيم فى أعلام الموقعين
(والله تعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بالإسلام ،
وهذه النعمة العظيمة ليست القرآن وحده ،
بل هي القرآن والسنَّة ،
ولما امتنَّ الله على الأمة بإتمام الدين
وإكمال النعمة لم يكن المقصود منه إنزال القرآن ،
بل إتمام الأحكام في القرآن والسنَّة ،
بدليل نزول آيات من القرآن الكريم
بعد إخبار الله تعالى بمنته على عباده
بإكمال الدين وإتمام النعمة
قال الله تعالى
( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً )
المائدة 3
قال بدر الدين الزركشي رحمه الله المنثور في القواعد
(قوله تعالى
( اليوم أكملت لكم دينكم )
أي : أكملت لكم الأحكام ، لا القرآن ؛
فإنه نزل بعد ذلك منه آيات غير متعلقة بالأحكام)
وقال شيخ الاسلام قدس الله روحه
(فقد بيَّن الله سبحانه على لسان رسوله بكلامه
وكلام رسوله جميع ما أمره به ،
وجميع ما نهى عنه ، وجميع ما أحله ،
وجميع ما حرمه ، وجميع ما عفا عنه ,
وبهذا يكون دينُه كاملا
كما قال تعالى
( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي )
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم
أن السنَّة التي جاء بها هي مثل القرآن
في كونها من الله تعالى ، وفي كونها حجة ،
وفي كونها ملزمة للعباد ، وحذَّر من الاكتفاء
بما في القرآن وحده للأخذ به والانتهاء عن نهيه ،
وبيَّن مثالاً لحرامٍ ثبت في السنَّة
ولم يأت له ذِكر في القرآن ،
بل في القرآن إشارة لحلِّه ،
وكل ذلك في حديث واحدٍ صحيح
عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ،
أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ
عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ
وَمَاوَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ
أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ
وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ )
رواه أبو داود ( 4604 ) ،
وصححه الألباني في " صحيح أبي داود .
وهذا الذي فهمه الصحابة رضي الله من دين الله تعالى
عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال
( لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات
والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله
فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت
فقالت
إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت ،
فقال :
ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن هو في كتاب الله ؟
فقالت :
لقد قرأتُ ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ،
قال :
لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه ؛ أما قرأت
( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )
قالت : بلى ،
قال : فإنه قد نهى عنه
قالت : فإني أرى أهلك يفعلونه ،
قال : فاذهبي فانظري ،
فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئاً ،
فقال : لو كانتْ كذلك ما جامعَتنا )
رواه البخاري ومسلم
وهو الذي فهمه التابعون وأئمة الإسلام من دين الله تعالى ،
ولا يعرفون غيره ،
أنه لا فرق بين الكتاب والسنَّة في الاستدلال والإلزام ،
وأن السنَّة مبينة ومفسرة لما في القرآن
قال الأوزاعي عن حسان بن عطية
(كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
والسنَّة تفسر القرآن )
وقال أيوب السختياني
(إذا حدَّث الرجل بالسنَّة فقال : دعنا من هذا ،
حدِّثنا من القرآن : فاعلم أنه ضال مضل )
وقال الأوزاعي :
( ما توفي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو حرام فهو حرام إلى يوم القيامة ,
وما توفي عنه وهو حلال : فهو حلال إلى يوم القيامة )
قال بدر الدين الزركشي رحمه الله
(قال الحافظ الدارمي يقول
( أوتيت القرآن , وأوتيت مثله )
من السنن التي لم ينطق بها القرآن بنصه ,
وما هي إلا مفسرة لإرادة الله به ,
كتحريم لحم الح مارالأهلي ,
وكل ذي ناب من السباع ,
وليسا بمنصوصين في الكتاب )
فى النهايه أقول لقطع هذا الهراء
أنه لا يحل لأحدٍ أن يفصل القرآن عن السنَّة
في إثبات الأحكام ولزومها للمكلَّف ،
وأن من فعل ذلك فهو من أعظم المخالفين
لما في القرآن من أوامر بطاعة الرسول
صلى الله عليه وسلم والأخذ بسنَّته والانتهاء عن نهيه ،
وأن السنَّة النبوية
جاءت مؤيدة لما في القرآن
وموضحة له
ومقيدة لمطلقه
ومخصصة لعمومه ،
وجاءت كذلك مستقلة في إنشاء الأحكام ،
وكل ذلك لازم للمسلم الأخذ به .
وأمر ثانى
هب أننا نعدُّ هذا تنازعاً بيننا
وبين خصومنا الذين يرون الاكتفاء بالقرآن
فإننا نقول :
إننا أُمرنا في القرآن الكريم عند التنازع
أن نرجع إلى القرآن والسنَّة!
فقال تعالى
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ
مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً )
النساء 59
فماذا هو صانعٌ خصمنا بهذه الحجة القرآنية ؟
إن قبلها : رجع إلى السنَّة فبطل قوله ،
وإن لم يرجع :
فقد خالف القرآن الذي يزعم أنه كافٍ عن السنَّة
أمر ثانى
أن يقال للجاحد
هل أنت أعلم بالله من نفسه؟
فسيقول: لا
ثم يقال له:
هل ما أخبر الله به عن نفسه صدق وحق؟
فسيقول: نعم.
ثم يقال له:
هل تعلم كلاماً أفصح وأبين من كلام الله – تعالى؟
فسيقول: لا
ثم يقال له:
هل تظن أن الله سبحانه وتعالى
أراد أن يعمي الحق على الخلق
في هذه النصوص ليستخرجوه بعقولهم؟
فسيقول: لا.
هذا ما يقال له باعتبار ما جاء في القرآن.
أما باعتبار ما جاء في السنة فيقال له:
هل أنت أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وسلم؟
فسيقول: لا.
ثم يقال له:
هل ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن الحق صدق وحق؟
فسيقول: نعم.
ثم يقال له:
هل تعلم أن أحداً من الناس أفصح كلاماً،
وأبين من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فسيقول: لا
ثم يقال له
هل تعلم أن أحداً من الناس
أنصح لعباد الله من رسول الله ؟
فسيقول : لا
فيقال له:
وكيف يكون عندك الإقدام والشجاعة في نفي حقيقته تلك،
وصرفه إلى معنى يخالف ظاهره بغير علم؟
وماذا يضيرك إذا رجعت إلى قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأخذت بما جاء في الكتاب والسنة ؟
أليس هذا أسلم لك وأقوم لجوابك
إذا سئلت يوم القيامة
(مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ).
أوليس صرفك لهذه النصوص عن ظاهرها،
وتعيين معنى آخر مخاطرة منك؟!
فلعل المراد يكون على تقدير جواز صرفها
غير ما صرفتها إليه.
خطورة هذا القول العظيم والنتائج المترتبه عليه
1--هو اعلان الحرب على الاسلام وأهله
والطعن فى الاسلام
2-وطعن فى رسول الله وطعن فى كل السلف الصالح
3-وطعن فى القرآن نفسه
4-والغرض من هذه الدعوة الضالة الخبيثة هدم الشريعة
5-وتقويض الإسلام
والحمد لله رب العالمين
الصلاة والسلام على سيد المرسلين
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗