ثانيا: توسع المخرج:
ان اولئك الذين اصبحوا رقيقا بطريق او بأخر
فان الإسلام يفتح لهم الأبواب ليعيد لهم الحرية
اذ ان الإسلام يعتبرالرق امرا عارضا .
والمنهج التشريعي الذي وضعه الإسلام في تحرير الرقيق
يتركز حول الوسائل التالية:
1. العتق بالترغيب :
وهو التطوع من جانب السادة بتحرير من في يدهم من العبيد
بقصد الأجر والثواب, ليحظى المعتِق بالفوز بالجنة والنجاة من النار
قال تعالى
(فلا اقتحم العقبة, وما ادراك ما العقبة,فك رقبة)
[2]
وقال صلى الله عليه وسلم
(أيما مسلم أعتق رجلا مسلما
فان الله جاعل وفاء
كل عظم من عظامه عظما من عظام محرره من النار
وايما مسلمة امرأة اعتقت امرأة مسلمة فان الله جاعل
وفاء كل عظم من عظامها عظما من عظام محررها من النار)
[3]
وقال صلى الله عليه وسلم
(..ومن أعتق نفسا مسلمة كانت فديته من جنم..)
[4]
وروى الإمام احمد عن البراء بن عازب
قالك جاء أعرابي الى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال:
يا رسول الله علمني عملا يدخلني الجنة
فقال صلى الله عليه وسلم :
{اعتق النسمة وفك الرقبة}
فقال الأعرابي :يا رسول الله او ليستا واحدة؟
قال: لا,إن عتق النسمة ان تنفرد بعتقها
وفك الرقبة أن تعين في عتقها}.
وكان نتيجة هذه التوجيهات النبوية في فضل اعتاق الرقيق
ان اقبل المسلمون بصدق واخلاص على تحرير الرقيق
بطيبة نفس ليحظوا برضوان الله وجنته في يوم لاينفع فيه مال ولا بنون,
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم القدوة الأولى في ذلك
اذ اعتق من عنده من الرقيق[5]
وتلاه في ذلك الصحابة رضوان الله عليهم ,فهذا ابوبكر الصديق
ينفق اموالا طائلة في شراء العبيد من سادة قريش
وكان بيت المال يشتري العبيد من اصحابهم
ويحرر هم كلما بقي لديه فضلة من مال , قال يحيى بن سعيد ))
بعثني عمر بن عبدالعزيز على صدقات افريقية
فجمعتها ثم طلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد من يأخذها منا
فقد أغنى عمر بن عبدالعزيز الناس, فاشتريت بها عبيدا فأعتقتهم).
.
[2] البلد :11-13
[3] رواه ابن جرير
[4] رواه احمد عن عمرو بن عنسه
[5] سنذكر ذلك في باب الشبهات عن الرق
000000000
2. العتق بالكفارات:
فهو وسيلة من اعظم الوسائل التشريعية في تحرير الرقيق
والقران الكريم نص في مناسبات كثيرة على تحرير الرقيق كفارة
لما يرتكبه المسلم من مخالفات شرعية,ومن ذلك:
· العتق بسبب القتل الخطأ:
:
( ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة الى أهله)
[1]
والقتيل الذي قتل خطأ هو روح انسانية قد فقدها اهلها
كما فقدها المجتمع دون وجه حق
لذلك يقرر الإسلام التعويض عنها من جانبين
التعويض لأهلها بالدية المسلمة الى اهاها
والتعويض للمجتمع بتحرير رقبة مؤمنة
فكأن تحرير الرقيق هو احياء لنفس انسانية
تعوض النفس التي ذهبت بالقتل الخطأ
حيث ان الرق هو شبيه بالموت
ولذلك فعتقه هو احياء لهم بتحريره من الرق.
· العتق كفارة القتل لقوم بيننا وبينهم ميثاق وعهد :
:
(وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الى أهله وتحرير رقبة)
[2]
· كفارة الحنث باليمين المنعقدة:
:
(ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته
إطعام عشرة مساكين من اوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم
أو تحرير رقبة...)[3]
· كفارة الظهار:
والظهار هو ان يتلفظ المسلم بقول انت(لأمراته)
علي كظهر امي
فتبقى المرأة معلقة لا هي بالمطلقة
ولا بالزوجه وهذا كان قبل الاسلام
لكن لنا جاء الاسلام اوجب على المتعثر بلسانه عقابا
وهو تحرير الرقبة,
:
(والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا
فتحرير رقبة من قبل ان يتماسا)
[4]
· كفارة الإفطار العمد في رمضان
بادىء ذي بدء تحرير الرقبة
ذلك ان رجلا واقع اهله عمدا في شهر رمضان فاتى النبي
مستفسرا ماذا يفعل فأمره الرسول
أن يكفر باعتاق رقبة.
[5]
· ضرب الحر للعبد
لايمحوها الا الكفارة وهي العتق, ودليل ذلك قوله
(من لطم مملوكه او ضربه فكفارته ان يعتقه)[6]
وكذلك التلفظ بالعتق مازحا او جادا لما روى البيهقي عن عمر بن الخطاب
موقوفا:
(ثلاث جدهن جد وهزلهن جد,الطلاق والنكاح والعتاق)
[1] النساء:92
[2] النساء:92
[3] المائدة:89
[4] المجادلة:3
[5] رواه مسلم عن ابي هريره في باب الصيام
[6] رواه مسلم وابوداوود عن ابن عمر
000000000
3. العتق بالمكاتبة:
المكاتبة هي منح الحرية للرقيق متى طلبها
بنفسه مقابل مبلغ من المال يتفق عليه السيد والرقيق
والعتق هنا اجباري لا يملك السيد رفضه او تأجيله
بعد اداء المبلغ المتفق عليه والا تدخلت الدولة لتنفيذ العتق بالقوة
ومنح الحرية لطالبها .قال تعالى:
(والذين يبتغون الكتاب مما ملكت ايمانهم
فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراوآتوهم من مال الله الذي آتاكم)
[1]
وهنا قولان للفقهاء في الوجوب:
اولا: لا يجب ذلك بل مستحب , ودليلهم قوله تعالى :
(ان علمتم فيهم خيرا)
فاللفظ :
(ان علمتم فيهم خيرا)قرينة ظاهرة صرفت الأمر في قوله تعالى :
(فكاتبوهم...)من الوجوب الى الاستحباب
فاذا قال العبد لسيده :كاتبني على مبلغ كذا
وقال السيد: لم اعلم قيك خيرا
فالقول قول السيد لأنه اعلم بحال عبده من ناحية الأمانة والصلح.
ثانيا:واجب على السيد ان يجيب العبد على المكاتبة
وواجب عليه ان يعتقه اذا ادى المبلغ المتفق عليه
واصحاب هذا القول كما قال القرطبي هم:
عكرمة وعطاء ومسروق وعمرو بن دينار والضحاك ابن مزاحم
وجماعة من اهل الظاهر,,,
واحتجوا بفعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وذلك ان سيريت ابا محمد بن سيرين
سأل انس بن مالك الكتابة وهو مولاه, فأبى انس
فرفع عمر رضي الله عنه الدرة وتلا قوله تعالى:
(فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا)
فكاتب انس
وما كان عمر رضي الله عنه ليرفع الدرة على انس
فيما له مباح ان يفعله,ومما يؤكد الوجوب سبب نزول الآية :
(والذين يبتغون الكتاب..........)
نزلت كما روى القرطبي في غلام لحويطب يقال له((صبيح))
طلب من مولاه ان يكاتبه وفابى حويطب
فانزل الله سبحانه الآية, فكاتبه حويطب على مئة دينار
ووهب له عشرين دينارا ,فأداها صبيح وأُعتق.
ومنذ اللحظة الأولى التي يطلب فيها المكاتبة
يصبح عمله عند سيده باجر او يتاح له –اذا رغب-
ان يعمل في الخارج بأجرو حتى يجمع المبلغ المتفق عليه.
والإسلام يسر المكاتبة على العبد بأحكام شرعها له واهمها:
1)
رخص للعبد المكاتب ان يفك رقبته من مال الزكاة, قال تعالى:
( وفي الرقاب..)[2]
2) تقسيط المال الذي يؤدى الى السيد على مراحل
لما روى البخاري وابو داود عن عائشة رضي اللع عنها قالت:
دخلت عليَ بريره فقالت:
ان اهلي كاتبوني على تسع اواق فضه في تسع سنين
كل سنه أوقية فاعينيني.....
3) على السيد ان يعين عبده في مال الكتابة
للأمر الذي أمره الله به في قوله تعالى:
(فكاتبوهم ان علمتم فيهم خيرا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)
[3]
والإعانة هي اما ان يعطيه شيئا مما في يده
واما ان يحط عنه شيئا من مال الكتابة
قال الإمام الشافعي:يجبر السيد على الإعانة
ويحكم بها الحاكم على الورثة إن مات السيد
ولم يعن عبده المكاتب بمال.[4]
4) اذا ادى العبد للسيد كتابته(اي المال المتفق عليه)
عُتق فورا ,ولايحتاج الى ان يتلفظ السيد بلفظ العتق.
5)
نقل القرطبي في تفسيره عن بعض السلف :
ان العبد اذا تم بينه وبين السيد عقد الكتابة لتحريره يصبح بموجب هذا العقد حرا
ولايرجع ابدا الى الرق ,ويكون مدينا لسيده بالمال الذي تعاقد عليه.
[1] النور:33
[2] التوبة:60
[3] النور:33
[4] عبدالله ناصح علوان,نظام الرق في الإسلام, ص