بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
الاسلامي في الحفاظ علي الصحة النفسية )
أثر الهدي الإسلامي
في الحفاظ على الصحة النفسية
د. عبدالرحمن العيسوي
الصحة النفسية الجيدة من بين النعم التي ينعم الله بها على عباده الصالحين، وليست الصحة النفسية الجيدة أو التوافق النفسي مجرد الخلو من الأمراض والاضطرابات والعلل، ولكنها إلى جانب ذلك حالة إيجابية يستطيع الفرد معها القيام بأعماله وأدواره ورسالته المنوطة به في هذه الحياة، فالانسان المسلم عليه ان يعبد الله وان يسعى لاكتساب مرضاته ورضاه وأن يسعى للجنة والصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة.
إسلامنا العظيم مدرسة عظيمة في التربية النفسية الجيدة والصالحة، تلك التربية التي تقوم على أساس الفطرة السوية التي فطر الله الإنسان عليها ليكون خليفة الله في الأرض يسعى لتعميرها وتحسينها والمحافظة عليها، بما في ذلك المحافظة على نفسه وعلى نسله ليحفظ أبناء أمة الإسلام والسلالة الإسلامية العظيمة والعريقة والتي قال فيها رب العزة والجلالة {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} (آل عمران: 110).
والإسلام الحنيف يربي أبناءه على البعد عن كل ما يؤذي أبدانهم وأرواحهم ونفوسهم ويحضهم على العمل الصالح الطيب، وأن يبتعدوا عن مشاعر السخط والغيظ والكراهية والبغض والغيرة والحسد والانتقام والثأر، ويدعو الى الاستقرار وراحة البال والاعتماد على الله العلي القدير الذي يقف بجانب العبد في الشدائد والمصائب والنوائب ويحميه ويحفظه، إنه خير الحافظين.*
أثر الحماية من العوز
لاشك أن العوز والحرمان من العوامل التي تسهم في نشأة الاضطرابات النفسية والعقلية، وإسلامنا الحنيف حريص كل الحرص على رعاية الأبناء وحمايتهم من الفقر والجوع والعوز، ولذلك جاء الهدي الإسلامي المبارك يفرض على الوالد رعاية أبنائه وحمايتهم كما في قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} (البقرة: 233)، حتى لا يتعرض أبناء المسلم للتشرد، وما نلاحظه اليوم من ظاهرة «أطفال الشوارع» وهي ظاهرة تعد عارًا على جبين الأمة العربية والإسلامية، ومن بين أسبابها البعد عن الهدي الإسلامي المبارك في التضامن والتكافل والتساند والتعاون والبر والإحسان والتصدق.
ويدعو إسلامنا الحنيف للإنفاق والتوسعة على عباد الله كما في قوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسًا إلا ما آتاها} (الطلاق: 7).
والإنفاق على الأسرة فيه تدعيم لوحدة الأسرة وتماسكها وتضامنها، وفيه شعور بالأمن والأمان لجميع أعضائها، والوالدان عندما يحرصان على تربية أبنائهما تربية إسلامية صحيحة، فإن الأولاد بدورهم يكفلون الآباء والأمهات في سن الشيخوخة والكبر ويرعونهم ويعطفون عليهم ويعاملونهم بالحسنى ويدعون لهم بالصحة والبركة، هكذا يوفر إسلامنا العظيم شبكة من الرعاية والحماية والإعالة والحب والعطف والحنان قلما توجد في ظل ديانة أخرى أو في إطار أنظمة أخرى مهما ادعت الديموقراطية والإنسانية.
حماية الإسلام الحنيف أبناءه من الطمع والجشع والأنانية
وإسلامنا الحنيف يربى أبناءه على التعفف والقناعة والزهد، وبذلك يُبعد عن الشخصية الإسلامية مشاعر الطمع والجشع والأنانية والشره والحقد والغيرة والحسد، ويحمي الشخص من الإصابة بالسمنة أو البدانة الزائدة التي أصبحت من سمات العصر ومن أمراضه الشائعة.
وأثر السمنة obesity على الصحة الجسمية والعقلية معروف وليس في حاجة إلى بيان، فهي ترتبط بأمراض السكر وضغط الدم وأمراض القلب والشرايين وآلام المفاصل وغيرها.
فضلًا عن أنها تؤدي إلى ثقل الحركة وسهولة الشعور بالتعب والإرهاق.
والمسلم يتربى على الشعور بالأمن والأمان وعدم الخوف كما جاء في الهدي القرآني الكريم {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} (هود: 6)، وذلك على عكس الفلسفة المادية الشائعة في بلاد الغرب والتي تبث في الفرد الشعور بالخوف والضياع والتعرض للجوع والتشرد والهلاك، حيث يشعر بالفردية والوحدة والعزلة، ولكن المسلم يعتمد على الله الخالق العظيم، فهو يضمن له ولغيره من الكائنات الحية رزقه، وهو أقرب إليه من حبل الوريد، يناديه في الأزمات والكوارث، ويشعر أن الله تعالى يقف بجانبه.. يسانده ويحميه ويشد من أزره.
الدعوة للحلم
والرفق والأناة
والمسلم مدعو للحلم والأناة والرفق والعفو والصفح والتسامح، ومثل هذه القيم تحرر المسلم من مشاعر الحقد والانتقام والثأر والإيذاء، وبذلك يتم تطهير نفسه catharsis أو تحريرها أو تخليصها أو ابرائها من مشاعر العدوان والغيظ والغضب والانتقام والثأر والثورة وسائر الانفعالات السلبية الأخرى، وبذلك تركن نفس الإنسان الى الهدوء والسكينة والاستقرار وراحة البال وصفاء الذهن وخلوه من الشوائب والأضغان والأحقاد والغيظ.
وهكذا يعيش المسلم الحق في سلام مع نفسه ومع إخوانه من أبناء المجتمع المسلم، بل مع أبناء المجتمع العالمي، ومن هنا كان الإسلام دعوة عالمية، وفي هذا المعنى البليغ يقول القرآن الكريم {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} (آل عمران: 134)، وهنا يأتي الربط بين التحكم في الغيظ وضبطه وبين العفو والإحسان إلى الناس حتى تتطهر نفس المسلم من تلك المشاعر السلبية المدمرة، ويأمرنا الله عز وجل بالأخذ بسياسة العفو كما في قوله تعالى {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} (الأعراف: 199)، فمن شيم المسلم الحق العفو والصفح والتسامح والمغفرة ونسيان الأحقاد والبعد عن الكراهية والغيرة والحسد والطمع والجشع وكلها مشاعر مدمرة لنفس الإنسان، فالإسلام دين ودواء ووقاية وتوجيه وإرشاد ونصح وهداية كريمة تأتي من رب العباد.
الدعوة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
ومن أبلغ النصح الإسلامي أن يأمرنا رب العزة والجلالة بالعفو والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبغي والظلم والضلال، كما في قوله تعالى {خذ العفو وأمر بالعُرف وأعرض عن الجاهلين} (الأعراف: 199)، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من واجبات المسلم الحق، وبذلك يصبح المسلم شخصًا إيجابيًّا وليس سلبيًّا.. يصبح فاعلًا ومؤثرًا في المجتمع الذي يعيش فيه.
وقوله تعالى في الدعوة للحسنى {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم} (فصلت: 34-35)، وفي ذلك تحرير لنفسية المسلم من مشاعر العداوة والكراهية، وهي مشاعر قاتلة في عرف علماء النفس المحدثين، لا يدفع الإنسان بالحسن من الأمور بل بالتي هي أحسن وأفضل وأقوم، ويوضح القرآن الكريم الفرق بين الحسنة والسيئة حتى يتحاشى المسلم السيئات، وتلك قمة الإنسانية التي يربي الإسلام أبناءه عليها.
تربية الإسلام للمسلم تربية إنسانية متكاملة وشاملة قوامها الأخلاق الحميدة والسلوك الطيب والعلاقات الاجتماعية الجيدة والأخذ والعطاء، والحياة الحديثة مليئة بمظاهر التصارع والتطاحن والتنافس، أما إسلامنا الخالد فيأمرنا بالتحلي بالصبر والغفران، حتى تتطهر نفس الإنسان من كل مشاعر السلبية، وذلك كما في قوله تعالى {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} (الشورى: 43)، فعندما يصبر الإنسان لا يعبر ذلك عن ضعفه وإنما عن قوته وعزمه وصحة آرائه وسلامة مسلكه.
ويدعونا الإسلام ليس للصفح وحسب، ولكن الصفح الجميل {فاصفح الصفح الجميل } (الحجر: 85) وذلك حتى يُحَبِّب إسلامنا العظيم إلى أبنائه الصفح، ويرشدهم إلى كيفية التمتع بالحالة النفسية التي تسود الإنسان عندما يصفح عن غيره وعندما يحسن إلى غيره. وفي ذلك أبلغ رد على من يقول كذبًا إن الإسلام انتشر بالغزو وبحد السيف، ولكن الحقيقة الساطعة أن الإسلام انتشر عن طريق جمال مبادئه، في الخير والحق والجمال والعدل والإحسان والرحمة والشفقة والبر والصدق والتعاون والأخذ والعطاء، تلك المبادئ الساطعة هي التي جذبت أهالي الأمصار الأخرى الى اعتناق الإسلام عن حب ورضا واقتناع، ولو كان الإسلام لا ينتشر إلا بحد السيف لما شاهدنا اليوم حتى في البلاد الغريبة الناس يدخلون في دين الإسلام حبًّا وطواعية حتى في ظل الدعايات المغرضة التي ينشرها أعداء الإسلام ضده بأنه دين عنف ودماء وإرهاب ويروجون لفكرة «الإسلاموفوبيا» أي ظاهرة الخوف المرضي غير المبرر من الإسلام.
القيمة الصحية للنوم
الهادئ المريح
الهدى الإسلامي الكريم يحيط بالإنسان المسلم ليشمل كل جوانب حياته الأسرية العملية أو المهنية والاجتماعية والنفسية والعقلية والأخلاقية والروحية والإيمانية، ويرعى الإسلام صحة الإنسان ويحافظ عليها، وفي هذا العصر ازداد انتشار ما يعرف باسم اضطرابات النوم sleep disorders وهي كثيرة ومتعددة ومنها الأرق أو السهاد insomnia أو الحرمان من النوم والأحلام المزعجة والكوابيس dreams and nightmares والفزع أثناء النوم، وكذلك المشي أثناء النوم sleep walking ولقد جاء في الهدى الإسلامي ما يحفظ للإنسان نومًا هادئًا مريحًا مستقرًّا، فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان رسول الله* "صلى الله عليه وسلم"* إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، ثم قال «اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت». (رواه الإمام البخاري)، والنوم الهادئ المستقر يؤدي إلى راحة العقل والجسم وإلى النشاط والحيوية والانتباه واليقظة، ولذلك قيل فيه بحق: «إن النوم سلطان».
الحماية من أخطار التلوث المائي والهوائي والأرضي
يئن العالم كله الآن، وإن كان بدرجات متفاوتة، من آفة التلوث المائي والهوائي والأرضي air.,water, and underground water pollutions. ويؤدي التلوث إلى اصابة الإنسان بكثير من الأمراض الجسمية والصدرية والكلوية والقلبية والعقلية، كما يحدث عند تسمم الأطفال بمادة الرصاص lead poisoning التي تؤدي الى اصابة الطفل بالتخلف العقلي.
ويدفع إسلامنا الخالد عن الإنسان خطر التلوث بكل أنواعه وأشكاله بالحض على عدم التبول في الماء الراكد أو التغوط في طريق الناس أو في ظلهم وفي موارد المياه العذبة اهتداء بقوله تعالى {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا} (الأحزاب: 58)، فالإسلام ينهى الإنسان عن إيذاء نفسه وغيره، ومعروف أن التغوط في مجاري المياه العذبة يؤدي الى انتقال العدوى، وذلك حتي يحيا المسلم في بيئة نظيفة صالحة لا تهاجمه فيها الأمراض والجراثيم والأوبئة، ولا تنتشر فيها الحشرات والقوارض والأفاعي.
فالإنسان يحمي نفسه وغيره بالمحافظة على نظافة البيئة, بل إنه مدعو لأن يعمل على تجميلها وتحسينها وتنميتها واستغلالها واستزراعها ونشر الخير والرخاء فيها ذلك لأن الإنسان, كما يقول علماء النفس المحدثون هو ابن البيئة والوراثة, بمعنى أن شخصيته تتشكل من عوامل الوراثة التي تأتيه من الآباء والأجداد والأمهات، ومن الظروف البيئية التي ينبغي أن تكون حسنة وصالحة وفيها تربية على الفطرة السوية.. فطرة الإسلام العظيم.
القيمة النفسية للشعور بالعدل والمساواة
والشعور بالعدل من المشاعر الإيجابية التي تؤدي الى تمتع المسلم بالصحة النفسية الجيدة، وتبث فيه الشعور بالرضا والراحة, ومن الأمور الشائعة، للأسف الشديد، في أيامنا هذه, عدم توخي الآباء والأمهات العدالة في التعامل مع الأبناء الذكور والإناث، ويدعو إسلامنا العظيم الى كراهية تفضيل الوالد لبعض أولاده على بعض في الهبة أو العطايا أو المصروف اليومي، وفي هذا الهدي الإسلامي الكريم جاء عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن أباه أتى به رسول الله* "صلى الله عليه وسلم"* فقال: «إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي، فقال رسول الله* "صلى الله عليه وسلم" : أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال لا، فقال رسول الله* "صلى الله عليه وسلم"* «فارجعه».
فالعدل في تربية الأطفال من فضائل الإسلام، ذلك لأن الطفل إذا تربى على الشعور بالعدل، شب عليه واتخذه منهجًا وطريقًا له في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأسرية، الى جانب مبادئ إسلامنا العظيم الأخرى في البر والإحسان والتقوى والرحمة والورع والخشوع والمساواة وتكافؤ الفرص والحرية والتعاون والأخذ والعطاء ونبذ الظلم والطغيان والبطش والاستبداد والعنف والتطرف والاستقواء بالقوى الأجنبية للبطش بالشعوب.[/COLOR]
المصدر : مقال لــ د/ عبد الرحمن العيسوي
أستاذ علم النفس في جامعة الإسكندرية
بــ مجلة : الوعي الاسلامي
*
مراجع د/ عبد الرحمن العيسوي كاتب المقال :
1- القرآن الكريم.
2- محمد فؤاد عبدالباقي (1981)، المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم، دار الفكر للطباعه والنشر والتوزيع، بيروت، لبنان.
3- الامام النووي، تعليق إبراهيم محمد الجمل (1412هـ)، رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، دار القلم للتراث، القاهرة، مصر.
4- الجزائري، أبوبكر جابر، (1964)، منهاج المسلم، كتاب عقائد وآداب وأخلاق وعبادات ومعاملات، مكتبة دار التراث، القاهرة.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗