امرأة فى حياتى امرأة فى حياتى وفاء القناوى امرأة فى حياتى وفاء القناوى امرأة فى حياتى وفاء القناوى
امرأة فى حياتى وفاء القناوى
دائما ما يخطر اسم الحاجة بهية على بالى ويقفز من ذاكرتى لارتباط هذا الاسم بشئ ذو أهمية كبيرة فى حياتى ,فكيف لا وهى لها
فضل كبير بعد الله سبحانه وتعالى .بالرغم من مرور عشرات السنين على وفاتها الا انى أتذكرها جيدا وأبداوكلما تذكرت كيف أنى
تعلمت أداء الصلاة وواظبت عليها ,الحاجة بهية هى من علمنى الصلاة وشجعتنى على أدائها والمواظبة عليها حيث لم أبلغ العشر
سنوات طفلة صغيرة ,فقد استغلت حبى لسماع قصصها وشغفى بحكاياتها والتصاقى بها فعاملتنى كفتاه ناضجة تسبق قريناتها فى
التفكير والمعاملات وأسعدنى ذلك جدا كما أسعدنى قربى منها .
كانت الحاجة بهية كبيرة فى السن اختلط الشعر الابيض بالاسود وامتزجا معا فأضفى على وجهها جمالا ونورا ووقارا , كل مساء كانت
الحاجة بهية تجمع أطفال الاسر كلها المقيمة فى المدرسة التى كنا نسكنها بعد أن تم ترحيلنا من بلدنا بورسعيد أبان العدوان عليها من
اسرائيل,نتجمع أولاد وبنات فى حلقة حولها حيث تقوم بسرد الحكايات المثيرة والحواديت الشيقة بأسلوب مبهر جذاب فتجدنا جميعا
منصتين لا تسمع الا انفعالاتنا وهمهمتنا مع كل حدث , وهكذا كل يوم تأخنا الى عالم بعيد من الخيال والاثارة وكنت أحب القراءة جدا
فى طفولتى فكانت تأثرنى بأسلوبها القصصى الشيق ويمتد بنا الليل ويحلو معه السهر, ونطلب منها المزيد والمزيد وكانت توعدنا بأن
يكون فى الغد ما هو أجمل , الى أن نأتى الى يوم الخميس فتذكرنا جميعا بالاستيقاظ مبكرا والاستحمام والاستعداد ليوم الجمعة التى جعلت
منه مناسبة ننتظرها من الاسبوع الى الاسبوع بفارغ الصبر ,وخاصة أنا حيث كانت تطلب منى دائما مساعدتها بالرغم من صغر سنى ,
حيث كنت أسكن الحجرة المجاورة لها فى الفصل,فنقوم باعداد المكان الذى سنتجمع به ونقوم بتنظيفه واطلاق البخور , وضبط اذاعة
القرءان الكريم لسماع قرءان الجمعه أعطانى هذا العمل وهذه المساعدة ثقة كبيرة فى نفسى والاحساس بقيمتى فى هذه السن الصغيرة,
ويتوافد الجميع ونجلس فى حلقة كبيرة حولها لا يصدر منا صوت أو همس فقد كانت ترمقنا وتحذرنا بنظراتها الحادة الحازمة ,وبانتهاء
القرءان تغلق الراديو وتبدأ فى أداء دورها انه وقت المتعة والاثارة الذى ننتظره انها قصص الشجاعة والبطولة للرسول عليه الصلاة
والسلام وأصحابه ومن عاصروه, قصص الفتوحات الاسلاميه والغزوات ,وكانت تضفى على هذه الحكايات مايجعلنا نعيش مع الابطال
ونفرح مع الانتصارات وننفعل لكل شاردة ,وبالرغم من أنها حكايات دينية الا أنها أعطتها طعم ومذاق مختلف وألتصقت بذهنى وذاكرتى
التعاليم والعبر والعظة التى اشتملت عليها هذه القصص, ثم بعد حكى الحكايات وروى الروايات تقيم الحاجة بهية الصلاة وتصلى بنا,ومن
ثم زاد ارتباطنا بهذا اليوم وبهذه الصلاة وأصبحنا جميعا نواظب عليها ومن بعدها واظبنا على باقى الصلوات , والى الان وبعد مرور
الأعوام والسنين مازلت أذكرها جيدا وأذكر لها صنيعها الجميل معى ومع غيرى من الأطفال , وكيف انها أسهمت فى بناء شخصيتنا
,وفى تعميق ايماننا بفطرتها الطيبة السليمة الخالصة لله, انظر وأرى كيف انها جعلتنا نخاف الله فى تصرفاتنا, وكيف نحاسب أنفسنا قبل
النوم وقبل أن نحاسب ,ومازالت قصصها وحكاياتها عالقة فى ذهنى أحفظها عن ظهر قلب حكيتها لأبنائى ,وهاأنا أحكيها لحفيدتى
الصغيرة أضيف اليها قليلا من أسلوبى وألمح بريق السعادة فى عينيها الجميلة وهى تنصت لى بشغف , تذكرنى بنفسى مع فارق انها
مازالت صغيرة لتدرك المعانى والعبر من هذه القصص,ولكنى أشعر مثلها بالسعادة وأنا احكيها لها ......تلك هى معلمتى الأولى فى
الحياة الحقيقية وعلى أرض الواقع وليست داخل أروقة المدارس وبين جدرانها , فقد قدمت لى الكثير والكثير دون مقابل غير حبنا لها
الذى ملك قلوبنا دون أن تطلبه, علمتنا دون أن يطلب منها أحد ذلك ولم يدفعها اليه دافع غير ارضاء وجه الله و احساس المسئوليه
بداخلها .....رحم الله الحاجة بهية وأثابها خير عن كل ما قدمت وأحسن مثواها
وفاء القناوى