احتوى القرآن الكريم على آيات عديدة تتعلق بالحروق على وجه من وجوه الدلالة. فبعض الآيات يمكن أن يكون لها تعلّق بدرجات الحروق، وبعضها يمكن أن يكون له تعلّق بأسباب الحروق، كما يمكن أن يكون للبعض الآخر تعلّق بأمثل الطرق للإسعافات الأولية لهذه الحروق.
درجات الحروق
يعتمد عمق الحروق في أغلب الأحيان على درجة حرارة المؤثر ووقت التعرض له. ولا يخفى على أحد شكل الحرق الذي ينتج عن النار أو الأشياء أو السوائل الساخنة، فهو إما مجرد إحمرار للجلد في الدرجة الأولى من الحرق أو فقاقيع مائية تنفجر وينسلخ سطح الجلد ويصبح مبللاً بالسوائل التي تفقد من الجلد باستمرار وهذه صفة حروق الدرجة الثانية، أو يجف الجلد ليصبح مثل المشمع ويفقد الإحساس واللون الطبيعي ليصبح أبيض بدون دموية أو حيوية وربما أسود اللون، وهذا يحدث في حروق الدرجة الثالثة وهي الأكثر عمقاً.
وأحد الفروق بين حروق الدرجة الثانية والدرجة الثالثة هو اختبار نزع الشعر في منطقة الحرق حيث يظل الشعر مثبتاً بالجلد في حروق الدرجة الثانية ويصحب محاولة نزعه ألم شديد كما هو معتاد. أما في حروق الدرجة الثالثة فتتم عملية نزع الشعر بسهولة وبدون ألم لوصول الحرق إلى منطقة بصيلات الشعر. وقد جاءت هذه المعلومة في قوله تعالى }كَلاَّ إنَّهَا لَظَى نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى| (المعارج: 15، 16)
فالشوى هي فروة الرأس .
أسباب الحروق:
وعندما نحاول سرد أسباب الحروق التي كتبت في كتب الطب نجد أنها إما عوامل طبيعية أو كيميائية ولا شيء غير ذلك. أما العوامل الطبيعية فهي إلى وقتنا هذا لم تتعد الشحنات الكهربائية وتشمل أيضاً الإشعاعات بأنواعها. والصعقة الكهربائية تؤدي إلى حروق تسمّى حروقاً كهربائية. ثم تنتج حروق عن درجات الحرارة القصوى من كلا الاتجاهين المنخفضة جداً ثم المرتفعة جداً، وتنقسم الأخيرة إلى ثلاثة أنواع: حروق نارية وهي تمثل معظم أسباب الحروق التي نقابلها ثم الحروق السلقية أو التي تحدث من سوائل ساخنة أو مغلية وترتفع نسبة حدوثها في الأطفال ثم الحروق باللمس مثل المكواة.
بقي السبب الأخير ألا وهو الحروق التي تنتج من مواد كيميائية حارقة مثل القلويات الكاوية والأحماض الحارقة وبعض العناصر مثل الفسفور وخلافه. وعندما نقرأ كتاب الله الكريم بعين العالم وعقل المفكر وقلب المؤمن نجد أن كل هذه الأسباب قد ذكرت في القرآن. ولنبدأ كما ذكرنا بالترتيب فالحروق الكهربائية نسبة حدوثها 2 ـ 3% قد ذكرت في سورة الرعد بكلمة الصواعق }وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ المِحَالِ|. (الرعد: 13)
إن أصعب الجروح هي الحرق وأصعب الحروق هي الحروق الكهربائية. وقد جاء هذا المعنى أيضاً في القرآن الكريم في سورة الطور. (فَذَرْهُمْ
حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لا يُغْنِي
عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ وَإنَّ لِلَّذِينَ
ظَلَمُوا عَذَابًًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُون) (الطور: 45 ـ 47)
أي مما لا شك فيه أن الله سبحانه وتعالى يعذب العاصين من عباده بدرجات متفاوتة كل حسب جرمه.
أما درجات الحرارة المنخفضة جداً فقد ذكرت في القرآن حيث كلمة صر هي البرد الشديد.
(مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِى هَذِهِ
الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ
قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ
وَلَكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ|) (آل عمران: 117)
والكل يعرف
(قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إبْرَاهِيمَ) (الأنبياء: 69)
فلو كانت برداً فقط لأضرت به.
ومما هو مؤكد أن درجات الحرارة المنخفضة جداً تؤدي إلى حرق الأنسجة التي
تتعرض لها، ولكن يختلف هنا شكل الحرق عن الحروق النارية بدرجاتها فهذه
الإصابة تترك الجزء المصاب بنفس الشكل الطبيعي ولكنه يفقد الحيوية والوظيفة
والقدرة على الحركة والتكاثر إلى أن يضمحل تدريجياً. وقد جاء هذا واضحاً
في قوله تعالى في سورة الحاقة: (وَأَمَّا
عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ
سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى القَوْمَ فِيهَا
صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَة) (الحاقة: 6، 7).
الحروق النارية
ثم تأتي درجات الحرارة المرتفعة بأنواعها وهي تمثل حوالى 95% من أسباب
الحروق وأولها وأكثرها شيوعاً الحروق النارية. ولا يمكن سرد كل الآيات التي
ذكر فيها هذا النوع من الحروق لكثرتها ولكن سوف نسرد فقط بعض الآيات التي
يتضح منها عمق القرآن ودقته.
(فَإن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِين) (البقرة: 24).
ثم جاء نفس المعنى في سورة التحريم:
(يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوآ
أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
عَلَيْهَا مَلآئِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا
أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6).
درجة انصهار الحجارة تزيد عن الألف درجة مئوية ووجود الناس مع الحجارة في أتون واحد يشير إلى شدة العذاب.
في أكثر من مقام يشير الله سبحانه وتعالى إلى أشد العذاب وهو عذاب الحريق،
وأن النار أعدت للكافرين وهذا يؤكد مقولتنا السابقة أن أشد الجروح هي
الحروق. وقد جاء ذلك في سورة آل عمران. (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ
قَالُوا إنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا
قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا
عَذَابَ الحَرِيقِ) (آل عمران: 181).
ثم سورة الأنفال
(وَلَوْ تَرَى إذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وَجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ) (الأنفال: 50).
ثم سورة الحج في أكثر من مكان
(ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَذَابَ الحَرِيق) (الحج: 9)
(كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيق) (الحج: 22)
ومما هو معروف لدينا أنه إذا أردت تسخين قطعة من الحديد مثلاً فعليك أن
تضعها في أسفل النار وليس في اللهب الأصفر العلوي. وُضّح هذا في قوله تعالى
في سورة النساء: (إنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) (النساء: 145).
وهذا معناه مرة أخرى أن العذاب درجات وأن النفاق من الصفات السيئة التي تؤدي بصاحبها إلى درجة أعلى من العذاب لصفات سيئة أخرى.
يصيب الحرق أول ما يصيب جلد الإنسان المليء بالأعصاب الحسية التي تحمى
الجسم من أي مؤثر خارجي قد يضر بالإنسان، فيتنبه ويبتعد عن المؤثر بمجرد
وصول هذا الإحساس إلى مراكز هذه الأطراف والدليل على ذلك عند أخذ حقنة
مثلاً. إحساس الإنسان بالألم عند إدخال الإبرة في الجلد ثم يختفي أو يضعف
هذا الإحساس كلما دخلت الإبرة في الطبقات الداخلية بعد الجلد، ومن هذا يتضح
أن عذاب الحريق أشد عذاب، ولهذا اختص الله به الكافرين من عباده. فقال
تعالى في سورة النساء: (إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ
نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا
غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا العَذَابَ إنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا).
وهذه الآية تؤكد مرة أخرى على عمق الحروق من نار جهنم، ولكن قدرة الله عز وجل كانت جلية في تجديد جلودهم ليذوقوا العذاب.
وهذا تصوير دقيق لدرجات الحروق. فالدرجات السطحية التي تؤثر على طبقة
البشرة والجزء السطحي من أدمة الجلد تؤدي إلى كشف الأطراف الحسية للجو
الخارجي وبذلك يزداد الإحساس بالألم ولكن عندما تأتي النار على كل طبقات
الجلد (أي النضوج) هنا تموت الأطراف الحسية ويقل الإحساس بالألم. ومعنى
الآية استمرار الحرق مع تبديل الجلد المحروق بجلد يوجد به الإحساس المستمر
ليستمر العذاب والإحساس بالألم. وفي الحروق السلقية
قوله تعالى (وَقُلِ الحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ
فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إنَّا أَعْتَدْنَا
لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإن يَسْتَغِيثُوا
يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ
وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف: 29).
(هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِى
رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ
يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ) (الحج: 19).
ومعظم الحروق السلقية تصيب الأطفال في مناطق (الوجه والرقبة والكتفين)، حيث
تؤدي به غريزة حب الاستطلاع إلى محاولة أخذ ما فوق الموقد المشتعل لرؤية
ما به، فينسكب ما بالإناء على الوجه والكتف واليد التي أمسكت بالإناء.
حروق اللمس أما حروق اللمس فجاءت في سورة التوبة في قوله تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ كَثِيرًا مِّنَ الأَحْبَارِ
وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ
وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم
بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى
بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ
لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة: 34، 35)
الجبهة ليظهر التشوه أمام الناس كما أشاحوا بوجوههم عن الفقراء، والإحساس
بالألم في الجنب أشد من مناطق أخرى بالجسم لأنهم لم يشعروا بحاجة الفقراء،
والإحساس بالألم في الظهر كناية عن صعوبة الدفاع عن النفس في هذا المكان
لأنهم لم يدفعوا حاجات الفقراء والبائسين. (والله ورسوله أعلم).
الحروق الكيماويةوالسبب الأخير هو الحروق الكيماوية. [/size]