مفهوم الفقه عند السلف وانحراف الخلف
مفهوم الفقه عند السلف وانحراف الخلف
مفهوم الفقه عند السلف وانحراف الخلف
مفهوم الفقه عند السلف وانحراف الخلف
مفهوم الفقه عند السلف وانحراف الخلف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله )) ، والصلاة والسلام على نبيه القائل( إذا همّ _أراد_ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة...))، وعلى آله وصحبه أجمعين .
مفهوم الفقه عند السلف وانحراف الخلف
إذا نظرنا اليوم إلى مفهوم الفقه عند الخلف نجده في معظمه يطرق فقه عمل الجوارح لإتقانها ، ولعل السبب الأهم في ذلك يعود للنزاع والتنازع الفقهي الذي حصل بين غالب الفقهاء والصوفية قديما – ويمكن حديثا أيضا _ ، ففي القرون المفضلة لم يكن هناك تمييز يذكر بين عالم في فقه أعمال القلوب وعالم في فقه الشريعة ، ولم يظهر حينها مصطلح أهل المعرفة في مقابلة أهل الفقه ، وكان الفقيه عالم قلوب أيضا كالصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم كثير ، ثم مع انتشار التمذهب الفقهي والتصوف ، صار يطلق على من يطلب العلم عند الفقهاء بالمتفقهة، ويطلق على من يطلب العلم عند المتصوفة بالمريدين ،وصار المتفقهة وغالب الفقهاء يهتمون بالإعمال الظاهرة والمتصوفة بالإعمال الباطنة - أعمال لقلوب -، ثم عجب كل فريق بما لديه فزهد كل فريق فيما عند الآخر، وحصلت بينهم عداوة وبغضاء .
وحتى يتضح مفهوم الفقه وأهمية إتقان عمل القلب وضرورة إعادة ترتيب فقه أولويات المدخلات الدعوية ، فلابد من ذكر بعض الأقوال .
1) يقول الإمام الغزالي
(( ولقد كان اسم الفقه في العصر الأول مطلقا على علم طريق الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب ويدلك عليه قوله عز وجل :
((لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ ))[1] .
وما يحصل به الإنذار والتخويف هو هذا الفقه دون تفريعات الطلاق والعتاق واللعان والسلم والإجارة فذلك لا يحصل به إنذار ولا تخويف بل التجرد له على الدوام يقسي القلب وينزع الخشية منه كما نشاهد الآن من المتجردين له )) ([2]).
2) ويقول الإمام ابن قدامة المقدسي :
(( فأما علم المعاملة وهو علم أحوال القلب ، كالخوف، والرجاء، والرضى، والصدق، والإخلاص وغير ذلك، فهذا العلم ارتفع به كبار العلماء، وبتحقيقه اشتهرت أذكارهم، كسفيان ، وأبى حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد.
وإنما انحطت رتبة المسمين بالفقهاء والعلماء عن تلك المقامات، لتشاغلهم بصورة العلم من غير أخذ على النفس أن تبلغ إلى حقائقه وتعمل بخفاياه.
وأنت تجد الفقيه يتكلم في الِّظهار، واللِّعان ، والسبع، والرمى، يفرع التفريعات التي تمضى الدهور فيها ولا يحتاج إلى مسألة منها، ولا يتكلم في الإخلاص، ولا يحذر من الرياء، وهذا عليه فرض عين ، لأن في إهماله هلاكه، والأول فرض كفاية.
ولو أنه سئل عن علة ترك المناقشة للنفس في الإخلاص والرياء لم يكن له جواب. ولو سئل عن علة تشاغله بمسائل اللعان والرمى، لقال: هذا فرض كفاية ، ولقد صدق، ولكن خفي عليه أن الحساب فرض كفاية أيضاً، فهلا تشاغل به، وإنما تبهرج عليه النفس، لأن مقصودها من الرياء والسمعة يحصل بالمناظرة، لا بالحساب!
واعلم: أنه بدلت ألفاظ وحرفت، ونُقلت إلى معان لم يردها السلف الصالح . فمن ذلك: الفقه، فإنهم تصرفوا فيه بالتخصيص، فخصوه بمعرفة الفروع وعللها، ولقد كان اسم الفقه في العصر الأول منطلقاً على علم طريق الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس، ومفسدات الأعمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب.
ولذلك قال الحسن رحمه الله: إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه، الوَرِع الكافُّ عن أعراض المسلمين، العفيف عن أموالهم، الناصح لهم ،فكان إطلاقهم اسم الفقه على علم الآخرة أكثر، لأنه لم يكن متناولاً للفتاوى، ولكن كان متناولاً لذلك بطريق العموم والشمول، فثار من هذا التخصيص تلبيس بعث الناس على التجرد لعلم الفتاوى الظاهرة، والإِعراض عن علم المعاملة للآخرة )) ([3]) . أهـ.
3) يقول شيخ الإسلام :
أ) ((فغالب الفقهاء إنما يتكلمون به في الطاعات الشرعية مع العقلية وغالب الصوفية إنما يتبعون الطاعات الملية مع العقلية وغالب المتفلسفة يقفون على الطاعات العقلية ؛ ولهذا كثر في المتفقهة من ينحرف عن طاعات القلب وعباداته من الإخلاص لله والتوكل عليه والمحبة له والخشية له ونحو ذلك)) ([4]).
ب) ويقول :
(( كما نجد المتفقه المتمسك من الدين بالأعمال الظاهرة والمتصوف المتمسك منه بأعمال باطنة كل منهما ينفى طريقة الآخر ويدعى أنه ليس من أهل الدين أو يعرض عنه إعراض من لا يعده من الدين فتقع بينهما العداوة والبغضاء وذلك أن الله أمر بطهارة القلب وأمر بطهارة البدن وكلا الطهارتين من الدين الذي أمر الله به وأوجبه )) ([5]) .
ج) ويقـول:
(( فنجد كثيرا من المتفقهة والمتعبدة إنما همته طهارة البدن فقط ويزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا ويترك من طهارة القلب ما أمر به إيجابا أو استحبابا ولا يفهم من الطهارة إلا ذلك ونجد كثيرا من المتصوفة والمتفقرة إنما همته طهارة القلب فقط حتى يزيد فيها على المشروع اهتماما وعملا ويترك من طهارة البدن ما أمر به إيجابا أو استحبابا ))[6] .
د) ويقول[7]
(( وأنت تجد كثيرا من المتفقهة إذا رأى المتصوفة والمتعبدة لا يراهم شيئا ولا يعدهم إلا جهالا ضلالا ولا يعتقد في طريقهم من العلم والهدى شيئا وترى كثيرا من المتصوفة والمتفقرة لا يرى الشريعة والعلم شيئا بل يرى أن التمسك بهما منقطع عن الله وأنه ليس عند أهلها شيء مما ينفع عند الله ، والصواب أن ما جاء به الكتاب والسنة من هذا وهذا حق وما خالف الكتاب والسنة من هذا وهذا باطل )) .
4) الإمام الذهبي:
جاء عن بعض السلف y مثل([8]) : ((سفيان الثوري، مجاهد، سماك، حبيب بن أبي ثابت، هشام الدستوائي )) قالـوا: (( طلبنا هذا الشأن ومالنا فيه من نية ثم رزقنا الله النية من بعد )).
قال الإمام الذهبي :
(( قلت: نعم يطلبه أولاً والحاصل له حب العلم وإزالة الجهل عنه وحب الوظائف ونحو ذلك ، ولم يكن علم وجوب الإخلاص فيه ولا صـدق نية فإذا علـم حاسـب نفسه وخـاف مـن وبال قصده فتجيئه النـية))([9]) .
5) ويقول العلامة المناوي
(( ولو سئل فقيه عن نحو الإخلاص والتوكل أو وجه التحرز عن الرياء لما عرفه مع كونه فرض عينه الذي في إهماله هلاكه ولو سئل عن اللعان والظهار يسرد من التفريعات الدقيقة التي تنقضي الدهور ولا يحتاج لشيء منها)) . [10]
6) حمدون بن أحمد :
ولقد سئل حـمدون بن أحـمد : (( ما بال كلام السلف أنفع من كلامنـا ؟))
فقــال:
(( لأنـهم تكلموا لعز الله ونجاة النفوس ورضا الرحمن ، ونحن نتكلم لعز النفوس وطرب الدنيا ورضا الخلق )) .
هذا مايسر الله إذ استخرته والخير ما اختاره الله .[1] ) التوبة 122
[2] ) إحياء علوم الدين 1/63
[3] ) مختصر منهاج القاصدين 1/7
[4] ) مجموع الفتاوى (( 20/72)) .
[5] ) مجموع الفتاوى ((1/15)) .
[6] ) مجوع الفتاوى (( 1/15)) .
[7] ) اقتضاء الصراط ((1 /10)) .
[8] )" العلل ومعرفة الرجال /3/235" ، "حليلة الأولياء /5/285، 6/367، "سير أعلام النبلاء /4/455، " 7/17" ، "7/152".
[9] ) "سير أعلام النبلاء /7/17"
[10] ) فيض القدير 6/262
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗