لزيادة الفائدة :
اختلف أهل العلم في حكم تكرار العمرة والإكثار منها على أقوال :
القول الأول :
أن ذلك مستحب وهو مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية وهو مقابل المشهور في مذهب المالكية وهو قول في مذهب الحنابلة , وهو مذهب طائفة كبيرة من السلف والأئمة لكن استثنى الحنفية من ذلك أشهر الحج فكرهوا العمرة فيها لمن كان بمكة
القول الثاني :
أن الاعتمار في السنة أكثر من مرة مكروه وهو مشهور مذهب المالكية ومع ذلك فإذا كررها أحد في السنة أكثر من مرة فهي منعقدة ولازمة بالإحرام
والقول الثالث :
أن تكرارها مستحب لكن لا يوالي بين العمرتين ولا يكثر وهو مذهب الحنابلة
والقول الرابع :
عدم مشروعية تكرارها في السفرة الواحدة وهو ما ذهب إليه الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الحنابلة وقبله طاووس اليماني
وإليك الآن أقوالهم من المذاهب الأربعة :
من أقوال الحنفية :
في حاشية ابن عابدين 2/585 :
( قوله ( ولو رفضها ) أي العمرة التي طاف لها وأدخل عليها الحج
قوله ( قضاها ) أي ولو في ذلك العام لأن تكرار العمرة في سنة واحدة جائز بخلاف الحج أفاده صاحب الهندية ط ) اه
وفي الموسوعة الفقهية الكويتية :
( لكن استثنى الحنفية من ذلك الاعتمار في أشهر الحج للمكي , والمقيم بها , ولأهل المواقيت ومن بينها وبين مكة , فيكره لهؤلاء الاعتمار في أشهر الحج عند الحنفية ; لأن الغالب عليهم أنهم يحجون , فيصبحون متمتعين , ويلزمهم دم جزاء إن فعلوه عند الحنفية . أما عند الجمهور فلا حرج عليهم في ذلك ; لأنهم يجيزون لهم التمتع , ويسقطون عنهم دم التمتع أيضا . ) اه
من أقوال المالكية
في مواهب الجليل 2/467 :
( ويستحب في كل سنة مرة ويكره تكرارها في العام الواحد على المشهور وقاله مالك في المدونة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكررها في عام واحد مع قدرته على ذلك وقد كرهه جماعة من السلف
وأجاز ذلك مطرف وابن الماجشون وقال ابن حبيب : لا بأس بها في كل شهر مرة وقال أبو الحسن وغيره : وفرطت عائشة رضي الله عنها في العمرة سبع سنين ثم قضتها في عام واحد وروي عن علي رضي الله عنه في كل شهر مرة وروي عن ابن عمر أنه اعتمر ألف عمرة وحج ستين حجة وحمل على ألف فرس في سبيل الله وأعتق ألف رقبة انتهى
وقال سند : كره مالك تكررها في السنة الواحدة تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه اعتمر في كل عام مرة وحكى كراهة ذلك عن كثير من السلف وما روي أن عليا كان يعتمر كل يوم وأن ابن عمر كان يعتمر في كل يوم من أيام ابن الزبير فيحتمل أن يكون قضاء عن نذر أو لوجه رآه كما روي أن عائشة فرطت في العمرة سبع سنين فقضتها في عام واحد ولو كان مستحبا لفعله عليه الصلاة والسلام والأئمة بعده أو ندب إليه على وجه يقطع العذر انتهى ملخصا
ونقل اللخمي عن مطرف وابن المواز جواز تكرارها في السنة مرارا واختاره ونصه :
قال مطرف في كتاب ابن حبيب : لا بأس بالعمرة في السنة مرارا قال أرجو أن لا يكون به بأس قال اللخمي : ولا أرى أن يمنع أحد من أن يتقرب إلى الله بشيء من الطاعات ولا من الازدياد من الخير في موضع لم يأت بالمنع منه نص انتهى
وكلامه يوهم أن ابن المواز قال ذلك في الاعتمار مرارا وظاهر كلام ابن المواز أنه إنما قاله في المرتين فقط
قال في التوضيح عند قول ابن الحاجب وفي كراهة تكرار العمرة في السنة الواحدة قولان المشهور الكراهة وهو مذهب المدونة والشاذ لمطرف إجازة تكرارها ونحوه لابن المواز لأنه قال أرجو أن لا يكون بالعمرة مرتين في سنة بأس وقد اعتمرت عائشة مرتين في عام واحد وفعله ابن عمر وابن المنكدر وكرهت عائشة عمرتين في شهر وكرهه القاسم بن محمد انتهى
وما ذكره صاحب التوضيح عن ابن المواز هو كذلك في النوادر وهو أولى مما قاله اللخمي ونص النوادر قال ابن المواز وكره مالك أن يعتمر عمرتين في سنة واحدة يريد فإن فعل لزمه قال محمد وأرجو أن لا يكون به بأس انتهى
فرع :
وعلى المشهور من أنه يكره تكرارها في السنة الواحدة فلو أحرم بثانية انعقد إحرامه إجماعا
قاله سند وغيره وتقدم ذلك في كلام ابن المواز حيث قال يريد فإن فعل لزمه
وقال في المدونة : والعمرة في السنة إنما هي مرة واحدة ولو اعتمر بعدها لزمته كانت الأولى في أشهر الحج أم لا أراد الحج من عامه ذلك أم لا انتهى ) اهـ
وفي الثمر الداني شرح مقدمة ابن أبي زيد 1/389 :
( والعمرة سنة مؤكدة مرة في العمر ) ولها ميقاتان مكاني وهو ميقات الحج وزماني وهو جميع السنة ... ويكره تكرارها في العام الواحد على المشهور ) اهـ
وقال القرافي في الذخيرة 3/203 :
( وأما العمرة فجميع السنة وقت لها لكن تكره في أيام منى لمن يحج ويكره تكرارها في السنة الواحدة وقال مطرف لا تكره ) اهـ
وقال القرافي في الذخيرة أيضا 3/374 :
( ولا يعتمر عند مالك إلا مرة واستحب مطرف و ش تكرارها لأن عليا رضي الله عنه كان يعتمر في كل يوم مرة وكان ابن عمر رضي الله عنه يعتمر في كل يوم من ايام ابن الزبير لنا ما في الموطأ أنه اعتمر ثلاثا عام الحديبية وعام القضية وعام الجعرانة إحداهن في شوال وتنتان في ذي القعدة وما رووه يحتمل القضاء فقد روي أن عائشة رضي الله عنها فرطت في العمرة سبع سنين فقضتها في عام واحد ولو كان ذلك مستحبا لفعله والأئمة بعده ) اهـ
وفي الفواكه الدواني 1/351 :
( سنة العمرة تحصل بمرة كما يأتي وما زاد عليها يقع نافلة حيث حصلت في عام آخر لانه يكره تكرارها في العام الواحد الا لعارض كمن تكرر دخوله الحرام ودخل قبل اشهر الحج ) اهـ
وفي الفواكه الدواني 1/374 :
( والعمرة سنة مؤكدة ) والعمرة لغة الزيادة وشرعا عبادة ذات إحرام وطواف وسعي وتحصل السنة بفعلها ( مرة في العمر ) وتندب الزيادة عليها لكن في عام آخر لانه يكره تكرارها في العام الواحد الا ان يتكرر دخوله مكة من موضع يجب عليه معه الاحرام كما لو خرج مع الحج ورجع الى مكة قبل اشهر الحج فإنه يحرم بعمرة لان الاحرام بالحج قبل أشهره مكروه بخلاف العمرة ميقاتها الزماني الابد ) اهـ
وفي كفاية الطالب الرباني 1/708 :
( ويكره تكرارها في العام الواحد على المشهور
قال ع وكره مالك أن يعتمر في السنة مرارا فمن اعتمر في ذي القعدة ثم اعتمر أيضا في المحرم فلا يكره لأنه إنما اعتمر ي السنة الثانية والعمرة تجوز في كل زمان إلا لحاج فإنه لا يعتمر حتى تغرب الشمس من آخر أيام منى ولو كان قد تعجل في اليوم الثاني من أيام منى انتهى ) اه
من أقوال الشافعية
في المجموع للنووي 7/116 :
( فرع ) : في مذاهبهم في تكرار العمرة في السنة :
مذهبنا أنه لا يكره ذلك بل يستحب,وبه قال أبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء من السلف و الخلف , وممن حكاه عن الجمهور الماوردي والسرخسي والعبدري , وحكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء وغيرهم رضي الله عنهما
وقال الحسن البصري وابن سيرين ومالك : تكره العمرة في السنة أكثر من مرة ; لأنها عبادة تشتمل على الطواف والسعي فلا تفعل في السنة إلا مرة كالحج . واحتج الشافعي والأصحاب وابن المنذر وخلائق بما ثبت في الحديث الصحيح { أن عائشة رضي الله عنها أحرمت بعمرة عام حجة الوداع , فحاضت , فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بحج ففعلت , وصارت قارنة ووقفت المواقف , فلما طهرت طافت وسعت فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم قد حللت من حجك وعمرتك , فطلبت من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعمرها عمرة أخرى , فأذن لها فاعتمرت من التنعيم عمرة أخرى } رواه البخاري ومسلم مطولا , ونقلته مختصرا
قال الشافعي : وكانت عمرتها في ذي الحجة , ثم أعمرها العمرة الأخرى في ذي الحجة , فكان لها عمرتان في ذي الحجة . وعن عائشة أيضا " أنها اعتمرت في سنة مرتين أي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم " وفي رواية ثلاث عمر , وعن ابن عمر أنه اعتمر أعواما في عهد ابن الزبير مرتين في كل عام , ذكر هذه الآثار كلها الشافعي , ثم البيهقي بأسانيدهما .
( وأما ) الحديث الذي ذكره المصنف فليس فيه دلالة ظاهرة ; لأنها لم تقل : اعتمر في ذي القعدة وشوال من سنة واحدة
واحتج أصحابنا أيضا في المسألة بحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما } رواه البخاري ومسلم , وسبق ذكره في أول كتاب الحج , ولكن ليست دلالته ظاهرة , وإن كان البيهقي وغيره قد احتجوا به , وصدر به البيهقي الباب فقال بعض أصحابنا : وجه دلالته أنه صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين كون العمرتين في سنة أو سنتين , وهذا تعليق ضعيف .
واحتج أيضا بالقياس على الصلاة فقالوا : عبادة غير مؤقتة , فلم يكره تكرارها في السنة كالصلاة , قال الشافعي في المختصر : من قال : لا يعتمر في السنة إلا مرة مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني حديث عائشة السابق ( فإن قيل ) قد ثبت في حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : { ارفضي عمرتك وامتشطي وأهلي بالحج } ففعلت , ثم اعتمرت , وهذا ظاهره أنه لم يحصل لها إلا عمرة واحدة
( فالجواب ) أنها لم ترفضها , يعني الخروج منها والإعراض عنها ; لأن العمرة والحج لا يخرج منهما بنية الخروج بلا خلاف وإنما رفضها رفض أعمالها مستقلة ; لأنها أحرمت بعدها بالحج , فصارت قارنة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ارفضيها " أي اتركي أعمالها المستقلة لاندراجها في أفعال الحج
( وأما ) امتشاطها , فلا دلالة فيه . قال القاضي أبو الطيب وغيره ; لأن المحرم يجوز له عندنا الامتشاط
( وأما ) الجواب عن احتجاج مالك بالقياس على الحج , فهو أن الحج مؤقت لا يتصور تكراره في السنة والعمرة غير مؤقتة , فتصور تكرارها كالصلاة والله أعلم .) اهـ
وفي مغني المحتاج 1/472 :
( ويسن الإكثار منها ولو في العام الواحد فلا تكره في وقت ولا يكره تكرارها فقد أعمر صلى الله عليه وسلم عائشة في عام مرتين واعتمرت في عام مرتين بعد وفاته وفي رواية ثلاث عمر ) اه
من أقوال الحنابلة
وفي المغني لابن قدامة 3/174 :
( فصل : ولا بأس أن يعتمر في السنة مرارا ، روي ذلك عن علي وابن عمر وابن عباس وأنس وعائشة وعطاء وطاوس وعكرمة والشافعي ، وكره العمرة في السنة مرتين الحسن وابن سيرين ومالك وقال النخعي : ما كانوا يعتمرون في السنة إلا مرة ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله .
ولنا أن عائشة اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة مع قرانها وعمرة بعد حجها ولـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : العمرة إلى العمرة كفاره لما بينهما متفق عليه ، وقال علي رضي الله عنه : في كل شهر مرة وكان أنس إذا حمم رأسه خرج فاعتمر رواهما الشافعي في مسنده وقال عكرمة : يعتمر إذا أمكن الموسى من شعره ، وقال عطاء : إن شاء اعتمر في كل شهر مرتين فأما الإكثار من الاعتمار والموالاة بينهما فلا يستحب في ظاهر قول السلف الذي حكيناه وكذلك قال أحمد : إذا اعتمر فلا بد م أن يحلق أو يقصر وفي عشرة أيام يمكن حلق الرأس فظاهر هذا أنه لا يستحب أن يعتمر في أقل من عشرة أيام ، وقال في رواية الأثرم : إن شاء اعتمر في كل شهر
وقال بعض أصحابنا : يستحب الإكثار من الاعتمار ، وأقوال السلف وأحوالهم تدل على ما قلناه ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم ينقل عنهم الموالاة بينهما ، وإنما نقل عنهم إنكار ذلك والحق في اتباعهم ، قال طاوس : الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري يؤجرون عليها أو يعذبون قيل له : فلم يعذبون قال : لأنه يدع الطواف بالبيت ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء وإلى أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غيره شيء .
وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع سفرات ، لم يزد في كل سفرة على عمرة واحدة ولا أحد ممن معه ولم يبغلنا أن أحدا منهم جمع بين عمرتين في سفر واحد معه إلا عائشة حين حاضت فأعمرها في التنعيم لأنها اعتقدت أن عمرة قرانها بطلت ولهذا قالت : يا رسول الله يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحجة فأعمرها لذلك ، ولو كان في هذا فضل لما اتفقوا على تركه . ) اهـ
وفي المبدع 3/261 :
( فصل : لا يكره الاعتمار في السنة أكثر من مرة ويكره الإكثار والموالاة بينهما باتفاق السلف قال أحمد إن شاء كل شهر وقال لا بد يحلق أو يقصر وفي عشرة أيام يمكن واستحبه جماعة
ويستحب تكرارها في رمضان لأنها تعدل حجة وكره الشيخ تقي الدين الخروج من مكة لعمرة تطوع وانه بدعة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابي على عهده سوى عائشة لا في رمضان ولا في غيره اتفاقا وفيه نظر ) اه
في الإنصاف 4/57 :
( لا بأس بتكرار العمرة في سنة )
فوائد :
إحداهما : لا بأس أن يعتمر في السنة مرارا . والصحيح من المذهب : كراهة الإكثار منها ، والموالاة بينهما . قال المصنف : باتفاق السلف . واختاره هو وغيره . وقدمه في الفروع . قال الإمام أحمد : إن شاء كل شهر . وقال أيضا : لابد أن يحلق أو يقصر . وفي عشرة أيام يمكن الحلق .
وقيل : يستحب الإكثار منها . اختاره جماعة . وجزم به في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والفائق ، وغيرهم . وقدمه ابن رزين في شرحه .
ومن كره أطلق الكراهة . قال في الفروع : ويتوجه أن مراده : إذا عرض بالطواف ، وإلا لم يكره ، خلافا لشيخنا -يعني به الشيخ تقي الدين-
وقال في الفصول : له أن يعتمر في السنة ما شاء . ويستحب تكرارها في رمضان . لأنها فيه تعدل حجة .
وكره الشيخ تقي الدين الخروج من مكة للعمرة إذا كان تطوعا . وقال : هو بدعة . لأنه لم يفعله ، عليه أفضل الصلاة والسلام . ولا صحابي على عهده إلا عائشة . لا في رمضان ولا في غيره اتفاقا . ) اهـ
وفي الروض المربع ص 275 :
( وتباح العمرة كل وقت فلا تكره بأشهر الحج ، ولا يوم النحر ، أو عرفة ، ويكره الإكثار ، والموالاة بينها باتفاق السلف ، قاله في المبدع . ويستحب تكرارها في رمضان ، لأنها تعدل حجة . ) اهـ
منقـــــــــــــــــــول