متى يكون المذهب خارجا عن الإسلام؟
بين كل المذاهب الإسلامية اختلافات كثيرة, وهذه الاختلافات سببها اختلاف في نتائج الاجتهاد و في فهم النص, لهذا لا يحق لأي فئة من المذاهب الإسلامية أن تكفر أو تفسق مذهبا آخر أو أن يتهمونهم بأنهم أعداء الإٍسلام ماداموا مرتبطين بنصوص من الإسلام, التكفير هو إخراج عن الدين بينما من يتبع مذهبا لم يخرج بل يعتمد على نصوص من الدين. يجب أن ننتقد النتائج لكن لا ننتقد الدافع والأساس فالأساس نص يعترف به الجميع, فمثلا أحد قلت له نصا: "أسق حيوانا", فغطس رأسه بالماء فأغرقه! هل النص القائل بإسقاء الحيوان خطأ؟ طبعا لا, لكن الخطأ في الطريقة المغالية في إٍسقائه, و ما معنى مغالية؟ معناها متوقفة عند النص الجزئي ولا تنظر للنصوص والاحترازات الأخرى.
المغالاة و الجزئية هي ما صنعت الفروق بين المذاهب, لكن الدافع لها هو فهم الإسلام وتطبيقه وليس الدافع الخروج منه حتى نقول أنهم خارجون من الإسلام! لو أرادوا الخروج لاستطاعوا و لرموا نصوصه عرض الحائط. كل المذاهب الإسلامية تعتمد على نصوص من الإسلام وغالبا يعترف الجميع بهذه النصوص ويحاجون بعضهم بها, وليسوا يفترون بأشياء لا أساس لها, فالشيعة مثلا يعتمدون على نصوص من الإسلام في أغلب طرحهم وكذلك الصوفية والإباضية و المذاهب الأربعة والسلفية, فالشيعة مثلا يأخذون حديث الثقلين ويركزون عليه أو أحاديث المهدي وهي في كتب الصحاح عند السنة, و أهل السنة أيضا يركزون على بعض النصوص أكثر من غيرها, وهكذا, فالدين عبارة عن طرق كثيرة والمذهب ذهاب من طريق معين و ترك للباقي وإلا فالأساس واحد, فالمذهب منشأه الجزئية في النظرة للدين وهذه الجزئية تسبب تطرفا, فتركيز بعضهم على نصوص الشرك وإخلاص العبادة جعل منهم متطرفين يكفرون كثيرا من المسلمين, وتركيز بعضهم على أحقية علي رضي الله عنه بالخلافة جعل بعضا منهم ينسبون له ماليس له ويظلمون بعض الصحابة الآخرين, وتركيز بعضهم على موضوع المحبة جعل بعضا منهم يتطرفون إلى درجة الحلولية, و بعضهم غالا في موضوع ارتكاب الكبيرة وبعضهم غالا في موضوع عظم العقل وبعضهم غالا في موضوع النقل...إلخ.
فأي مذهب هو انتقاء من نصوص الدين وتكثيف لها وإهمال لأخرى, و يُقدَّم هذا الجزء المنتقى من الدين على أنه كل الدين وحجتهم أن هذا النص ثابت, مع أن هناك نصوص ثابتة كثيرة جدا لم تأخذ حقها من التكثيف وإن كانوا يقرون بها. الإقرار لا يكفي مادام هناك تكثيف في بعض النصوص, هذا الانتقاء والتركيز يسبب تطرفا و مغالاة, لهذا كل مذهب فيه مغالاة. لا بد من العدالة في تناول النصوص كلها, وهذا ما ينتج الحكمة والتوازن, لأن الحكمة تعني الإحاطة, والإحاطة و سعة الاهتمام تقضي على الغلو, لأن الطاقة و الوقت لا يكفيان للغلو بالكل.
هذه الاختلافات بين المذاهب هي إذن تطرفات أتت من تركيز على نصوص معينة من الدين و تخفيف التركيز على نصوص أخرى, لهذا أتباع المذاهب هم مجتهدون في فهم الإسلام, و هذا الاجتهاد أساسه عقلي لأنه بعقله رأى أن هذه النصوص هي الأهم مع أنها كلها مطروحة و رأى أن هذه الطريقة في تناول النصوص هي الأصح. وكلمة مذهب تعني منهج والمنهج عمل عقلي تُعرض عليه النصوص, إذن المذاهب والفرق كلها بشرية اجتهادية في أساسها, لاحظ أنها تسمى مذهب فلان -أي من البشر- أو الفلانيين. لكن لا يصح أن نقول أنهم خارجون عن الإسلام, لأنهم لم يبتدعوا نصوصا جديدة أو يبنوا مذهبا لا أساس له من النصوص وإلا سيسمى دين آخر.