البحث العلمي ... بين خرافة الموضوعية وبعبع المنهجية
البحث العلمي ... بين خرافة الموضوعية وبعبع المنهجية
البحث العلمي ... بين خرافة الموضوعية وبعبع المنهجية
البحث العلمي ... بين خرافة الموضوعية وبعبع المنهجية
لم يحدث ان كتبت بحثا او كتابا او ورقة عمل الا ووجدت ذاتي تسبق قلمي فليس هناك ثمة باحث يقوي علي ان يفصل ذاته عن موضوع بحثه حتي في العلوم التطبيقية البحته !! . أذكر يوما أنني كتبت بحثا وانا بالمرحلة الجامعية وكان البحث دفاعا حارا عن الفيلسوف ابن رشد وكيف انه رائد العلمانية وبدأت بحثي هذا بهذه العبارة :
(لم يكن ابن رشد فيلسوفا إسلاميا البتة بل فيلسوفا معاصرا ما زال يمشي بيننا علي قدمين مع ان الرجل وُلد عام 1126 وتوفُي عام 1198 إلا أن تأثيره ظل قائما وانتقل من اتباعه اللاتين امثال سيجار دي برابانت وجان دي نيفوس . وكان ابن رشد هو من اوقد الشمعة الاولي في الغرب للفكر الحر)
فما كان من المشرف الا ان هنأني وشد علي يدي واصفا بحثي يأنه بحثا موضوعيا اتبع الطالب فيه منهجية سليمة , فرحت كثيرا بهذه الشهادة من قبل استاذي , لكن (يا فرحة ماتمت) إذ اطلع استاذا اخر علي البحث من اجل أدراجه في قائمة درجاتي وما أن أطلع علي بحثي (ابن رشد رائدا للعلمانية ) حتي أرغي وأزبد ولوح لي بيده (هل تسمي هذا بحثا ؟ ولما سألته عن سبب سخطه ) قال لي وهو يزجرني حتي كاد ان يمزق البحث ( بحثك يخلو تماما من الموضوعية ولم تتبع فيه أي منهجية ) رددت علي استاذي في عفوية ( ولكن أين هي موضوعيتك دكتور وأين المنهجية فأنني أراك ثائرا غاضبا وليس هذا من الموضوعية في شيء ) وطارت الدرجة و (طارت لي أنا) من ثلاثتهما الموضوعية والمنهجية ومعهما أبن رشد .
خرجت من ثم الي ان التزام الموضوعية والمنهجية قيود نقيد بها يد الباحث اشواك مسننة نضعها في طريقه تمنعه عن التجديد والاضافة والخلق وهم ملامح البحث الجيد .
عقل الانسان ليس صفحة بيضاء او طفل بوسعنا ان نروضه دائما بل ان عقولنا ورثت تراث انساني عام يشترك فيه كل البشر فالفكر الاسطوري او الخرافي كثلا نمط قديم للتفكير عند الانسان فسر به الطبيعة والدين ومنظومة العادات والقيم وقد لعب يوما دور العلم لقد حاول الإنسان البدائي قديمًا ، أن يفسر الظواهر الطبيعية والنفسية ، مسخرًا لدلك جميع قدراته العقلية البسيطة وتجاربه الحياتية المحدودة ، فأوجد تفاسير تبدو سطحية ،وغير منطقية على الأقل لإنسان هدا العصر ، ولكنها تعتبر تفاسير إبداعية بمنظوره آنذاك .
إن الكثير من المعتقدات والأفكار الخرافية سواء ما كان منها بدائيًا أو ما اتخذ شكلاً آخر ، أصبحت وكأنها واقع يستخدم أحيانًا في مساندة بعض الأوضاع أو النظم الاجتماعية المتبعة في مجتمع ما لتنظيم العلاقة بين الأفراد.بل ان الحضارات برمتها علي الرغم من تظاهرها المادي تقوم علي الفكر الاسطوري في الخلود والابدية .
لهذا نجد ان مفكرا (علميا) مثل ليفي شتراوس ركز في بحوثه الانثروبنيوية علي الفكر الاسطوري لدي قبائل الهنود الحمر ان رغية الانسان في التحليق ومحاكاة الطيور مبعثها فكرة اسطورية , الحب والحرب والفن والجمال بل حتي الاخلاق برمتها لا تقوم علي الفكر الموضوعي ولا تنظمها منهجية في التفكير ولو اتبعنا طريق الموضوعية لوصلنا الي نفي الخالق وهو ذات محضة لا موضوع مقابل لها . هناك اذا مساحة واسعة اكثر سعة من كل شيء تشغلها الذات وتحتكرها لنفسها حتي عند اصحاب التفكير العلمي .
هذا من ناحية ومن ناحية اخري نجد ان معظم ان لم يكن كل النظريات السياسية والاقتصادية لم تتسم بالموضوعية بما انها مشروعات بدأت من التحيز الذاتي (اللاموضوعي) لاتجاه او حزب او نمط نشاط اقتصادي بعينه,
فهل كانت الطوباويات الاشتراكية بل والاشتراكية العلمية ذاتها موضوعية في طرحها الذي تسوده اراء المدن الفاضلة ؟
وهل ما كتبه ادم سميث في (ثروة الامم) الا تفكيرا اسطوريا لا موضوعيا حول توزيع الثروة توزيعا عادلا بين الفقراء والاغنياء ؟ اليست الايديولوجيا برمتها ما هي الا وعي مزيف لطبقة ما كما قال ماركس ؟
اليس (الاناركية) او مجتمع اللادولة عند باكونين وبرودون مجتمعا هلاميا خياليا لا موضوعية فيه ولا منهجية ؟.
والادهي من هذا وذاك , الفكرة العلمية التطبيقية ذاتها ألم تبدأ اصلا كافتراضات وهمية صاغها عقل الباحث او العالم ؟ الم تحض الفيزيائيات النيوتونية مع ماكس بلانك وميكانيكا الكوانتا فيزياء نيوتن (الموضوعية المنهجية) ؟
ألم تدمر الهندسات الأاقليدية مع جوس ولوبتشافسكي وريمان مسلمة اقليدس في (التوازي) ؟
ثم ما هي المنهجية ؟
انها في نظري (زمان كتابة البحث) وليس (مكان كتابة البحث) ولو اتبعنا منهجية سليمة بمقياس التقليد لما توصلنا الي ما توصل اليه الفرد نورث وايتهيد في التطور (المنبثق) ذلك الذي يجمع ما بين المادة والخالق , ولما تدحرجنا مع كرة الجليد التي وصف بها هنري برجسون تطوره الخلاق .
فأمضي يأخي الباحث والقي جانبا بكليهما الموضوعية وشريكتها في الجرم (المنهجية ) الرزانة والعقل وكل هذه السخافات وسوف تصل الي ما لم تصل اليه ..... سفن العلم من شواطيء