حكم ذهاب المرأة إلى المسجد
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله الطيِّبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن الصلاة في الإسلام تشتمل على أسرارٍ وحِكَم بالغة، لا تشاركها فيها صلاة في أي دينٍ آخر، وقد عُنِي الإسلام بأمر الصلاة وبالغ في الاهتمام بشأنها، وحذر أعظم التحذير من تركها، فهي عمودُ الدين، ومِفتاح الجنة، وخير الأعمال، وأول ما يحاسب عليه المؤمن يوم القيامة، ويذكرها القرآن الكريم في صفات الرسل والأنبياء والصالحين.
فقال - تعالى - كما في دعاء إبراهيم - عليه السلام -: ﴿ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ﴾ [إبراهيم: 40].
وقال - تعالى - في إسماعيل - عليه السلام -: ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 55].
وفي وصية لقمان لابنه، ذكر - تعالى - قوله: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].
ويؤكِّد الإسلام على المحافظة عليها في الحَضَر والسفر، والأمن والخوف، والسِّلم والحرب، قال - تعالى -: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ * فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا ﴾ [البقرة: 238، 239].
فالصلاة في الإسلام تُمثِّل النظافة والتجمل والتطهر، والعبادة الروحية والرياضة البدنية، والقوة الروحية والنفسية والقوة الخُلُقية.
أما صلاة الجماعة للرجل والمرأة في المسجد، فهي تربية اجتماعية رشيدة، ومدرسة إنسانية عالية، يسعى إليها المسلمون في صلاة الجمعة والجماعات وصلاة العيدين، للتعليم والتوجيه والموعظة والتذكير،وتجديد البيعة مع الإسلام، وإحياء للأخوة، وتركيز للوحدة وإظهار القوة.
ولهذه الأهمية الكبرى اخترتُ المساهمة في بيان "حكم ذهاب المرأة إلى المسجد"، وأقوال لعلماء الأجلاء في ذلك، مع بيان الأدلة الشرعية ومناقشتها، فشمل البحث على مقدمة وفصلين وخاتمة.
أما خطة بحثي، فقد تضمَّنت فصلين وخاتمة:
أما المقدمة، فذكرت فيها أهمية الموضوع.
الفصل الأول: "الصلاة تعريفها وجوبها وأهميتها وفضلها"، وشمل ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: "تعريف الصلاة لغة واصطلاحًا وأدلة وجوبها".
المبحث الثاني: "أهمية الصلاة في حياة المسلم".
المبحث الثالث: "الجماعة وجوبها وفضلها"، واشتمل على مطلبين:
المطلب الأول: "أدلة وجوبها في الكتاب والسنة".
المطلب الثاني: "فضل الجماعة".
الفصل الثاني: "الجماعة للنساء والذهاب للمسجد عمومًا وللنساء خصوصًا"، واشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: "صلاة الجماعة للنساء".
المبحث الثاني: "فضل الذهاب إلى المسجد عمومًا".
المبحث الثالث: "حكم خروج المرأة إلى المسجد".
أما الخاتمة، فقد اشتملت على أهم ما توصَّلت إليه من نتائج البحث.
أسال الله التوفيق والسداد في هذا البحث، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله أوَّلاً وآخرًا
﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾
الفصل الأول
الصلاة، تعريفها، وجوبها، وأهميتها، وفضلها:
المبحث الأول: تعريف الصلاة لغة، واصطلاحًا، وأدلة وجوبها.
المبحث الثاني: أهمية الصلاة في حياة المسلم.
المبحث الثالث: الجماعة وجوبها وفضلها.
المطلب الأول: أدلة وجوبها من الكتاب والسنة.
المطلب الثاني: فضل الجماعة.
المبحث الأول
تعريف الصلاة لغة، واصطلاحًا، وأدلة وجوبها
الصلاة لغةً: الدعاء، يقال: صلَّى صلاة، ويقال تَصْلِيَة، وهي عبادة مخصوصة تبين حدودها في أوقاتها في الشريعة، وهي بيت العبادة لليهود، قال - تعالى -: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ﴾ [الحج: 40][1].
والصلاة في اصطلاح الفقهاء:
• "أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم، بشرائط مخصوصة، ويشمل كل صلاة مفتتحة بتكبيرة الإحرام ومختتمة بالسلام، ويخرج عنه سجود التلاوة، وهو سجدة واحدة عند سماع آية من القرآن مشتملة على ما يترتب عليه ذلك السجود من غير تكبير أو سلام"[2].
أما أدلة وجوبها فيكون على قسمين:
أ- وجوبها في الكتاب:
1- قوله - تعالى -: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ﴾ [البينة: 5].
وجه الدلالة: أنهم ما أُمِروا في التوراة والإنجيل فقط بأن يعبدوا الله وحده مخلصين العبادة لله - جل وعلا - وأمرهم بإقامة الصلاة التي هي أشرف عبادات البدن، وإقامة الصلاة على الوجه الأكمل في أوقاتها بشروطها وخشوعها وآدابها، ويعطوا الزكاة لمستحقِّيها عن طيب نفس {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}؛ أي: دين الملة المستقيمة دين الله[3].
2- قوله - تعالى -: ﴿ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ﴾ [الكوثر: 2].
وجه الدلالة: كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة، فأخلص لربك في صلاتك المكتوبة والنافلة، ونحرك هو التقرب إلى الله بأفضل ما عند العبد من الأضاحي وإخراج المال، وخص هاتين العبادتين في الذكر؛ لأنهما أفضل العبادات وأجلُّ القُرُباتِ؛ ولأن الصلاة تتضمَّن الخشوع في القلب والجوارح، فاعبده وحدَه لا شريك له، وانحر على اسمه لا شريك له، كما - قال تعالى -: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163][4].
3- قوله - تعالى -: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾ [مريم: 59].
وجه الدلالة: ذكر الله - تعالى - في هذه الآية الكريمة حزبَ السعداء وهم الأنبياء ومَن تبِعهم من القائمين بحدود الله وأوامره، المؤدِّين الفرائض التاركين لزواجره ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ ﴾؛ أي: قرون أُخَر ﴿ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ ﴾، وإذا أضاعوها فهم لما سواهما من الواجبات أضيع؛ لأنها عماد الدين وقوامُه وخير أعمال العباد، وأقبلوا على شهوات الدنيا وملاذِّها، ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنُّوا بها، فهؤلاء سيلقون غيًّا؛ أي: خسارة يوم القيامة[5].
4- قوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].
وجه الدلالة: أي مؤقَّتة مفروضة، والمعنى عند أهل اللغة مفروضة لوقت بعينه، يقال: وقته فهو موقوت، ووقته فهو مؤقت، وقال - تعالى -: ﴿ كِتَابًا ﴾، والمصدر مذكَّر، فلهذا قال موقوتًا[6].
إن هذه الآية نزلَت لغرضِ الحديث عن حمل السلاح في المعركة، وهنا إشارة نبيلة، إلى أن المسلم المقاتل يجب عليه التسلُّح بالسلاح المادي والسلاح الروحي والمعنوي (الصلاة)، و"نرى في ذلك رسمًا للوصف الواقع من خلال التشجيع والاستجابة، من خلال المعالجة للمخاوف الفطرية والآلام الواقعية وذلك من خلال التسليح في المعركة بالصلاة - وبالصلاة خاصة - إلى جانب التسليح بالعدة واليقظة، ونرى طريق المنهج القرآني الرباني في التعامل مع النفس البشرية في قوتها وضعفها في التعامل مع الجماعة الإنسانية في أثناء تكوينها وإنضاجها"[7].
ب- وجوبها في السنة:
1 - في أوَّلِ ما أوجبه - تعالى - على العباد تولَّى إيجابها بمخاطبة رسولِه - صلى الله عليه وسلم - ليلة المعراج من غير واسطة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ففرَض الله على أمَّتي خمسين صلاةً، ثم نقَصت حتى جُعِلت خمسًا، ثم نُودِي: يا محمد، إنه لا يُبدَّل القول لديَّ، وإن لك بهذهِ الخمس خمسين))[8].
وجه الدلالة: دلَّ الحديث على مراجعته - صلى الله عليه وسلم - لربِّه في طلب التخفيف تلك المرَّات كلها، أنه علِم أن الأمر في كل مرة لم يكن على سبيل الإلزام بخلاف المرة الأخيرة، ففيها ما يشعر بذلك؛ لقوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ ﴾، ويُحتَمل أن يكون الاستحياءُ أن العشر آخر جمع القلَّة، وأول جمع الكثرة، فخشي أن يدخل في الإلحاح في السؤال، ولكن الإلحاح في الطلب من الله مطلوب، فكأنه خشي من عدم القيام بالشكر، والله أعلم.
والمراد هي خمس عددًا باعتبار الفعل، وخمسون باعتبار الثواب، وعلى دخول النَّسْخ فيها، وأنه - عز وجل - نسخ الخمسين بالخمسة قبل أن تُصلَّى، ثم تفضَّل عليهم بأن أكمل لهم الثواب[9].
2 - عن عبدالله بن قُرْط - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أوَّلُ ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلَحت صلَح سائرُ عملِه، وإن فسَدت فسَد سائر عمله))[10].
وجه الدلالة: إن صلحت الصلاة؛ أي: أثمرت بالاستقامة، ودعت إلى التحلِّي بآداب الدين، والتجمل بالكمالات، والتخلي عن الرذائل، وأرسلت أشعة الإحسان والخوف من الله - جل وعلا - في قلب المصلِّي، فحينئذٍ تُشرِقُ شمس القبول والإتقان، ورضا الله في سائر أفعاله، والصلاة جسر السعادة ومَعِين السيادة، ونور الإيمان الذي ينبعث من فاعلها[11].
3- ثبت عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((بُنِي الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت))[12].
وجه الدلالة: على خمسٍ؛ أي: على خمسة أركان، فإن قيل: الأربعة المذكورة مبنية على الشهادة؛ إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودها، فكيف يضم مبني إلى مبني عليه في مسمى واحد؟! أجيب بجواز ابتناء أمرٍ على أمرٍ ينبني على الأمرين أمرٌ آخر)[13].
المبحث الثاني
أهمية الصلاة في حياة المسلم
(الصلاة واجبةٌ على كل مسلم؛ وذلك لأن الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، ورأس القُربات، وغُرَّة الطاعات، إن أمر الصلاة عظيم، والصلاة جُعِلتِ الحدَّ الفاصل بين الإسلام وغير الإسلام، أعطاها الإسلامُ هذه الصفة لعظيم أهميتها عند الله و رسوله، وقد أمرنا الله - تبارك وتعالى - بالمحافظة عليها)[14].
وتأتي أهمية الصلاة في أمور كثيرة؛ أهمها:
1- الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر:
لقوله - تعالى -: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45][15].
وجه الدلالة: تتكلَّم الآية عن أهمية الصلاة في حياة المسلم، وكيف أن الصلاة تحمل على ترك الفواحش والمنكرات؛ أي: المواظبة عليها تحمل على ترك ذلك، وقد جاء في الحديث[16]: ((مَن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم تنهَه لم تزِدْه من الله إلا بُعدًا)).
2- الصلاة كفارة للذنوب:
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الصلوات الخمس كفارة لما بينها)) ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسًا، ما تقول ذلك، يبقى من درنه))، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: ((فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا))[17].
وجه الدلالة: في الحديث شبَّه الرسولُ - صلى الله عليه وسلم -الصلواتِ الخمسَ بالنهر لو يغتسل فيه خمس مرات لم يبقَ من وسخه شيء، كذلك الذي يصلي الصلوات الخمس في وقتها يمحو الله بهن الذنوب، قال العلماء: صغائر الذنوب دون الكبائر؛ لأن في الغسل يذهب الوسخ الظاهر بدون الباطن، والكبائر لها تأثير في الدرن الباطن.
3- الشعور بوحدة المنهاج والتوجيه:
(شرَع اللهُ - عز وجل - لهذه الأمة الاجتماع في أوقات معلومة، منها ما هو في اليوم والليلة؛ كالصلوات الخمس، ومنها ما هو في الأسبوع، وهو صلاة الجماعة، ومنها ما هو في السنة متكرِّر، وهو صلاة العيدين جماعة، وهو الوقوف لأجل التواصل ولأجل نظافة القلوب، والدعوة إلى الله - عز وجل - بالقول والعمل، وتدعو إلى الشعور بالترابط ووحدة الصف والجماعة، فإذا اجتمعوا وقفوا صفًّا واحدًا لا تمييز ولا تفريق، فالكل عباد الله اجتمعوا في صعيد واحد، ليذكروا الله ويخشعوا له، وقفوا وراء إمام واحد، متجهين إلى قبلة واحدة، يعبدون ربًّا واحدًا لا شريك له، كلهم مستغرقون في صلاتهم، وقد بدا عليهم أكبر شعائر التعظيم والخشية في كل حركة من حركاتهم، خاشعين خاضعين خائفين من عذاب الله طامعين في رحمته ويردد الجميع نفس الكلمات[18].
يربَّى المسلمون على أن تكون وجهتُهم وتوجهاتهم في الحياة واحدة، وأنه لا يأتي لأحد يكون قد رأى ذلك المشهد لا يبلغ فيه تأثره من أعماق قلبه، ويلاحظ ببصره القوة التي تمتاز بها هذه الأمة وطريقتها في عباداتها وخصوصا توقيت الأذان اليومي للصلاة بأوقات معينة حينما يرتفع بها صوت المؤذن.
4- تقوية الروابط والصلاة بين المسلمين:
(الصلاة سببٌ في تقوية الصلة والرابطة بين المسلمين من خلال صلاة الجماعة؛ لأن الناس إذا صلَّوا مع بعضهم البعض حصل التعارف فيما بينهم، وله الأثر في تقوية الصلة والرابطة بين المسلمين من خلال صلاة الجماعة التي سنَّها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبيَّن فضَلها وأكَّد عليها وبين لزوم القيام بها)[19].
5- إظهار لقوة المسلمين:
في الصلاة إظهار لعزِّ المسلمين، وذلك عند دخولهم وخروجهم من المسجد وفيه إغاظة لأهل النفاق والكافرين.
6- أهمية اللقاء والاجتماع:
تعويد للأمة الإسلامية في صلاة الجماعة على الاجتماع وعدم التفرقة، وأيضًا تعويد الإنسان على ضبط النفس؛ لأنه إذا اعتاد على متابعة الإمام متابعة دقيقة، لا يُكبِّر قبلَه ولا يتقدَّم ولا يتأخر.
7 - شعور المسلمين بالمساواة:
شعور المسلمين بالمساواة من خلال وقوفِهم في صلاة الجماعة بالمساواة، وتحطيم الفوارق الاجتماعية؛ لأنهم يجتمعون في المسجد أغنى الناس بجوار أفقر الناس، والأمير إلى جانب المأمور، والحاكم إلى جانب المحكوم، والصغير إلى جانب الكبير، وبهذا يشعر الناس بأنهم سواسية فتحصل بذلك الألفة والمحبة[20].
8- الطهارة الظاهرية والباطنية:
في الصلاة دعوة إلى تطهير البدن، فالمسلم لا يدخل إلا وهو طاهر مسبغ للوضوء على حدود جسده، وشعار الطهر المسمى (الوضوء)؛ حيث أشار الإسلام إلى النظافة تحت شعار الوضوء، وجعل شرط لصحة الصلاة، وأيضًا شمل تطهير النفس؛ لأن في الوضوء يتخلَّص المتوضئ من أثر صغائر ذنوبه وأخطائه[21]؛ لقوله سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص: حدثني أبي عن أبيه قال: كنت عند عثمان فدعا بطهورٍ، فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفَّارة لما قبلها من الذنوب، ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله))[22].
9- شمولها لأنواع كثيرة من العبادات:
في الصلاة عبادة للسان، في التلاوة، والتكبير، والتسبيح، والدعاء.
وعبادة للجسم في القيام والقعود والركوع والسجود.
وعبادة العقل بالتفكير والتأمل في معاني القرآن وأسرار الصلاة.
وعبادة القلب والخشوع والحب لله والشعور بمراقبة الله، فالعبادة في الإسلام تستوعب الكيان البشري كله[23].
المبحث الثالث
الجماعة وجوبها وفضلها وفيه مطلبان:
المطلب الأول: أدلة وجوبها من الكتاب والسنة.
والمطلب الثاني: فضل الجماعة.
المطلب الأول: أدلة وجوبها من الكتاب والسنة.
الجماعة لغة: عددُ كل شيء وكثرته، والجمع تأليف المتفرق، والمسجد الجامع الذي يجمع أهله؛ لأنه علامة للاجتماع[24].
والجماعة في الاصطلاح الشرعي: تطلق على عدد من الناس مأخوذ من معنى الاجتماع[25].
وتجب الجماعة على الرجال العاقلين الأحرار القادرين عليها، من غير حرج، فلا تجب على النساء، والصبيان، والمجانين، والعبيد، والمُقعَد، ومقطوع اليد، والشيخ الكبير الذي لا يقدر على المشي[26].
• أما بيان مَن تنعقد به الجماعة، فأقل مَن تنعقد به الجماعة اثنان، وهو أن يكون مع الإمام واحد؛ لقول النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -: ((الاثنان فما فوقهما جماعة))[27]؛ ولأن الجماعة مأخوذةٌ من معنى الاجتماع، وأقل ما يتحقق به الاجتماع اثنان، سواء كان الاثنان رجلا وامرأة أو صبي؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمَّى الاثنين مطلقًا جماعة، ولحصول معنى الاجتماع بانضمام كل واحد من هؤلاء إلى الإمام[28].
والجماعة واجبة للصلوات الخمس، وقد أشار القرآن الكريم إلى وجوب الجماعة في قوله - تعالى -: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ ﴾ [النساء: 102].
وجه الدلالة: دلَّت الآية الكريمة على وجوب الجماعة، فإذا صلَّى بهم الإمام في صلاة الخوف قصَرها إلى ركعة فرادًا ورجالاً وركبانًا، مستقبلي الكعبة وغير مستقبليها، ثم ذكر حال الاجتماع والائتمام بإمام واحد، وما أحسن ما استدل به مَن ذهب إلى وجوب الجماعة بهذه الآية الكريمة؛ حيث اغتفرت أفعال كثيرة لأجل الجماعة، فلولا أنها واجبة ما ساغ ذلك[29].
أما أدلة وجوبها في السنة؛ فهي كالاتي:
1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((والذي نفسي بيده لقد هممتُ أن آمر بحطبٍ فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤمَّ الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرِّق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقًا سمينًا أو مِرْمَاتينِ حَسَنتينِ لشهد العشاء))[30].
وجه الدلالة: الحديث ظاهر في كون الجماعة فرض عين؛ لأنها لو كانت سنة لم يُهدِّد تاركها بالحريق، ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول - صلى الله عليه وسلم - ومَن معه، ويحتمل أنه قال التهديد بالتحريق المذكور يمكن أن يقع في حق تاركي فرض الكفاية، فلو كانت الجماعة فرضَ عينٍ ما همَّ بتركها إذا توجَّه، وتعقب بأن الواجب يجوز تركه لما هو أوجب منه، وقال بعضهم إن المراد بالتهديد لقوم تركوا الصلاة رأسًا لا مجرد الجماعة، ودلَّ أيضًا الحديث على فرضية الجماعة في الصلوات كلها[31].
2- (قال ابن أم مكتوم - رضي الله عنه -: يا رسول الله، قد علمتَ ما بي، وليس لي قائد، زاد أحمد: وأن بيني وبين المسجد شجرًا ونخلاً، وليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له ليصلي في بيته قال: ((أتسمع الإقامة؟))، قال: نعم، قال ((فاحضَرْها))[32].
وجه الدلالة: ابن مكتوم هذا كان أعمى، ولم يُرخِّص له الرسول - صلى الله عليه وسلم - فدل الحديث على التشديد على وجوب الجماعة[33].
3- (وروى أبو الدرداء - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من ثلاثة في قرية أو في بلد لا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة فإن الذئب يأكل من القاصية))[34]
وجه الدلالة: دل ذلك على وجوب الجماعة.
تابعوونا