وقفات مع قصة سيدنا موسى عليه السلام

وقفات مع قصة موسى عليه السلام
أخبر الله تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت :
( *قرت عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا* ) 
قال ابن كثير : يعني أن فرعون لما رآه هَمَّ بقتله خوفا من أن يكون من بني إسرائيل .
فجعلت امرأته (آسية بنت مزاحم) تحاج عنه وتذب دونه وتحببه إلى زوجها. أ.هـ
وقد جاء في سنن النسائي عن ابن عباس أن فرعون لما قالت امرأته (قرت عين لي ولك) 
قال : يكون لك ، فأما لي فلا حاجة لي فيه .
فقال صلى الله عليه وسلم (والذي يُحْلف به لو أقر فرعون أن يكون له قرة عين كما أقرت امرأته لهداه الله كما هداها)
فتأمل فقد يتلفظ العبد بكلمة يكتب له بها الرضا الأبدي .
وقد يتلفظ بكلمة يكتب له بها الشقاء السرمدي.
لما قالت امرأة فرعون ما قالت تركه لها وتراجع عن قتله .
*لفتة* :
 هنا نرى أثر المرأة على الرجل مهما بلغت منزلته .
ومن هنا نقول إن المرأة المسلمة اليوم عليها مسؤولية كبيرة في بيتها .
لأن لها أثرا على زوجها وعلى بناتها وعلى أبنائها.
فها هو فرعون الذي بلغ به الطغيان ما بلغ .
بل تمرد حتى على ربه وادعى الربوبية .
فقال متكبرا طاغيا متمردا (أنا ربكم الأعلى ) .
وقال لقومه (ما علمت لكم من إله غيري)
فمع هذا الطغيان كله فإننا نجد أن المرأة قد استطاعت أن تؤثر حتى عليه وتحول بينه وبين بعض قراراته .
فلتدرك المرأة المسلمة اليوم ما عليها من دور .
ولتعلم أن لها أثرا نافعا مهما كانت الظروف.
*تحريم المراضع* :
لما تركه فرعون لزوجته هبت تبحث له عن المرضعات .
ولكن الله حرم عليه جميع المراضع ومنعه منها .
وجعله يرفض كل مرضعة .
وتأمل كيف يهيئ الله الأسباب ويسخِّر الأمور ليتحقق ما يريده الله.
وكانت أم موسى قد بعثت ابنتها لتبحث عنه وتستقصي خبره .
هل هلك في البحر وأكلته الدواب أو تجد له ذكرا مع الناس.
قال تعالى ( *وقالت لأخته قصيه فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون* )
قال ابن كثير: لما استقر موسى بدار فرعون عرضوا عليه المراضع التي في دارهم فلم يقبل منها ثديا .
فخرجوا به إلى السوق لعلهم يجدون امرأة تصلح لرضاعته فلما رأته أخته عرفته. أ.هـ
فقالت أخته ( *هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون* )
هنا كاد الأمر أن ينكشف.
قال ابن عباس: لما قالت ذلك أخذوها ، وشكوا في أمرها .
وقالوا لها : وما يدريك نصحهم له وشفقتهم عليه؟ 
فقالت: نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في ظؤورة الملك ورجاء منفعته. أ.هـ
فأرسلوها وتركوها وسلمت من أذاهم 
وذهبوا معها إلى منزلهم فلما دخلوا به على أمه .
تلك المرأة التي أصبح فؤادها فارغا من كل شيء إلا من موسى وذكره والتفكير به.
فبأي خيال سنتصور تلك  اللحظة؟
وبأي عقل سندرك تلك الحالة ؟
حالة فوق الخيال ، وموقف مهيب (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
*موسى في بيت أمه* :
ما زال البحث عن المرضعات جاريا .
وامرأة فرعون تدفع الغالي والنفيس لكل من يدلها على من يرضعه.
فلما قالت أخته ما قالت وأخبرتهم أن هناك من سيرضعه .
انطلقوا معها مسرعين .
ولما دخلوا على أمه وألقمته ثديها وضمته على صدرها أقبل على الثدي إقبالا عجيبا .
ورضع منها حتى ارتوى .
 وانطلق البشير ؛ يبشر امرأة فرعون أنهم وجدوا من يرضعه.
فسبحان من حرَّم عليه المراضع كلها مع أنه طفل رضيع يتضوع جوعا
وسبحان من رده لأمه بعد أن كان مقذوفا في اليم .
تتقاذفه موجات الماء ويطارده جنود فرعون.
هنا يتحقق وعد الله سبحانه وتعالى ويتم أمره وينفذ قضاؤه (إنا رادوه إليك)
*الخوف يتحول إلى أمن*
طلبت امرأة فرعون من أم موسى الانتقال إلى بيت فرعون لترضعه هناك فامتنعت .
واعتذرت بأنها لا تستطيع ترك بيتها وأسرتها.
الله أكبر ، كانت خائفة لا تستطيع أن ترضع ابنها إلا سراً .
وها هي اليوم تُدعَى لترضعه في بيت فرعون.
فتأمل عجيب قدرة الله ، ألم تكن الدنيا قد ضاقت بها  وكانت لا تجد لابنها الرضيع مكانا آمنا إلا البحر .
 فها هي اليوم ترضعه علانية بل وتُدْعَى للسكنى في بيت الملك وتأبى.
فسبحان من أدال لها الأمور ، وهيأ لها الظروف ويسر لها الأسباب.
بعد أن رفضت أم موسى الانتقال إلى بيت الرئاسة وافقت امرأة فرعون على أن يبقى الرضيع معها لتقوم على رضاعه ورعايته .
وهكذا تحقق وعد الله لأم موسى (إنا رادوه إليك)
ورد الله إليها ابنها وفوق رجوعه لأمه فإن امرأة فرعون أجرت عليها النفقة وأتحفتها بالهدايا والعطايا 
فتحول بيت العدو إلى ممولٍ ومنفقٍ 
وراعٍ يرعى هذا الرضيع وينفق عليه ويحوطه برعايته.
فهنا تتجلى قدرة الله ، ويظهر نفوذ أمره وغلبة سلطانه .
وهكذا يكبر موسى ويشب ويترعرع ويتربى في كنف بيت الرئاسة .
فلما بلغ مبلغ الرجال وكبر واكتمل آتاه الله حكما وعلما .