#شرح. ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه* [التغابن: ۱۱] الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ورعاه
🟩 باب السخط 🟩
قول الله تعالى: *ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه* [التغابن: ۱۱]
قال علقمة: هو الرجل تُصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله، فيرضى بها ويسلم.
السخط عند المصيبة من الكبائر، والمعنى: أن يسخط الإنسان من قضاء الله وقدره لا يرضى به.
والأصل في المسلم أن يتلقى قضاء الله وقدره بالرضا والصبر والاحتساب، وأن يؤمن بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وكون الإنسان يرضى بقضاء الله وقدره ولا يجزع فهذا خير له من وجوه، منها: أن الله يكفر عنه خطاياه، ويرفع من درجاته، ويذكره بالتوبة، وأن ماأصابه إنما هو بسبب ذنوبه.
قال تعالى: *وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير* [الشورى:٣٠] .
والله جل وعلا يقول: *وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون* [البقرة: ١٥٥ - ١٥٦]، فالمؤمن إذا أصابته ضرَّاء صبر، وإن أصابته سرَّاء شكر، فيكون ذلك خيراً له، أما غير المؤمن، فإنّه عند النعم يطغى ويتكبر، وإذا أصابته النقم جزع وسخط.
وفي هذه الآية التي ذكرها الشيخ رحمه الله وهي قوله تعالى
: *ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله* [التغابن: ۱۱]
قد بيَّن سبحانه وتعالى أن المصائب إنما تقع بإذن الله، أي: بقضائه وقدره، وإذنه سبحانه وتعالى على قسمين:
إذن كوني، وإذن شرعي.
الشرعي: وهو ما أذن الله بفعله شرعاً، من فعل الطاعات والقربات.
والإذن الكوني هو المراد بهذه الآية *إلا بإذن الله* أي: بقضائه.
وقوله تعالى: *ومن يؤمن بالله يهدِ قلبه*.
الإيمان كما سبق له أركان، ومنها الإيمان بالقضاء والقدر، فدلّت هذه الآية على أنّ الذي يجزع ويسخط ولا يستسلم لقضاء الله، لا يكون مؤمناً بالله، أما جزاء المؤمن الذي يؤمن بقضاء الله، فإنه يهدِ قلبه، بمعنى أنه يوفقة للخير والاطمئنان والراحة.
ولهذا يقول علقمة رحمه الله في هذه الآية: هو الرجل تصيبه المصيبة، فيعلم أنها من الله فيرضى ويسلم؛
أي: فلا يعترض ولا يسخط، فهذا الذي يهدي الله قلبه، فيدله على الخير ويوفقه للثبات عليه، وهذا من فوائد الصبر على المصائب، وهو حصول هداية القلب *والله بكل شيء عليم* أي: بالقلوب وأحوالها، فلا مفر للإنسان من التسليم للقضاء والقدر، مهما حاول.
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول اللہ ﷺ: إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط» رواه الترمذي وحسنه.
قوله: «إن الله إذا أحب قوماً» هذا فيه إثبات المحبة لله عزّ وجل وأنه يحب ويبغض ويكره، ويرضى ويسخط، وهذا من صفات الله سبحانه وتعالى، فمن علامات محبة الله لعباده: الابتلاء؛ أي: الاختبار، فإن الله يختبرهم بالمصائب، فإن رضوا بقضاء الله وقدره، فإنّه جل وعلا يرضى عنهم، ويجعل المصائب منحاً لهم، وتصير المحنة منحة، فتكون خيراً لهم، فهم من بعد اختباره لهم يتبين موقعهم من هذا الابتلاء، ولهذا قال: «فمن رضي فله الرضا» فهم رضوا بقضاء الله وقدره، والجزاء من جنس العمل، «ومن سخط» بقضاء الله وقدره وجزع، فعليه «السخط» من الله تعالى.
وهذا الحديث فيه إثبات لبعض صفات الله عز وجل: كالمحبة والرضا والسخط، فيرضى على أهل الإيمان الذين رضوا بالقضاء والقدر، ويسخط على أهل الجزع الذين لم يرضوا بقدره.
وفيه أنّ الابتلاء علامة من علامات محبة الله للعبد الذي يرضى بقضائه، فالمؤمن يعلم أن المصائب من الله، وأن الله لم يقدرها عليه لأنه يكرهه، وفي هذا دليل آخر على أن المصائب ليست علامة على بغض الله للعبد، وإنما هي دليل على محبته له، ليمحص ذنوبه، ويكفر عنه سيئاته
️ أما غالب الكفار فإنهم يُستدرَجون في هذه الدنيا، ولا يصيبهم ما يكرهون، ويفرحون في هذه الدنيا، ثم يفاجؤهم القدر فيؤخذون على حين غرة، والعياذ بالله.
️أما المؤمن، فإنه يُبتلى لأجل أن يخرج من هذه الدنيا وقد غُفرت له ذنوبه، ونال قسطه من الجزاء في الدنيا، فيخرج منها نقياً مطهراً من ذنوبه وسيئاته، ويخرج الكافر محملاً بذنوبه وسيئاته.
ولذلك شبَّه النبي ﷺ حال المؤمن فقال: «مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع من حيث أتتها الريح كفأتها، فإذا اعتدلت تُكفأ بالبلاء، والفاجر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء».
فالزرع يقلبه الهواء، وقد شبه الكافر بالأرزة، وهي شجرة صلبة لا يميلها الهواء، ولا يمكن إمالتها إلا بالكسر بخلاف المؤمن الذي شُبِّه بالخامة، وهي الطري اللين الرطب من الزرع، يميلها الهواء يميناً وشمالاً؛ ولكن الكافرين يُستدرجون، وهو سبحانه يملي لهم.
قال تعالى: *ولا يحسبن الذين كفروا أنما نُملي لهم خير لأنفسهم إنما نُملي لهم ليزدادوا إثما* [آل عمران: ١٧٨]،
وقد يسأل السائل فيقول: ما لنا نرى المسلمين في مصائب ومجاعات وقتل وخوف وقلق، وأما الكفار ففي رخاء ونعمة وقوة في هذه الدنيا؟ نقول: هذه حكمة الله جل وعلا وهذا فيه خير للمسلمين كما سبق بيانه، وأما ما يحصل للكفار من الإمداد والنعم، فهو دليل شرٍّ لهم واستدراج.
ارقام الصفحات من شرح كتاب الكبائر
{268☆269☆270☆271☆272}
#منتدى_المركز_الدولى