زكاة النقدين
قوله: (ولا زكاة في حُلِيِّهِمَا - أي: حُليِّ الذكر والأنثى - المباح المُعَدِّ للاستعمال، أو العارية؛ لقوله عليه السلام: ليس في الحُليِّ زكاةٌ. رواه الطبرانيُّ عن جابر...) إلى آخره[1].
قال في ((الإفصاح)): ((واختلفوا في زكاة الحُليِّ المباح، إذا كان مما يُلبَس ويُعار، فقال مالك[2] وأحمد[3]: لا تجب فيه الزكاة، وقال أبو حنيفة[4]: فيه الزكاة، وعن الشافعيِّ[5] قولان كالمذهبين.
واتفقوا[6] على أنه إذا خالف واتخذ أواني الذهب والفضة واقتناها فقد عصى الله سبحانه وتعالى، وفيها الزكاة))[7].
وقال البخاريُّ: ((باب ما أُدِّيَ زكاته فليس بكنزٍ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقةٌ)[8].
وذكر قول ابن عمر رضي الله عنهما حين سُئِلَ عن قول الله: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 34]، قال: من كنزها فلم يُؤَدِّ زكاتها فويلٌ له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أُنزِلَت جعلها الله طُهرًا للأموال، وذكر قصة أبي ذرٍّ قال: كنتُ بالشام فاختلفتُ أنا ومعاوية في ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 34]، قال معاوية: نزلتْ في أهل الكتاب. فقلتُ: نزلتْ فينا وفيهم...)) إلى آخره[9].
قال الحافظ: ((قوله: باب ما أُدِّيَ زكاته فليس بكنزٍ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس فيما دون خمس أواقٍ صدقةٌ).
قال ابن بطَّال[10] وغيره: وجه استدلال البخاريِّ بهذا الحديث للترجمة أن الكنز المنفيَّ هو المتوعَّد عليه الموجب لصاحبه النار، لا مطلق الكنز الذي هو أعم من ذلك، وإذا تقرر ذلك فحديث (لا صدقة فيما دون خمس أواقٍ) مفهومه أن ما زاد على الخمس ففيه الصدقة، ومقتضاه أن كل مالٍ أُخرِجَت منه الصدقة فلا وعيد على صاحبه، فلا يُسمَّى ما يفضل بعد إخراجه الصدقة كنزًا.
وقال ابن رشيد: وجه التمسُّك به أن ما دون الخمس وهو الذي لا تجب فيه الزكاة قد عفي عن الحق [فيه][11] فليس بكنزٍ قطعًا، والله قد أثنى على فاعل الزكاة، ومن أثنى عليه في واجب حق المال لم يلحقه ذمٌّ من جهة ما أُثني عليه فيه وهو المال.
قال الحافظ: ويتلخَّص أن يُقال: ما لم تجب فيه الصدقة لا يُسمَّى كنزًا؛ لأنه معفوٌّ عنه، فليكن ما أُخرِجَت منه الزكاة كذلك؛ لأنه عُفي عنه بإخراج ما وجب عنه فلا يُسمَّى كنزًا.
ثم إن لفظ الترجمة لفظ حديثٍ روي مرفوعًا، وموقوفًا عن ابن عمر رضي الله عنهما...
إلى أن قال: وأخرجه البيهقيُّ بلفظ: (كل ما أُديَت زكاته وإن كان تحت سبع أرضين فليس بكنزٍ، وكل ما لا تُؤدَّى زكاته فهو كنزٌ وإن كان ظاهرًا على وجه الأرض) أورده مرفوعًا ثم قال: ليس بمحفوظ، والمشهور وقفه[12]، وهذا يؤيد ما تقدم من أن المراد بالكنز معناه الشرعيُّ.
قال ابن عبدالبر[13]: والجمهور على أن الكنز المذموم ما لم تُؤدَّ زكاته، ويشهد له حديث أبي هريرة مرفوعًا: (إذا أدَّيت زكاة مالك، فقد قضيت ما عليك)[14].
قال: ولم يخالف في ذلك إلا طائفةٌ من أهل الزهد كأبي ذر))[15].
وقال البخاريُّ أيضًا: (((باب زكاة الوَرِق). وذكر حديث أبي سعيد[16]))[17].
قال الحافظ: ((قوله: (باب زكاة الوَرِق) أي: الفضة...
إلى أن قال: ومقدار الأوقية في هذا الحديث أربعون درهمًا بالاتفاق، والمراد بالدرهم: الخالص من الفضة سواءٌ كان مضروبًا أو غير مضروبٍ.
قال عياض[18]: قال أبو عُبيد: إن الدرهم لم يكن معلوم القدر حتى جاء عبدالملك بن مروان، فجمع العلماء فجعلوا كل عشرة دراهمَ سبعة مثاقيلَ.
قال: وهذا يلزم منه أن يكون صلى الله عليه وسلم أحال بنصاب الزكاة على أمرٍ مجهولٍ، وهو مشكِلٌ، والصواب أن معنى ما نُقل من ذلك أنه لم يكن شيء منها من ضرب الإسلام، وكانت مختلفةً في الوزن بالنسبة إلى العدد، فعشرة مثلاً وزن عشرة، وعشرة وزن ثمانية. فاتفق الرأي على أن تنقش بكتابةٍ عربيةٍ، ويصير وزنها وزنًا واحدًا.
وقال غيره: لم يتغير المثقال في جاهليةٍ ولا إسلامٍ.
وأما الدرهم فأجمعوا[19] على أن كل سبعة مثاقيل عشرة دراهم، ولم يخالف في أن نصاب الزكاة مئتا درهمٍ يبلغ مئة وأربعين مثقالاً من الفضة الخالصة إلا ابن حبيب الأندلسي، فإنه انفرد بقوله: إن أهل كل بلدٍ يتعاملون بدراهمهم.
وذكر ابن عبدالبَرِّ اختلافًا في الوزن بالنسبة إلى دراهم الأندلس وغيرها من دراهم البلاد، وكذا خرق المريسي الإجماع فاعتبر النصاب بالعدد لا الوزن، وانفرد السرخسي[20] من الشافعيَّة بحكاية وجه في المذهب أن الدراهم المغشوشة إذا بلغت قدرًا لو ضُمَّ إليه قيمة الغش من نحاسٍ - مثلاً - لبلغ نصابًا فإن الزكاة تجب فيه كما نقل عن أبي حنيفة[21].
واستدلَّ بهذا الحديث على عدم الوجوب فيما إذا نقص من النصاب ولو حبةً واحدةً، خلافًا لمن سامح بنقصٍ يسيرٍ كما نقل عن بعض المالكية[22]))[23].
وقال في ((الاختيارات)): ((وما سمَّاه الناس درهمًا وتعاملوا به، تكون أحكامه أحكام الدرهم، من وجوب الزكاة فيما يبلغ مئتين منه، والقطع بسرقة ثلاثة دراهم منه، وإلى غير ذلك من الأحكام، قَلَّ ما فيه من الفضة أو كثُرَ، وكذلك سمي دينارًا.
ونُقِلَ عن غير واحدٍ من الصحابة أنه قال: زكاة الحليِّ عاريته[24]. ولهذا تنازع أهل هذا القول: هل عليها أن تعيره لمن يستعيره إذا لم يكن في ذلك ضررٌ عليها؟ على وجهين في مذهب أحمد[25] وغيره.
والذي ينبغي إذا لم تخرج الزكاة عنه أن تعيره، وأما إن كانت تكريه ففيه الزكاة عند جمهور العلماء[26]))[27].
==================
جمهور العلماء[26]))[27].
[1] الروض المربع ص165- 166.
[2] الشرح الصغير 1/218، وحاشية الدسوقي 1/460.
[3] شرح منتهى الإرادات 2/262- 263، وكشاف القناع 5/17.
[4] فتح القدير 1/524، وحاشية ابن عابدين 2/315- 316.
[5] تحفة المحتاج 3/270- 271، ونهاية المحتاج 3/88- 89، والمجموع 5/518- 519.
[6] فتح القدير 1/524، وحاشية ابن عابدين 2/315- 316، والشرح الصغير 1/218، وحاشية الدسوقي 1/460، وتحفة المحتاج 3/270، ونهاية المحتاج 3/88، وشرح منتهى الإرادات 2/263، وكشاف القناع 5/21.
[7] الإفصاح 1/328- 329.
[8] أخرجه البخاري 1484، ومسلم 979.
[9] أخرجه البخاري 1406.
[10] شرح صحيح البخاري 3/406.
[11] ليست في الأصل والمثبت من فتح الباري.
[12] البيهقي 4/82، من طريق مُحمد بن كثير، عن سفيان، عن عبدالله بن دينارٍ عن ابن عُمرَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، به.
وأخرجه البيهقي أيضًا 4/83، من طريق ابن نمير، عن عُبيدِالله، عن نافعٍ، عن ابن عُمرَ، به، موقوفًا.
قال البيهقي: هذا هو الصحيح موقوف، وكذلك رواه جماعة عن نافع وجماعة عن عبيدالله بن عمر.
وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 2/424: الصواب وقفه.
[13] التمهيد 4/211.
[14] أخرجه الترمذي 618، وابن ماجه 1788.
قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
وقال ابن حجر في التلخيص الحبير 2/160: إسناده ضعيف.
[15] فتح الباري 3/272- 273.
[16] سبق تخريجه 2/57.
[17] فتح الباري 3/310، في ترجمة الحديث 1447.
[18] إكمال المعلم 3/464.
[19] فتح القدير 1/524، وحاشية ابن عابدين 2/313، وحاشية الدسوقي 1/455، وتحفة المحتاج 3/264، ونهاية المحتاج 3/84، وشرح منتهى الإرادات 2/256، وكشاف القناع 5/7.
[20] المجموع 5/493.
[21] انظر فتح القدير 1/523، وحاشية ابن عابدين 2/318.
[22] الشرح الصغير 1/218، وحاشية الدسوقي 1/455- 456.
[23] فتح الباري 3/310- 311.
[24] أخرجه البيهقي 4/140، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
وأخرجه ابن المنذر كما في البدر المنير 5/582، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما.
[25] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 7/23- 24.
[26] فتح القدير 1/524، وحاشية ابن عابدين 2/315- 316، والشرح الصغير 1/219، وحاشية الدسوقي 1/460، وتحفة المحتاج 3/272- 273، ونهاية المحتاج 3/90، وشرح منتهى الإرادات 2/263- 264، وكشاف القناع 5/21.
[27] الاختيارات الفقهية ص102.
۩❁
#منتدى_المركز_الدولى❁۩