خطبة جمعة في إطار التحذير من بعض الظواهر السلبية تحت عنوان
[تَحْذِيرُ عُقَلَاءِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، مِنْ ضَرَرِ الْخَمْرِ عَلَى الْإِنْسَانِ]
من إعداد: رشـيــد الـمـعاشــي
اَلْخُطْبَةُ الْأُولَى
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي زَيَّنَ الْإِنْسَانَ بِالْعَقْلِ تَمْيِيزًا لَهُ عَنِ الْحَيَوَانَاتِ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ تَنَاوُلَ كُلِّ مَا يُفْسِدُهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْخُمُورِ وَالْمُسْكِرَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي الذَّاتِ وَالْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِلَى جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، أَحَلَّ الطَّيِّبَاتِ وَيَسَّرَ لَهَا الطُّرُقَاتِ، وَحَرَّمَ الْخَبَائِثَ وَالْفَوَاحِشَ وَالْمُنْكَرَاتِ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ذَوِي الْفَضَائِلِ وَالْمَكْرُمَاتِ، وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ فِي امْتِثَالِ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابِ الْمَنْهِيَّاتِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
مِنَ الظَّوَاهِرِ السَّلْبِيَّةِ الَّتِي لَا تُخْطِئُهَا عَيْنُ النَّاظِرِينَ، ظَاهِرَةُ الْإِدْمَانِ عَلَى الْخُمُورِ فِي مُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَحِرْصِ الْكَثِيرِ مِنَ النَّاسِ عَلَى إِذْهَابِ الْعَقْلِ وَالدُّخُولِ فِي عَالَمِ الْمَجَانِينِ، فَكَمْ هُدِمَتْ بِسَبَبِ الْخُمُورِ بُيُوتٌ عَامِرَةٌ، وَكَمْ ضُيِّعَتْ بِسَبَبِهَا أَمْوَالٌ فِي وُجُوهٍ مُحَرَّمَةٍ، إِنَّهَا مَرَضٌ دَمَّرَ الْكَثِيرَ مِنَ الشَّبَابِ وَالْكُهُولِ وَالشُّيَّابِ، وَقَضَى عَلَى مُسْتَقْبَلِ الْكَثِيرِ مِنَ ذَوِي الْعُقُولِ وَالْأَلْبَابِ، لِذَلِكُمْ سَيَكُونُ عُنْوَانُ خُطْبَتِنَا لِهَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ: تَحْذِيرُ عُقَلَاءِ أَهْلِ الْإِيمَانِ، مِنْ ضَرَرِ الْخَمْرِ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَسَيَنْتَظِمُ كَلَامُنَا حَوْلَ هَذَا الْعُنْوَانِ فِي ثَلَاثَةِ عَنَاصِرَ:
اَلْعُنْصُرُ الْأَوَّلُ: مَفْهُومُ الْخَمْرِ وَحُكْمُهَا، فَالْخَمْرُ لُغَةً هُوَ: اَلتَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ، وَمِنْهُ: خِمَارُ الْمَرْأَةِ، وَالْخَمْرُ اصْطِلَاحًا هِيَ: كُلُّ مَا يُسْكِرُ قَلِيلُهُ أَوْ كَثِيرُهُ، سَوَاءٌ اِتُّخِذَ مِنَ الْعِنَبِ أَوِ التَّمْرِ، أَوِ الْحِنْطَةِ أَوِ الشَّعِيرِ أَوْ غَيْرِهَا. قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: وَسُمِّيَتِ الْخَمْرُ خَمْرًا لِأَنَّهَا تُرِكَتْ فَاخْتَمَرَتْ، وَاخْتِمَارُهَا تَغَيُّرُ رِيحِهَا. وَيُقَالُ أَيْضًا: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمُخَامَرَتِهَا الْعَقْلَ، أَيْ: لِتَغْطِيَتِهَا إِيَّاهُ. وَقَدْ عَدَّ الشَّرْعُ الْحَكِيمُ شُرْبَ الْخَمْرِ مِنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ، اَلَّتِي تَسْتَوْجِبُ غَضَبَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ الْآيَاتِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ ﷺ يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ.
اَلْعُنْصُرُ الثَّانِي: عَاقِبَةُ الْخَمْرِ فِي الدُّنْيَا، رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لَهُ: لَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ. فَلَا يَخْفَى عَلَى الْعَاقِلِ مَا فِي الْخَمْرِ مِنْ أَضْرَارٍ جَسِيمَةٍ عَلَى الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ، فَهِيَ تُفْسِدُ عَقْلَ الْإِنْسَانِ وَتَهْوِي بِهِ إِلَى مُسْتَوَى الْحَيَوَانَاتِ، وَتُوقِعُ شَارِبَهَا فِي بِحَارِ الْفَضِيحَةِ وَالرَّذِيلَةِ وَالْعَارِ، وَتَهْتِكُ لِلْبُيُوتِ مَالَهَا مِنَ الْخَبَايَا وَالْأَسْتَارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ. وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: اِجْتَنِبُواْ الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ، فَعَلِقَتْهُ (أَيْ: عَشِقَتْهُ وَأَحَبَّتْهُ) امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا، فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا، أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ، قَالَ: فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا، فَسَقَتْهُ كَأْسًا، قَالَ: زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ - أَيْ: لَمْ يَبْرَحْ - حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ، فَاجْتَنِبُواْ الْخَمْرَ، فَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلَّا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ.
نَفَعَنِي اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِكِتَابِـهِ الْـمُبِينِ، وَبِسُنَّـةِ نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى الْكَرِيـمِ، وَأَجَارَنِـي وَإِيَّاكُمْ مِنْ عَذَابِهِ الْـمُـهِينِ، وَجَعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنَ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَـوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ آمِينَ، وَآخِــرُ دَعْـوَانَا أَنِ الْـحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
اَلْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَليُّ الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرينَ، صَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَمَنِ اِقْتَفَى أَثَرَهُمْ وَسَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ فَيَا أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ:
اَلْعُنْصُرُ الثَّالِثُ: عَاقِبَةُ الْخَمْرِ فِي الْآخِرَةِ، فَشُرْبُ الْخَمْرِ وَالْإِدْمَانُ عَلَيْهَا يُعَرِّضُ الْعَبْدَ لِلَعْنَةِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا قَبْلَ الْمَوْتِ دَخَلَ جَهَنَّمَ وَبِيسَ الْقَرَارُ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ﷺ قَالَ: لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ رَجُلٌ مِنْ أُمَّتِي فَيَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَلَاةً أَرْبَعِينَ يَوْمًا. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ جَيْشَانَ - اِسْمُ مَوْضِعٍ فِي الْيَمَنِ - فَسَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ، يُقَالُ لَهُ: اَلْمِزْرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ. قَالُواْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ. فَاتَّقُواْ اللَّهَ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُسْلِمُونَ -، وَاجْتَنِبُواْ الْمُسْكِرَاتِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ، وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.
اَلدُّعَاءُ