فصل في مبطلات الصلاة
س)-
سمعنا لك أحد الأشرطة ذكرت فيها: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام ليؤم
أصحابه فتذكر أنه ليس على طهارة، فقال: الزموا أماكنكم، فذهب فرجع وهو يقطر
ماءً، فكبر وصلى). فذكرت أنت هناك كلمة البناء أنه بنى، فكيف تتم عملية
البناء أولاً؟ ثم هل في هذه الصلاة -في هذا الحديث الذي ذكر- هل كان صلى
الله عليه وسلم قد صلى بهم ثم ذهب ليغتسل، أم قبل التكبير؟
هناك حديثان
اثنان: أحدهما من حديث أبي هريرة، والآخر من حديث أبي بكرة الثقفي، الحديث
الأول يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليصلي صلاة الفجر فتذكر قبل
أن يكبر أنه على جنابة، فذهب واغتسل وجاء وصلى بهم) هذا الحديث ليس
موضوعنا. الحديث الثاني وهو بحثنا: حديث أبي بكرة : (أن النبي صلى الله
عليه وسلم كبر ذات يوم لصلاة الفجر، ثم تذكر، فأشار إليهم أن مكانكم، فذهب
وجاء ورأسه يقطر ماءً، فصلى بهم) هذا الحديث الثاني، ونحن نقول: إن هذا
الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما صلى من قبل. وهنا مسألة
خلافية بين العلماء: إذا وقع للمصلي ما يبطل صلاته، كأن يكون -مثلاً- وهو
يصلي خرج منه ناقض للوضوء على خلاف النواقض المعروفة عند العلماء، مثلاً:
رعف، فمن يقول: إن الرعاف ينقض الوضوء، فهذا قد بطل وضوءه، خرج الدم فبطل
وضوءه عند من يقول به، أما النواقض كما قال عليه الصلاة والسلام: (فلا
ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فهذه نواقض متفق عليها، فأي ناقض خرج
من المصلي ثم ذهب وتوضأ، فهل يبني على صلاته، أي: يعتبر الصلاة الماضية
التي صلاها على طهارة ثم انتقضت هذه الطهارة، هذه الطهارة المنتقضة هل نقضت
الصلاة السابقة، أم تبقى هذه الصلاة صحيحة؟ فهنا قولان للعلماء: منهم من
يقول: يبني على ما مضى، كأن يكون صلى ركعة -مثلاً- فانتقض وضوءه بناقض من
النواقض، فمعنى يبني أي: أن الركعة التي صلاها ما دام صلاها على طهارة فهي
ركعة صحيحة، فإذا جدد وضوءه يبني، أي: لو كان يصلي الصبح فلا يأتي بركعتين
وإنما يأتي بركعة واحدة. أما من يقول: إنه يستأنف الصلاة، فمعنى ذلك: أن
هذه الركعة لا قيمة لها، فهو يبتدئ الصلاة من جديد. حديث أبي بكرة من
الأحاديث الصحيحة التي ترجح أن من عرض له ما يبطل صلاته فيبني على ما صلى
ما دام أنه كان معذوراً، ومن الأعذار النسيان، وهذا ما وقع للرسول عليه
السلام في قصة أبي بكرة، حيث دخل في الصلاة وهو جنب، فذهب واغتسل وجاء
ورأسه يقطر ماء فصلى، وما قال: ابتدأ الصلاة. هذه ناحية. والناحية الأخرى:
أنه عليه السلام لو كان يريد أن يبين لأمته مثل هذه الحادثة التي وقعت له،
لم يكن به من حاجة بأن يشير إليهم، وأن يقول لهم إشارة بيده أن مكانكم،
وإنما يقول لهم بلسانه: أنا بطلت صلاتي؛ لأني تذكرت أنني على غير طهارة
فاجلسوا استريحوا حتى آتيكم. وثانياً: أن يوقفهم كأنهم في الصلاة، وهم
حقيقة في الصلاة. فهذه علامات تؤكد أن قوله: فصلى. أي: أتم الصلاة، فإذاًَ
وضح لك ما هو المقصود بكلمة البناء هنا.
السائل: أريد إيضاحاً آخر بارك
الله فيك: أنه كان على جنابة، فإذا صلى بهم ركعة -على سبيل المثال- أي: أن
الإمام صلى بهم ركعة، فكما قلت أنه يبني بهم على الركعة الأولى، ألا نقول:
إن هناك القاعدة التي تقول: ما بني على فاسد فهو فاسد. فصلاته أصلاً كانت
فاسدة؛ لأنه أصلاً كان على جنابة!
الجواب: ما هو الدليل على أنها فاسدة؟
السائل: لأنه كان جنباً عندما دخل في الصلاة.
الشيخ:
ما عليك يا أخي، لكن نحن نقول: هذا غير متعمد (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا
إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286] هذا السؤال يشبه تماماً: ما
حكم من يأكل في رمضان ناسياً هل يبطل صيامه؟ الجواب: لا. لأنه كان ناسياً،
فهل يصح أن نقيس الناسي على العامد؟ فنقول: الذي يأكل ناسياً في رمضان
كالذي يأكل عامداً في رمضان؟ لا يستويان مثلاً. فحينما نريد أن نقول: ما
بني على فاسد فهو فاسد. القاعدة صحيحة، لكن سنطبق القاعدة نفسها: ما بني
على فاسد فهو فاسد. نحن نقول: أنت تبني على فاسد، لماذا؟ لأنه لا دليل على
أن الذي يصلي وهو ناسٍ لوضوئه وتذكر هذا الوضوء، أو ناسي لجنابته فتذكرها
وهو في الصلاة فبنى عليها، أنه بنى على فاسد، لا. نحن بحاجة إلى دليل،
والدليل الآن على خلاف المدعى.
السائل: لماذا نقول: إن الذي يصلي
الصلاة تامة على غير طهارة وهو ناسٍ نقول مثلاً: إنه يتبع الحديث، بمعنى:
أن النبي عليه الصلاة والسلام اعتد بركعة؟
الشيخ: لو كان الحديث بعد
الصلاة، ولو كانت القصة كما وقع لـعمر لقلنا بالحديث، لكن الحديث خاص في
جزئية طبقناها، فأثر عمر كان في جزئية أعم من ذلك، فطبقناه ووضعنا كل شيء
في مكانه.
السائل: شيخنا! هذه المسألة بالذات، بعض المذاهب يشيرون إلى
استدبار القبلة، إذاً كيف العمل هنا بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا
شك أنه استدبر القبلة؟
الجواب: لا نقول نحن: لا شك، يمكن هذا هنا،
يمكن أن إنساناً إذا تذكر ألا ينحرف عن القبلة، يأتي ويقف هنا ويتوضأ، يمكن
هذا، فإذا أمكن فعليه أن يحرص ألا ينحرف عن القبلة، أما إذا كان ولا بد
لأن المكان في وضع -مثلاً- دبر القبلة، فلا بد له أن يذهب إليها منحرفاً عن
القبلة، فالانحراف عن القبلة كالحدث تماماً، أي: استقبال القبلة شرط،
والطهارة شرط، لكن هذه الطهارة إذا اغتفرت بسبب عذر شرعي، فكذلك استدبار
القبلة يلحق بنفس الحكم هذا عندما لا يمكن إلا كذلك. دروس ومحاضرات مفرغة
من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- إذا كان الإمام تذكر في ركوعه أو
سجوده فهل يبقي المصلين على هذه الهيئة؟ ومن فهمنا من الحديث السابق أنه
أشار إليهم، هل يعني هذا أنه لا يجوز له أن يتكلم معهم؟
هذا يختلف
باختلاف الجماعة الذين يؤمهم، فإذا كانوا ربوا على عينه، ويفهمون عليه إذا
أشار إليهم أن مكانكم؛ فلا يجوز له أن يتكلم؛ لأنه لا يزال في صلاة، أما
إذا كانوا ليسوا كذلك كما هو واقع اليوم؛ فحينئذٍ لابد أن ينيب أحدهم، وهذا
مما يترتب على الحكم السابق، أي: تبقى الصلاة السابقة صحيحة، فيقدم أحدهم
ليتم بهم الصلاة، فالمسألة إذاً تختلف من جماعة إلى أخرى.
السائل: حين يرجع الإمام إلى مكانه، على افتراض أنه رجع وأدرك شيئاً من الصلاة، كيف يكون وضعه الآن؟
الجواب:
انظر كيف وضعه: نفترض أنه كان يصلي الفجر فصلى بهم ركعة فيأتي هو ويكمل
على حسب الوضع، إن كان فيما سبق أكمل الركعة، أي: بركوعها وسجدتيها، فيعتبر
أنه أدرك ركعة، وإلا فما يكون صلى ركعة، فيصلي هو ركعتين.
السائل: يا شيخنا! يُحرم من جديد أم؟
الشيخ: لا يحرم.
السائل: إذاً ليس هو في داخل الصلاة؟
الشيخ:
إذا لم يتكلم ولم يفعل شيئاً يبطل الصلاة عمداً فهو في صلاة، وما أدري
أخذت جواب سؤالك أم لا؟ السائل: إذا أحدث وهو في التشهد؟
الشيخ: يعود إلى التشهد.
السائل: ما يسلم؟
الشيخ: ما يسلم؛ لأن الخروج بالسلام هو ركن من أركان الصلاة.
السائل: ولو كان بعد التسليمة الأولى؟
الشيخ: انتهى الأمر. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)-
روى مالك في الموطأ بإسناد صحيح إلى ابن عمر [أنه أصابه رعاف في الصلاة،
ثم خرج فتوضأ فعاد وبنى على صلاته]. فهل يعني من هذا أن ابن عمر يرى بطلان
الصلاة بسبب الرعاف؟
هذا يفهم، ولكن لا يتم الاستدلال إلا إذا كان هناك
دليل على أن ابن عمر يرى أن الرعاف ناقض للوضوء، حينئذٍ يكون هذا نص معنا
في الموضوع، لكن يمكن أن يكون هذا ليس دليلاً قاطعاً إذا كان ابن عمر لا
يرى أن الرعاف ينقض الوضوء، وإذا كان هناك نص يرى فيه ابن عمر أن الرعاف
ناقض فهذا يكون شاهد للحديث المذكور آنفاً. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات
الشبكة الإسلامية .
فصل في ما يكره فعله في الصلاة
س)- ما حكم الصلاة بين السواري؟
عن معاوية بن قرة عن أبيه قال : (كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ
السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا) ، وهذا الحديث نص صريح في ترك الصف
بين السواري ، وأن الواجب أن يتقدم أو يتأخر ، إلا عند الاضطرار.
وقد روى ابن القاسم في "المدونة" ، والبيهقي من طريق أبي إسحاق عن معدي كرب عن ابن مسعود أنه قال : (لا تصفوا بين السواري).
وقال البيهقي : (وهذا ـ والله أعلم ـ لأن الاسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف).
وقال مالك : (لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد).
وفي
"المغني" لابن قدامة : (لا يكره للإمام أن يقف بين السواري ، ويكره
للمأمومين ؛ لأنها تقطع صفوفهم ، وكرهه ابن مسعود والنخعي ، وروي عن حذيفة
وابن عباس ، ورخص فيه ابن سيرين ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر ؛ لأنه لا
دليل على المنع ، ولنا ما روي عن معاوية ابن قرة . . . ولأنها تقطع الصف ،
فإن كان الصف صغيراً قدر ما بين الساريتين ؛ لم يكره ؛ لأنه لا ينقطع بها).
وفي
"فتح الباري" : (قال المحب الطبري : كره قوم الصف بين السواري للنهي
الوارد في ذلك ، ومحل الكراهة عند عدم الضيق ، والحكمة فيه إما لانقطاع
الصف ، أو لأنه موضع النعال .انتهى . وقال القرطبي : روي في سبب كراهة ذلك
أنه مصلى الجن المؤمنين).
قلت: وفي حكم السارية المنبر الطويل ذو
الدرجات الكثيرة ، فإنه يقطع الصف الأول ، وتارة الثاني أيضاً ؛ قال
الغزالي في " الإحياء " : (إن المنبر يقطع بعض الصفوف ، وإنما الصف الأول
الواحد المتصل الذي في فناء المنبر ، وما على طرفيه مقطوع ، وكان الثوري
يقول : الصف الأول ، هو الخارج بين يدي المنبر ، وهو متجه ؛ لأنه متصل ،
ولأن الجالس فيه يقابل الخطيب ويسمع منه).
قلت: وإنما يقطع المنبر الصف
إذا كان مخالفاً لمنبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان له ثلاث درجات ،
فلا ينقطع الصف بمثله ، لأن الإمام يقف بجانب الدرجة الدنيا منها ، فكان
من شؤم مخالفة السنة في المنبر الوقوع في النهي الذي في هذا الحديث .
ومثل
ذلك في قطع الصف المدافىء التي توضع في بعض المساجد وضعاً يترتب منه قطع
الصف؛ دون أن ينتبه لهذا المحذور إمام المسجد أو أحد من المصلين فيه؛
لِـبُعْـد الناس أولاً عن التفقه في الدين ، وثانياً لعدم مبالاتهم
بالابتعاد عما نهى عنه الشارع وكرهه.
وينبغي أن يُعلَم أن كل من سعى إلى
وضع منبر طويل قاطع للصفوف، أو يضع المدفئة التي تقطع الصف ؛ فإنه يخشى أن
يلحقه نصيب وافر من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (. . . ومن قطع صفاً
قطعه الله) ، أخرجه أبو داود بسند صحيح ؛ كما بينته في صحيح أبي
داود.انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم335.
س)- ما حكم المبادرة إلى صلاة السنة بعد الفريضة دون تكلم أو خروج؟
عن
عبد الله بن رباح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر , فقام رجل يصلي , فرآه عمر , فقال له :
اجلس , فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل . فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : أحسن ابن الخطاب ، فهذا الحديث نص صريح في تحريم
المبادرة إلى صلاة السنة بعد الفريضة دون تكلم أو خروج , كما يفعله كثير من
الأعاجم و بخاصة منهم الأتراك , فإننا نراهم في الحرمين الشريفين لا يكاد
الإمام يسلم من الفريضة إلا بادر هؤلاء من هنا و هناك قياما إلى السنة!
انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2549.
س)- ما حكم قول بعض الأئمة للمصلين عند اصطفافهم للصلاة صلوا صلاة مودع؟
اعتاد
بعض الأئمة أن يأمروا المصلين عند اصطفافهم للصلاة بقوله : "صلوا صلاة
مودع" , فأرى أنه لا بأس في ذلك أحيانا , و أما اتخاذه عادة فمحدثة و بدعة.
انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2839.
س)- ما حكم عقص الشعر في الصلاة؟
أخرج
ابن ماجة (1/323) و أحمد (6/8و391) و الدارمي (1/320) نحوه عن مخول قال :
سمعت أبا سعد - رجلا من أهل المدينة - يقول : "رأيت أبا رافع مولى رسول
الله صلى الله عليه وسلم رأى الحسن و هو يصلي و قد عقص شعره , فأطلقه , أو
نهى عنه , و قال : (نهى أن يصلي الرجل و هو عاقص شعره).
قوله : "معقوص
الشعر" : أي : مجموع بعضه إلى بعض كالمضفور و هذا - بالطبع - لمن كان له
شعر طويل على عادة العرب قديما , و في بعض البلاد حديثا , فنهى عن ذلك , و
أمر بنشره , ليكون سجوده أتم , كما يستفاد من "النهاية" و غيره . و انظر
"صفة الصلاة" (ص151- الطبعة الخامسة). انتهى كلام الالباني من السلسلة
الصحيحة الحديث رقم2386.
فصل في ما يباح فعله في الصلاة
س)- ما حكم الركوع دون الصف ثم المشي إليه؟
قال
صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع ؛ فليركع حين يدخل ،
ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف ؛ فإن ذلك السنة) ، ومما يشهد لصحته عمل
الصحابة به من بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , منهم أبوبكر
الصديق , وزيد بن ثابت , وعبدالله بن مسعود , وعبدالله بن الزبير.
1-
روى البيهقي عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام : أن أبابكر الصديق
وزيد بن ثابت دخلا المسجد والإمام راكع , فركعا , ثم دبا وهما راكعان حتى
لحقا بالصف.
2- عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه رأى زيد بن ثابت دخل
المسجد والإمام راكع , فمشى حتى أمكنه أن يصل الصف وهو راكع , كبر فركع ,
ثم دب وهو راكع حتى وصل الصف.
3- عن زيد بن وهب قال : خرجت مع عبدالله –
يعني ابن مسعود – من داره إلى المسجد , فلما توسطنا المسجد , ركع الإمام ,
فكبر عبدالله وركع وركعت معه , ثم مشينا راكعين حتى انتهينا إلى الصف حين
رفع القوم رؤوسهم , فلما قضى الإمام الصلاة , قمت وأنا أرى أني لم أدرك ,
فأخذ عبدالله بيدي وأجلسني , ثم قال: أنك قد أدركت.
4- عن عثمان بن
الأسود قال : دخلت أنا وعبدالله بن تميم المسجد , فركع الإمام , فركعت أنا
وهو ومشينا راكعين حتى دخلنا الصف , فلما قضينا الصلاة , قال لي عمرو :
الذي صنعت آنفاَ ممن سمعته ؟ قلت من مجاهد , قال : قد رأيت ابن الزبير
فعله.
والآثار في ذلك كثيرة , فمن شاء الزيادة , فليراجع المصنفين.
فإن قيل : هناك حديث آخر صحيح يخالف بظاهره هذا الحديث وهو: (زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ).
والقصد
من ذكره هنا أن ظاهره يدل على أنه لا يجوز الركوع دون الصف ثم المشي إليه ,
على خلاف ما دل عليه الحديث السابق , فكيف التوفيق بينهما؟
فأقول : إن
هذا الحديث لا يدل على ما ذكر إلا بطريق الاستنباط لا النص , فإن قوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا تعد) , يحتمل أنه نهاه عن كل ما
ثبت أنه فعله في هذه الحادثة , وقد تبين لنا بعد التتبع أنها تتضمن ثلاثة
أمور:
الأول : اعتداده بالركعة التي إنما أدرك منها ركوعها فقط.
الثاني
: إسراعه في المشي , كما في رواية لآحمد من طريق أخرى عن أَبِي بَكْرَةَ
أنه : جَاءَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ
فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ نَعْلِ
أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ يَحْضُرُ [أي يعدو] يُرِيدُ أَنْ يُدْرِكَ
الرَّكْعَةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ السَّاعِي قَالَ أَبُو بَكْرَةَ أَنَا قَالَ :
(فذكره) , وأسناده حسن في المتابعات , وقد رواه أبن السكن في صحيحه نحوه ,
وفيه قوله : (ان انطلقت أسعى ...) , وأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال : (من الساعي ...) ، ويشهد لهذه الرواية رواية الطحاوي من
الطريق الأول بلفظ (جئت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكع ,
وقد حفزني النفس , فركعت دون الصف ...) الحديث وأسناده صحيح , فإن قوله :
(حفزني النفس) , معناه : اشتد ، من الحفز وهو الحث والإعجال , وذلك كناية
عن العدو.
الثالث : ركوعه دون الصف , ثم مشيه إليه.
وإذا تبين لنا
ما سبق , فهل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا تعد) نهي عن
الأمور الثلاثة جميعها أم عن بعضها ؟ ذلك ما أريد البحث فيه وتحقيق الكلام
عليه فأقول:
أما الأمر الأول , فالظاهر أنه لا يدخل في النهي , لانه لو
كان نهاه عنه , لأمره بإعادة الصلاة , لكونها خداجاً ناقصة الركعة , فإذا
لم يأمره بذلك , دل على صحتها , وعلى عدم شمول النهي الاعتداد بالركعة
بإدرك ركوعها.
وقول الصنعاني في سبل السلام : (لعله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمره لأنه كان جاهلاً للحكم والجهل عذر) فبعيد جداً
إذ قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ للمسيء صلاته بإعادتها ثلاث مرات , مع أنه كان جاهلاً أيضاً فكيف
يأمره بالإعادة وهو لم يفوت ركعة من صلاته , وإنما الاطمئنان فيها , لا
يأمر أبا بكرة بإعادة الصلاة , وقد فوت على نفسه ركعة , لو كانت لا تدرك
بالركوع ؟ ثم كيف يعقل أن يكون ذلك منهياً , وقد فعله كبار الصحابة , كما
تقدم في الحديث الذي قبله ؟ فلذلك , فإننا نقطع أن هذا الأمر الأول لا يدخل
في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا تعد).
وأما الأمر
الثاني , فلا نشك في دخوله في النهي , لما سبق ذكره من الرويات , ولأنه لا
معارض له , بل هناك ما يشهد له وهو حديث أبي هريرة مرفوعاً : (إِذَا
أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا
وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ والوقار) , متفق عليه.
وأما الأمر الثالث ,
فهو موضع نظر وتأمل , وذلك لأن ظاهر رواية أبي داود هذه (أَيُّكُمْ
الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ) , مع قوله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له (لا تعد) , يدل بإطلاقه على أنه قد
يشمل هذا الأمر , وإن كان ليس نصاً في ذلك , لاحتمال أنه يعني شيئاً آخر
غير هذا مما فعل , وليس يعني نهيه عن كل ما فعل , بدليل أنه لم يعن الأمر
الأول كما سبق تقريره , فكذلك يحتمل أنه لم يعن هذا الأمر الثالث أيضاً.
وهذا
وإن كان خلاف الظاهر , فإن العلماء كثيراً ما يضطرون لترك ما دل عليه ظاهر
النص لمخالفته لنص آخر هو في دلالته نص قاطع , مثل ترك مفهوم النص لمنطوق
نص آخر , وترك العام للخاص , ونحو ذلك.
وأنا أرى أن ما نحن فيه الآن من
هذا القبيل , فإن ظاهر هذا الحديث من حيث شموله للركوع دون الصف مخالف
لخصوص ما دل عليه حديث عبدالله بن الزبير دلالة صريحة قاطعة , وإذا كان
الأمر كذلك , فلا بد حينئذ من ترجيح أحد الدليلين على الآخر , ولا يشك عالم
أن النص الصريح أرجح عند التعارض من دلالة ظاهر نص ما , لأن هذا دلالته
على وجه الاحتمال , بخلاف الذي قبله , وقد ذكروا في وجوه الترجيح بين
الأحاديث أن يكون الحكم الذي تضمنه أحد الحديثين منطوقاً به , وما تضمنه
الحديث الآخر يكون محتملاً , ومما لا شك فيه أيضاً أن دلالة هذا الحديث في
هذه المسألة ليست قاطعة , بل محتملة , بخلاف دلالة حديث ابن الزبير المتقدم
, فإن دلالته عليها قاطعة , فكان ذلك من أسباب ترجيحه على هذا الحديث.
وثمة أسباب أخرى تؤكد الترجيح المذكور:
أولاً
: خطبة ابن الزبير بحديثه على المنبر في أكبر جمع يخطب عليهم في المسجد
الحرام , وإعلانه عليه أن ذلك من السنة دون أن يعارضه أحد.
ثانياً : عمل
كبار الصحابة به , كأبي بكر وابن مسعود وزيد بن ثابت – كما تقدم – وغيرهم ,
فذلك من المرجحات المعروفة في علم الأصول , بخلاف هذا الحديث , فإننا لا
نعلم أن أحداً من الصحابة قال بما دل عليه ظاهره في هذه المسألة , فكان ذلك
كله دليلاً قوياً على أن دلالته فيها مرجوحة , وأن حديث ابن الزبير هو
الراجح في الدلالة عليها , والله أعلم.
وقد قال الصنعاني بعد قول ابن جريج في عقب هذا الحديث : (وقد رأيت عطاء يصنع ذلك).
قال
الصنعاني : (قلت : وكأنه مبني على أن لفظ : [ولاتعد] بضم المثناة الفوقية
من الإعادة , أي : زادك الله حرصاً على طلب الخير , ولا تعد صلاتك , فإنها
صحيحة , وروي بسكون العين المهملة من العدو , وتؤيده رواية ابن السكن من
حديث أبي بكرة [ثم ساقها , وقد سبق نحوها من رواية أحمد , مع الإشارة إلى
رواية ابن السكن هذه , ثم قال] والأقرب أن رواية : [ولاتعد] , من العود ,
أي : لا تعد ساعياً إلى الدخول قبل وصولك الصف , فإنه ليس في الكلام ما
يشير بفساد صلاته حتى يفتيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن لا
يعيدها , بل قوله: [زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا] , يشعر بإجزائها , أو :
[لاتعد] , من [العدو]).
قلت : لو صح هذا اللفظ لكانت دلالة الحديث حينئذ
خاصة في النهي عن الإسراع , ولما دخل فيه الركوع خارج الصف , ولم يوجد
بالتالي أي تعارض بينه وبين حديث ابن الزبير , ولكن الظاهر أن هذا اللفظ لم
يثبت فقد وقع في صحيح البخاري وغيره باللفظ المشهور : [لا تعد].
قال الحافظ في الفتح : (ضبطناه في جميع الرويات بفتح أوله وضم العين من العود).
ثم ذكر هذا اللفظ , ولكنه رجح ما في البخاري , فراجعه إن شئت.
ويتلخص
مما تقدم أن هذا النهي لا يشمل الاعتداد بالركعة ولا الركوع دون الصف ,
وإنما هو خاص بالإسراع , لمنافاته للسكينة والوقار , كما تقدم التصريح بذلك
من حديث أبي هريرة , وبهذا فسره الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : (قوله :
[لاتعد] يشبه قوله : [لا تأتوا الصلاة تسعون]).
فإن قيل قد ورد ما يؤيد
شمول الحديث للأسراع , ويخالف حديث ابن الزبير صراحة وهو حديث أبي هريرة
مرفوعا : (إذا أتى أحدكم الصلاة , فلا يركع دون الصف , حتى يأخذ مكانه من
الصف).
قلنا لكنه حديث معلول بعلة خفية , وليس هذا مكان بيانها فراجع سلسلة الأحاديث الضعيفة.
ثم أن الحديث ترجم له أبن خزيمة بقوله
باب الرخصة في ركوع المأموم قبل اتصاله بالصف ودبيبه راكعاً حتي يتصل بالصف في ركوعه).
ثم
وجدت ما يؤيد هذه الترجمة من قول راوي الحديث نفسه , أبي بكرة الثقفي رضي
الله عنه , كما يؤكد أن النهي فيه : [لاتعد] , لا يعني الركوع دون الصف ,
والمشي إليه , ولا يشمل الاعتداد بالركعة , فقد روى علي بن حجر في حديثه ,
حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني : حدثنا حميد , عن القاسم بن ربيعة , عن أبي
بكرة – رجل كانت له صحبة – أنه (كان يخرج من بيته فيجد الناس قد ركعوا ,
فيركع معهم , ثم يدرج راكعاً حتى يدخل في الصف و ثم يعتد بها) , قلت وهذا
إسناد صحيح , وفيه حجة قوية أن المقصود بالنهي إنما هو الإسراع في المشي ,
لأن راوي الحديث أدرى بمرويه من غيره , ولا سيما إذا كان هو المخاطب بالنهي
, فخذها , فإنها عزيزة قد لا تجدها في المطولات من كتب الحديث والتخريج
وبالله التوفيق. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم229.
س)- ما حكم رد السلام والمصافحة في الصلاة؟
صح
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير في الصلاة , رواه أنس و جابر و
غيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدارقطني : رواه ابن عمر و عائشة
أيضا " .
و أما مصافحة المصلي , فهي و إن لم ترد عن النبي صلى الله عليه
وسلم فيما علمت, فلا دليل على بطلان الصلاة , لأنها عمل قليل , لا سيما و
قد فعلها عبد الله ابن عباس رضي الله عنه , فقال عطاء بن أبي رباح : " أن
رجلا سلم على ابن عباس , و هو في الصلاة , فأخذ بيده , و صافحه و غمز يده
".
و ليس كل عمل في الصلاة يبطلها , فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها
قالت : "جئت و رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في البيت , و الباب عليه
مغلق , فمشى [عن يمينه أو يساره] حتى فتح لي ثم رجع إلى مقامه , و وصفت
الباب في القبلة".
أخرجه أصحاب السنن و حسنه الترمذي و صححه ابن حبان و
عبد الحق في "الأحكام" و إسناده حسن كما بينته في "صحيح أبي داود". انتهى
كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1104.
س)- ما حكم التسبيح والتصفيق في الصلاة للحاجة؟
قال عليه الصلاة والسلام (إذا استؤذن على الرجل وهو يصلي , فإذنه التسبيح ,
وإذا استؤذن على المرأة وهي تصلي , فإذنها التصفيق) ، وفي الحديث إشارة
إلى ضعف الحديث الذي يورده الحنفية بلفظ : (من أشار في صلاته إشارة تفهم
عنه , فليعد صلاته) , فإن هذا الحديث الصحيح صريح في جواز الإشارة بالإذن
بلفظ التسبيح من الرجل , وبالتصفيق من المرأة , فكيف لا يجوز ذلك بالإشارة
باليد أو الرأس ؟ ولا سيما وقد جاءت أحاديث كثيرة بجواز ذلك , وقد خرجت
بعضها في "صحيح أبي داود" وبينت علة الحديث المذكور في الإشارة المفهمة في
الأحاديث الضعيفة , ثم في ضعيف أبي داود. انتهى كلام الالباني من السلسلة
الصحيحة الحديث رقم497.
س)- ما حكم الصلاة في اللحاف الذي يتغطى به النائم؟
يجوز
الصلاة في اللحاف الذي يتغطى به النائم . و يشهد له الأحاديث التي فيها أن
النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي و عليه مرط , و على بعض أزواجه منه و
هي حائض , و بعضها مخرج في "صحيح أبي داود" , و لا يخالفها حديث عائشة:
"كان لا يصلي في ملاحفنا" لأنه محمول على الورع أو الاحتياط , خشية أن يكون
فيها أذى لحديث معاوية رضي الله عنه أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى
الله عليه وسلم : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي
يجامعها فيه ? فقالت : " نعم , إذا لم ير فيه أذى " . أخرجه أصحاب السنن
إلا الترمذي ,و إسناده صحيح , وهو مخرج في صحيح أبي داود. انتهى كلام
الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2791.
س)- ما حكم إلقاء السلام على المصلي؟
إن
رد السلام من المصلي لفظا كان مشروعا في أول الإسلام في مكة , ثم نسخ إلى
رده بالإشارة في المدينة . و إذا كان ذلك كذلك , ففيه استحباب إلقاء السلام
على المصلي , لإقراره صلى الله عليه وسلم ابن مسعود على " إلقائه " , كما
أقر على ذلك غيره ممن كانوا يسلمون عليه و هو يصلي , و في ذلك أحاديث كثيرة
معروفة من طرق مختلفة , و هي مخرجة في غير ما موضع .
و على ذلك فعلى
أنصار السنة التمسك بها , و التلطف في تبليغها و تطبيقها , فإن الناس
أعداء لما جهلوا , و لاسيما أهل الأهواء و البدع منهم. انتهى كلام الالباني
من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2917.
فصل في سجود السهو
س)- إذا شك المصلي في عدد الركعات هل يبنى على الأقل المتيقن له ثم يسجد للسهو؟
من
لم يغلب على رأيه شئ ، فهذا هو الذي يبني على الأقل ، وأما من ظهر له
الصواب ، ولو كان الأكثر ، فإنه يأخذ به ويبني عليه ، وذلك قوله صلى الله
عليه وآله : " إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب (في رواية : فلينظر
أحرى ذلك إلى الصواب . وفي أخرى : فلينظر الذي يرى أنه الصواب . وفي أخرى :
فليتحر أقرب ذلك من الصراب) ، فليتم عليه ، ثم ليسلم ، ثم يسجد سجدتين" .
أخرجه الشيخان وأبو عوانة في "صحاحهم" ، والرواية الثانية والثالثة لهم إلا
البخاري ، والرابعة للنسائي ، وهو عندهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
وقد سلم النووي رحمه الله بأن الحديث ظاهر الدلالة على الأخذ بغالب الظن ،
وعدم الاقتصار على الأقل كما هو مذهب أبي حنيفة . ولكن النووي رحمه الله
تأول الحديث وأخرجه عن ظاهره حتى يتفق مع مذهبه ، فحمل قوله فيه : "فليتحر "
على الأخذ باليقين الذي هو الأقل ! ولا يخفى على المنصف بعد هذا التأويل ،
بل بطلانه إذا أمعن النظر في الروايات التي ذكرتها للحديث مثل قوله : "
فلينظر الذي يرى أنه الصواب" ، فإنه كالصريح في الأخذ بما يغلب على رأيه ،
ويؤيده قوله في حديث أبي سعيد : " فلم يدر كم صلى" ، فإن مفهومه أن من تحرى
الصواب بعد الشك حتى درى كم صلى - أنه ليس له أن يبني على الأقل ، بل حكم
هذه المسألة مسكوت عنه في هذا الحديث ، وقد تولى بيانه حديث ابن مسعود ،
حيث أمر صلى الله عليه وسلم فيه بالأخذ بما يظن أنه أقرب إلى الصواب ، سواء
كان الأقل أو الأكثر ، ثم يسجد بعد التسليم سجدتين . وأما في حالة الحيرة
وعدم الدراية ، فإنه يبني على الأقل ، ويسجد قبل التسليم ، وفي هذا إشارة
إلى اختلاف ما في الحديثين من الفقه ، فتأمل . وبعد ، فإن هذه المسألة
تحتاج إلى كثير من البسط والشرح والتحقيق ، والمجال لا يتسع لذلك ، ولعل ما
ذكرته ههنا يكفي في بيان ما أردته من إثبات وجوب الأخذ بالظن الغالب إذا
وجد ، وهو خلاصة رسالة كنت ألفتها في هذه المسألة رددت فيها على النووي
بتفصيل ، وبينت فيها معنى الشك المذكور في حديث أبي سعيد ، ومعنى التحري
الوارد في حديث ابن مسعود ، وقد أوردت فيها من الفوائد ما لا يكاد يوجد في
كتاب ، منها أن راوي حديث البناء على الأقل ، أبو سعيد رضى الله عنه كان
يفتى بالأخذ بالتحرى ، ويرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلت ذلك من
الأدلة الكثيرة على صواب ما ذهب إليه الحنفية ، ولكنه لم يفتني أن أنبه على
أن ما ذهبوا إليه من إبطال صلاة من عرض له الشك لأول مرة باطل ، وأن
الصواب دخوله في عموم الحكم ، وغيرها من الفوائد التي وفقني الله تعالى
إليها ، وله الحمد والمنة . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يشرع السجود في السنن؟
قد
استدل صديق خان في "الروضة" بحديث : "لكل سهو سجدتان" ، وهو حديث حسن عندي
، رواه أبو داود وأحمد وغيرهما . ثم ذهب إلى أنه لا فرق في المشروعية بين
المسنون والمندوب ، وسبقه إلى ذلك الشوكاني في "السيل الجرار" . لكنه صرح
بالتفريق بين السجود لترك واجب فيجب ، وترك سنة فيسن ، فراجعه فإنه مهم .
انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
فصل في الأوقات المنهي الصلاة فيها
س)- ما حكم تحية المسجد والإمام يخطب؟
قد
اشتهر حديث (إذا صعد الخطيب المنبر , فلا صلاة , ولا كلام) بهذا اللفظ على
الألسنة , وعلق على المنابر , ولا أصل له وإنما رواه الطبراني في "الكبير"
عن ابن عمرو مرفوعاً بلفظ : (إذا دخل أحدكم المسجد والإمام على المنبر ,
فلا صلاة , ولا كلام , حتى يفرغ الإمام) وهو باطل.
وإنما حكمت على الحديث بالبطلان , لأنه - مع ضعيف سنده – يخالف حديثين صحيحين :
الأول
: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة
وقد خرج الإمام , فليصل ركعتين) , أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحهما" من
حديث جابر , وفي رواية أخرى عنه قال : (جاء سليك الغطفاني ورسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب , فقال له : يا سليك قم فاركع
ركعتين وتجوز فيهما , ثم قال : إذا جاء أحدكم يوم الجمعة , والإمام يخطب ,
فليركع ركعتين , وليتجوز فيهما) , أخرجه مسلم وغيره , وهو مخرج في "صحيح
أبي داود".
والآخر : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذا
قلت لصاحبك : أنصت يوم الجمعة , والإمام يخطب , فقد لغوت), متفق عليه , وهو
مخرج في "الإرواء".
فالحديث الأول صريح بتأكد أداء الركعتين بعد خروج
الإمام , بينما حديث (إذا صعد الخطيب المنبر , فلا صلاة , ولا كلام) ينهى
عنهما , فمن الجهل البالغ أن ينهى بعض الخطباء عنهما من أرد أن يصليهما وقد
دخل والإمام يخطب , خلافاً لأمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ,
وإني لأخشى على مثله أن يدخل في وعيد قوله تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي
يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى)العلق10,9 , وقوله : (فَلْيَحْذَرِ
الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ
يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)النور63 , ولهذا قال النووي رحمه الله : ( هذا
نص لا يتطرق إليه التأويل , ولا أظن عالماً يبلغه ويعتقده صحيحاً
فيخالفه).
والحديث الآخر يدل بمفهوم قوله : (والإمام يخطب) , أن الكلام
والإمام لا يخطب لا مانع منه , ويؤيده جريان العمل عليه في عهد عمر رضي
الله عنه , كما قال ثعلبة بن أبي مالك
إنهم كانوا يتحدثون حين يجلس عمر
بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر, حتى يسكت المؤذن , فإذا قام عمر على
المنبر , لم يتكلم أحد حتى يقضي خطبتيه كلتيهما).أخرجه مالك , والطحاوي ,
والسياق له وابن أبي حاتم , وإسناد الأولين صحيح.
فثبت بهذا أن كلام
الإمام هو الذي يقطع الكلام , لا مجرد صعوده على المنبر , وأن خروجه عليه
لا يمنع من تحية المسجد , فظهر بطلان حديث (إذا صعد الخطيب المنبر , فلا
صلاة , ولا كلام) , والله تعالى هو الهادي للصواب. انتهى كلام الالباني من
السلسلة الضعيفة الحديث رقم 87 .
س)- الصلاة قبل الجلوس في المسجد هل تشمل المسجد الحرام أيضا؟
إن
عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل المسجد الحرام
أيضا , و القول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشار إليه , فلا يقبل إلا
بعد ثبوته و هيهات , لا سيما و قد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى
المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم , فالحمد لله الذي
جعل في الأمر سعة , (و ما جعل عليكم في الدين من حرج) ، و إن مما ينبغي
التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم , و إلا فالسنة في حقه
أن يبدأ بالطواف ثم بالركعتين بعده , انظر بدع الحج و العمرة في رسالتي
"مناسك الحج و العمرة". انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم
1012.
س)- ما حكم الصلاة بعد العصر؟
قال صلى الله عليه وسلم (لا تصلوا عند طلوع الشمس ، ولا عند غروبها ؛ فإنها تطلع وتغرب على قرن شيطان ، وصلوا بين ذلك ما شئتم).
وللحديث شاهد من حديث علي مرفوعاً بلفظ : (لا تصلوا بعد العصر , إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة) , وإسناده صحيح.
وفي
هذين الحديثين دليل على أن ما اشتهر في كتب الفقه من المنع عن الصلاة بعد
العصر مطلقاً – ولو كانت الشمس مرتفعة نقية – مخالف لصريح هذين الحديثين ,
وحجتهم في ذلك الأحاديث المعروفة في النهي عن الصلاة بعد العصر مطلقاً ,
غير أن الحديثين المذكورين يقيدان تلك الأحاديث , فاعلمه. انتهى كلام
الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 314.
س)- قد صح عن عمر بن الخطاب أنه كان يضرب من يصلي الركعتين بعد العصر فما جوابكم عن هذا؟
الجواب:
أن ضربَهُ عليهما إنما كان من باب سد الذريعة، وخشية أن يتوسع الناس مع
الزمن فيصلوهما في وقت الاصفرار المنهي عنه، وهو المراد بالأحاديث الناهية
عن الصلاة بعد العصر نهياً مطلقاً ، وليس لأنه لا يجوز صلاتهما قبل
الاصفرار، ولذلك لم ينكر على الرجل صلاته بعد العصر مباشرة، وقد جاء عن عمر
نفسه ما يؤكد هذا، فقال الحافظ في "الفتح " (2/65):
" (تنبيه): روى عبد
الرزاق[2/431-432] من حديث زيد بن خالد [ الجهني ] سبب ضرب عمر الناس على
ذلك، فقال... عن زيد بن خالد: أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه،
فذكر الحديث، وفيه: "فقال عمر: يا زيد! لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس
سُلَّماً إلى الصلاة
حتى الليل لم أضرب فيهما". فلعل عمر كان يرى أن
النهي عن الصلاة إنما هو خشية إيقاع الصلاة عند غروب الشمس. انتهى كلام
الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3173.
فصل في المواضع المنهي الصلاة فيها
س)- هل تصح الصلاة في المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق وأعطان الإبل والحمام وفوق الكعبة؟
قال
صلى الله عليه وسلم "الأرض كلها مسجد ، إلا المقبرة والحمام" . أخرجه أبو
داود والترمذي والحاكم والبيهقي وغيرهم ، وإسناده عند بعضهم صحيح على شرط
الشيخين ، وقوله صلى الله عليه وآله"إذا حضرت الصلاة فلم تجدوا إلا مرابض
الغنم وأعطان الإبل فصلوا في مرابض الغنم ، ولا تصلوا في أعطان الإبل"
أخرجه أحمد رالدارمي وابن ماجه وغيرهم بسند صحيح على شرط الشيخين من حديث
أبي هريرة ، وفي معناه أحاديث أخرى خرجتها في "الثمر المستطاب".
ولا
أعلم حديثا صحيحا في النهي عن الصلاة في المواطن الأخرى ، ولا يجوز القول
ببطلانها فيها الا بنص عنه صلى الله عليه وآله فليعلم . انتهى كلام
الالباني من تمام المنة.
س)- ما ردكم على قول القائل "إذا كانت
المقبرة تحتوى على ثلاثة قبور فأكثر تبطل الصلاة فيها ، أما ما فيها قبر
أو قبران فالصلاة فيها صحيحة مع الكراهة إن استقبل القبر"؟
هذا قول بعض
الحنابلة ولم يرتضه شيخ الإسلام ابن تيمية ، بل رده ، وذكر عن عامة أصحاب
أحمد أنه لا فرق بين المقبرة فيها قبر أو أكثر ، قال في "الاختيارات
العلمية" : " ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها ، والنهى عن ذلك إنما هو
سد لذريعة الشرك ، وذكر طائفة من أصحابنا أن القبر والقبرين لا يمنع من
الصلاة لأنه لا أصحابة هذا الفرق ، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم
يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور ، وهو الصواب . والمقبرة مما حول
القبور لا يصلى فيه ، فهذا يعين أن لا تجوز الصلاة فيه ، أي المسجد الذى
قبلة إلى القبر حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر ، وذكر بعضهم :
هذا منصوص أحمد " . قلت : وقد ذكر شيخ الإسلام في " الفتاوى " وغيرها اتفاق
العلماء على كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور وحكى بطلانها
فيها في مذهب أحمد ، وذلك مستفاد من أحاديث النهى عن اتخاذ القبور مساجد
وبنائها عليها ، وهى مسألة هامة قد أغفلها عامة الفقهاء ، ولذلك أحببت أن
أنبه عليها ، وأن لا أخلى هذه التعليقات منها ، وقد فصلت القول فيها في "
التعليقات الجياد " و " أحكام الجنائز " و " تحذير الساجد من اتخاذ القبور
مساجد " . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
فصل في صلاة التطوع
س)- هل تشرع صلاة النفل في جماعة؟
اعتياد
الاجتماع في النفل بدعة مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم الغالب ، كما
حققه شيخ الإسلام في "الفتاوى". انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يشرع للمسافر صلاة ركعتين عند الخروج؟
استدل
النووي رحمه الله بحديث(ما خلف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم
حين يريد سفرا) حديث ضعيف ، على أنه يستحب للمسافر عند الخروج أن يصلي
ركعتين , وفيه نظر بين , لأن الاستحباب حكم شرعي لا يجوز الاستدلال عليه
بحديث ضعيف , لأنه لا يفيد إلا الظن المرجوح , ولا يثبت به شيء من الأحكام
الشرعية , كما لا يخفى , ولم ترد هذه الصلاة عنه صلى الله غليه وسلم , فلا
تشرع , بخلاف الصلاة عند الرجوع , فإنها سنة.
وأغرب من هذا جزمه –أعني
النووي رحمه الله- بأنه : (يستحب أن يقرأ سورة ((لإيلاف قريش)) , فقد قال
السيد الجليل أبو الحسن القزويني الفقيه الشافعي صاحب الكرامات الظاهرة
والأحوال الباهرة والمعارف المتظاهرة : إنه أمان من كل سوء).
قلت : وهذا
تشريع في هذا الدين دون أي دليل إلا مجرد الدعوى , فمن أين له أن ذلك أمان
من كل سوء؟ لقد كان مثل هذه الآراء التي لم ترد في الكتاب ولا في السنة من
أسباب تبديل الشريعة وتغييرها من حيث لا يشعرون , لولا أن الله تعهد
بحفظها , ورضي الله عن حذيفة بن اليمان إذ قال
كل عبادة لم يتعبدها أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها) . وقال ابن مسعود رضي الله عنه
(اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق).
ثم وقفت على حديث
يمكن أن يستحب به صلاة ركعتين عند النصر , وهو مخرج في الصحيحة. انتهى
كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 372.
س)- هل ثبت في السنة الحض على ركعات معينة بين المغرب والعشاء؟
اعلم أن كل ما جاء من الأحاديث في الحض على ركعات معينة بين المغرب
والعشاء لا يصح , وبعضه أشد ضعفاً من بعض , وإنما صحت الصلاة في هذا الوقت
من فعله صلى الله عليه وسلم دون تعيين عدد , وأما قوله صلى الله عليه وسلم ,
فكل ما روي عنه واه لا يجوز العمل به. انتهى كلام الالباني من السلسلة
الضعيفة الحديث رقم467.
س)- هل صح في سنة البعدية للجمعة إن من صلى في المسجد صلى أربعا ، ومن صلى في بيته صلى ركعتين؟
هذا التفصيل لا أعرف له أصلا في السنة. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- ما حكم صلاة الوتر؟
قال
عليه الصلاة السلام (إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ
فَصَلُّوهَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ) ، يدل
ظاهر الأمر في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَصَلُّوهَا) على
وجوب صلاة الوتر , وبذلك قال الحنفية , خلافاً للجماهير , ولولا أنه ثبت
بالأدلة القاطعة – كقول الله تعالى في حديث المعراج : (هن خمس في العمل
خمسون في الأجر , لا يبدل القول لدي) متفق عليه , وكقوله صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأعرابي حين قال : لا أزيد عليهن ولا أنقص : (أفلح
الرجل إن صدق) متفق عليه – حصر الصلوات المفروضات في كل يوم وليلة بخمس
صلوات , لكان قول الحنفية أقرب إلى الصواب , ولذلك فلا بد من القول بأن
الأمر هنا ليس للوجوب , بل لتأكيد الاستحباب , وكم من أوامر كريمة صرفت من
الوجوب بأدني من تلك الأدلة القاطعة , وقد انفك الأحناف عنها بقولهم : إنهم
لا يقولون بأن الوتر واجب كوجوب الصلوات الخمس , بل هو واسطة بينها وبين
السنن , أضعف من هذه ثبوتاً , وأقوى من تلك تأكيداً.
فليعلم أن قول
الحنفية هذا قائم على اصطلاح لهم خاص حادث ’ لا تعرفه الصحابة ولا السلف
الصالح , وهو تفريقهم بين الفرض والواجب ثبوتاً وجزاء , كما هو مفصل في
كتبهم.
وإن قولهم بهذا معناه التسليم بأن تارك الوتر معذب يوم القيامة
عذاباً دون عذاب تارك الفرض , كما هو مذهبهم في اجتهادهم , وحينئذ يقال لهم
: وكيف يصح ذلك مع قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن عزم على أن
لا يصلي غير الصلوات الخمس : ( أفلح الرجل ) ؟ وكيف يلتقي الفلاح مع
العذاب ؟ فلا شك أن قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا وحده كاف
لبيان أن صلاة الوتر ليست بواجبة , ولهذا اتفق جماهير العلماء على سنيته
وعدم وجوبه , وهو الحق.
نقول هذا مع التذكير والنصح بالاهتمام بالوتر ,
وعدم التهاون عنه , لهذا الحديث وغيره , والله أعلم. انتهى كلام الالباني
من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 108.
س)- هل يصلى الوتر في الصباح لمن نام ولم يصليه؟
قوله
عليه السلام (إنما الوتر بالليل ) ، هذا التوقيت للوتر، كالتوقيت للصلوات
الخمس، إنما هو لغير النائم وكذا الناسي، فإنه يصلي الوتر إذا لم يستيقظ له
في الوقت، يصليه متى استيقظ، ولو بعد الفجر، وعليه يحمل قوله صلى الله
عليه وسلم للرجل في هذا الحديث: (فأوتر) . بعد أن قال له: (إنما الوتر
بالليل) . وفي ذلك حديث صريح فانظره في (المشكاة) و (الإرواء). انتهى كلام
الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 1712.
س)- هل يجوز الصلاة بعد الوتر؟
قال عليه الصلاة والسلام ( إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم فليركع
ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له) ، والحديث استدل به الإمام ابن خزيمة
على(أن الصلاة بعد الوتر مباح لجميع من يريد الصلاة بعده، وأن الركعتين
اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتين بعد الوتر أمر ندب
وفضيلة، لا أمر إيجاب وفريضة).
وهذه فائدة هامة، استفدناها من هذا
الحديث، وقد كنا من قبل مترددين في التوفيق بين صلاته صلى الله عليه وسلم
الركعتين وبين قوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)، وقلنا في التعليق
على(صفة الصلاة) (ص123-السادسة)
والأحوط تركهما اتباعاً للأمر. والله
أعلم).
وقد تبين لنا الآن من هذا الحديث أن الركعتين بعد الوتر ليستا من
خصوصياته صلى الله عليه وسلم، لأمره صلى الله عليه وسلم بهما أمته أمراً
عاماً، فكأن المقصود بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وتراً، أن لا يهمل الإيتار
بركعة، فلا ينافيه صلاة ركعتين بعدهما، كما ثبت من فعله صلى الله عليه
وسلم وأمره. والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث
رقم 1993.
س)- هل يجب الفصل بين صلاة الفريضة والنافلة ؟
أخرج
أحمد (5/368): حدثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن الأزرق بن قيس عن عبد الله
بن رباح عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - :أن رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - صلى العصر فقام رجل يصلي [بعدها] فرآه عمر [فأخذ
بردائه أو بثوبه] فقال له اجلس فإنما أهلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم
فصل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : (أحسنَ (وفي رواية:صدق)ابنُ
الخطابِ).
فأنه لا بد من الفصل بين الفريضة والنافلة التي بعدها إما
بالكلام أو بالتحول من المكان,وفى ذلك أحاديث صحيحة أحدها في( صحيح مسلم )
من حديث معاوية - رضي الله عنه - وهو مخرج في (الإرواء)(2/190/344) و (
صحيح أبي داود)(1034) وفيه أحاديث أخري برقم (631و922) ولذلك ؛ تكاثرت
الآثار عن السلف بالعمل بها وقد روي الكثير الطيب منها عبد الرزاق في
(المصنف) (2/416-418) وكذا ابن أبي شيبة (2/138-139) والبيهقي في
(سننه) فما يفعله اليوم بعض المصلين في بعض البلاد من تبادلهم أماكنهم حين قياهم إلي السنة البعدية :
هو من التحول المذكور وقد فعله السلف فروي ابن أبي شيبة عن عاصم قال:صليت
معه الجمعة فلما قضيت صلاتي أخذ بيدي فقام في مقامي وأقامني في مقامه.
وسنده صحيح وروي نحوه عن أبي مجِلزٍ وصفوان بن ُمحرِزِ. انتهى كلام
الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3173.