الفتاوى القيمة لفضيلة العلامةمحمد بن صالح العثيمين الجزء الثانى
الجزء الثانى
الوجه محل الفتنة لقد
اختلف فقهاء الإسلام في كثير من الفقه الإسلامي ، ومن الأحكام التي
اختلفوا فيها مسألة الحجاب للمرأة ، وهذا الاختلاف في الآراء جاء تبعا
لاختلاف النصوص المروية في هذه المسألة . فما هو الحجاب الشرعي بالنسبة
للمرأة ؟
الحجاب
الشرعي هو حجب المرأة ما يحرم عليها إظهاره ، أي سترها ما يجب عليها ستره ،
وأولى ذلك ستر الوجه ، لأنه محل الفتنة ومحل الرغبة ، فالواجب على المرأة
أن تستر وجهها عمن ليسوا من محارمها ، وأما من زعم أن الحجاب الشرعي هو ستر
الرأس والعنق والنحر والقدم والساق والذراع ، وأباح أن تخرج المرأة وجهها
وكفيها فإن هذا من أعجب ما يكون من الأقوال ، لأنه من المعلوم أن الرغبة
ومحل الفتنة هو الوجه ، وكيف يمكن أن يقال أن الشريعة تمنع كشف القدم من
المرأة وتبيح لها أن تخرج الوجه؟ هذا لا يمكن أن يكون واقعا في الشريعة
العظيمة الحكيمة المطهرة من التناقض ، وكل إنسان يعرف أن الفتنة في كشف
الوجه أعظم بكثير من الفتنة بكشف القدم ، وكل إنسان يعرف أن محل رغبة
الرجال في النساء إنما هي الوجوه ، ولهذا لو قيل للخاطب أن مخطوبتك قبيحة
الوجه لكنها جميلة القدم ما أقدم على خطبتها ، ولو قيل له أنها جميلة الوجه
ولكن في يديها أو كفيها أو ساقيها نزول عن الجمال لأقدم عليها فعلم بهذا
أن الوجه أولى ما يجب حجابه .
وهنالك
أدلة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة وأقوال
أئمة الإسلام وعلما الإسلام تدل على وجوب احتجاب المرأة في جميع بدنها عمن
ليسوا بمحارمها وتدل على أنه يجب على المرأة أن تستر وجهها عمن ليسوا
بمحارمها . وليس هذا موضع ذكر ذلك .
ولكن لنا فيه رسالة مختصرة قليلة اللفظ كثيرة الفائدة .
بماذا تنصحون من يمنع أهله من الحجاب الشرعي ؟
*
إننا ننصحه أن يتق الله عز وجلاله في أهله ، وأن يحمد الله عز وجل الذي
يسر له مثل هذه الزوجة التي تريد أن تنفذ ما أمر الله به من اللباس الشرعي
الكفيل بسلامتها من الفتن ، و إذا كان الله عز وجل قد أمر عباده المؤمنين
أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار في قوله: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) (التحريم :6) .
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حمل الرجل المسئولية في أهله فقال ( الرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته )(1)
. فكيف يليق بهذا الرجل أن يحاول إجبار زوجته على أن تدع الزي الشرعي في
اللباس إلي زي محرم يكون سببا للفتنة بها ومنها ، فليتق الله تعالى في نفسه
، وليتق الله في أهله ، وليحمد الله على نعمته أن يسر له مثل هذه المرأة
الصالحة .
وأما بالنسبة لزوجته فإنه لا يحل لها أن تطيعه في معصية الله أبدا ، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
لا يجوز إخراج الذراع بعض
النساء تردد مقولة يحكون بأنهم سمعوا من بعض العلماء ، وهي أن من تظهر
ساعديها من النساء وهي في البيت يوم القيامة تحترق ساعداها ، مع العلم أن
بعض النساء يفصلن ملابسهن إلي الأكمام أو بعض الأكمام إلي المرفقين . فما
حكم ذلك ؟
أما
هذا الجزاء وهو أن الساعدين تحترقان يوم القيامة فلا أصل له . وأما الحكم
في إظهار الساعدين لغير ذوي المحارم والأزوج فإن هذا محرم ، لا يجوز أن
تخرج المرأة ذراعيها لغير زوجها ومحارمها ، فعلى المرأة أن تحتشم و تحتجب
ما استطاعت ، وأن تستر ذراعيها إلا إذا كان البيت ليس فيه إلا زوجها
ومحارمها ، فهذا لا بأس بإخراج الذراعين ، أما من فصلت ملابسها إلي
المرفقين فأقول لها : لا بأس تبقي الثياب المخيطة على هذا الوضع ، وتلبس
للزوج والمحارم ، ويفصل ثياب جديدة إذا كان في البيت من ليس محرما لها كأخ
زوجها وما أشبه ، ولا يجوز للمرأة أن تخرج بهذه الملابس إلي الشارع إلا أن
تسترها بثياب ذات أكمام طويلة تسترها أمام الناس في السوق مع العباءة .
تطيب المرأة خارج البيت ما
حكم تعطر المرأة وتزيينها وخروجها من بيتها إلي مدرستها مباشرة . هل لها
أن تفعل هذا الفعل ؟ وما هي الزينة التي تحرم على المرأة المسلمة عند
النساء ؟ يعني ما هي الزينة التي لا يجوز إبداؤها للنساء ؟
*
خروج المرأة متطيبة إلي السوق محرم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن
المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا يعني زانية )(2) ولما في ذلك من الفتنة .
أما
إذا كانت المرأة ستركب في السيارة ولا يظهر ريحها إلا لمن يحل له أن تظهر
الريح عنده، وستنزل فورا إلي محل عملها بدون أن يكون هناك رجال حولها ،
فهذا لا بأس به ، لأنه ليس في هذا محذور ، فهي في سيارتها كأنها في بيتها
،ولهذا لا يحل لإنسان أن يمكن امرأته أو من له ولاية عليها أن تركب وحدها
مع السائق ، لأن هذه خلوة . أما إذا كانت ستمر إلي جانب الرجال فأنه لا يحل
لها أن تتطيب .
أما
بالنسبة للزينة التي تظهرها للنساء فإن كان ما أعتيد بين النساء من الزينة
المباحة فهي حلال . وأما التي لا تحل كما لو كان الثوب خفيفا جدا يصف
البشرة أو كان ضيقا جدا يبين مفاتن المرأة ، فأن ذلك لا يجوز لدخوله في قول
النبي صلى الله عليه وسلم (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد ...وذكر نساء
كاسيات عاريات ، مائلات مميلات ، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن
الجنة ولا يجدن ريحها ) (1) .
الضوابط في سكن العوائل من
العادات المنتشرة في بعض المجتمعات أن بعض العوائل عندما تسكن في بيت واحد
، فإن النساء يكشفن وجوههن أمام أقارب أزواجهن ، وذلك بسبب أنهم في بيت
واحد، فما رأي فضيلتكم في ذلك ؟
*
العائلة إذا سكنت جميعا فالواجب أن تحتجب المرأة على من ليس بمحرم لها .
فزوجة الأخ لا يجوز أن تكشف لأخيه ، لأن أخاه بمنزلة رجل الشارع بالنسبة
للنظر والمحرمية ولا يجوز أيضا أن يخلو أخوه بها إذا خرج أخوه من البيت ،
وهذه مشكلة يعاني منها كثير من الناس مثل أن يكون هناك أخوان في بيت واحد
أحدهما متزوج . فلا يجوز لهذا المتزوج أن يبقى زوجته عند أخيه إذا خرج
للعمل أو للدراسة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يخلون رجل
بامرأة ) (2)وقال : ( إياكم والدخول على النساء ) قالوا : يا رسول الله أرأيت الحمو ؟ والحمو أقارب الزوج ـ قال ( الحمو الموت ) (3).
ودائما
يقع السؤال عن جريمة فاحشة الزنا في مثل هذه الحال ، يخرج الرجل وتبقى
زوجته وأخوه في البيت فيغويهما الشيطان ويزني بها والعياذ بالله ـ يزني
بحليلة أخيه ، وهذا أعظم من الزنا بحليلة جاره ، بل إن الأمر أفظع من هذا .
على
كل حال أريد أن أقول أبرأ منه عند الله من مسئوليتكم : إنه لا يجوز
للإنسان أن يبقي زوجته عند أخيه في بيت واحد مهما كانت الظروف حتى لو كان
الأخ من أوثق الناس وأصدق الناس وأبر الناس ، فإن الشيطان يجري من ابن آدم
مجرى الدم ، والشهوة الجنسية لا حدود لها لا سيما مع الشباب .
ولكن كيف نصنع إذا كان أخوان في بيت وأحدهما متزوج ؟ هل نقول إذا أراد أن يخرج ومعه زوجته إلي العمل ؟
لا
، ولكن يمكن أن يقسم البيت إلي نصفين ، نصف يكون للأخ عند انفراده ويكون
فيه باب يغلق بمفتاح يكون مع الزوج يخرج به معه ، وتكون المرأة في جانب
مستقل في البيت والأخ في جانب مستقل .
لكن قد يحتج الأخ على أخيه ويقول لماذا تفعل هذا ؟ ألا تثق بي ؟ يقولله
: أنا فعلت ذلك لمصلحتك ، لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم . فربما
يغويك وتدعوك نفسك قهرا عليك فتغلب الشهوة العقل ، وحينئذ تقع في المحظور ،
فكوني أضع هذا الشي حماية لك ، هو من مصلحتك كما أنه من مصلحتي أنا . وإذا
غضب من أجل هذا ليغضب و لا يهمك . هذه المسألة أبلغكم إياها تبرؤا من
مسئولية كتمها وحسابكم على الله عز وجل .
أما بالنسبة لكشف الوجه فإنه حرام و لا يجوز للمرأة أن تكشف لأخي زوجها ، لأنه أجنبي منها ، فهو منها كرجل الشارع تماما .
المنع من النقاب في
الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة بين أوساط النساء بشكل ملفت للنظر وهي ما
يسمى بالنقاب ، والغريب في الظاهرة ليس لبس النقاب بل طريقة لبسه لدى
النساء ، ففي بداية الأمر كان لا يظهر من الوجه ألا العينان فقط ، ثم بدأ
النقاب بالاتساع شيئا فشيئا ، فأصبح يظهر مع العينين جزء من الوجه مما يجلب
الفتنة و لا سيما أن كثيرا من النساء يكتحلن عند لبسه . وإذا نوقشن في
الأمر احتججن بأن فضيلتكم أفتى بأن الأصل في الجواز . فنرجو توضيح هذه
المسألة بشكل مفصل ؟
لا
شك أن النقاب كان معروفا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، و أن النساء
كن يفعلنه كما يفيده قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة إذا أحرمت ( لا
تنتقب )(1)
فإن هذا يدل على أن من عادتهن لبس النقاب ، ولكن في وقتنا هذا لا نفتي
بجوازه بل نرى منعه ، لأنه ذريعة إلي التوسع فيما لا يجوز ، وهذا أمر مشاهد
. ولهذا لم نفت امرأة من النساء لا قريبة ولا بعيدة بجواز النقاب في
أوقاتنا هذه ، بل نرى أنه يمنع منعا باتا ، وأن على المرأة أن تتقي ربها في
هذا الأمر وألا تنتقب ، لأن ذلك يفتح باب الشر لا يمكن إغلاقه فيما بعد .
ليس بين الزوج وزوجته عورة ما حكم لبس الملابس الضيقة عند النساء وعند المحارم ؟
لبس
الملابس الضيقة التي تبين مفاتن المرأة وتبرز ما فيه من الفتنة محرم ، لأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( صنفان من أهل النار لم أرهما : رجال
معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ـ يعني ظلما وعدوانا ـ ونساء
كاسيات عاريات، مائلات مميلات )(2)
. فقد فسر قوله : ( كاسيات عاريات ) بأنهن يلبسنّ ألبسة قصيرة لا تستر ما
يجب ستره من العورة . وفسر بأنهن يلبسن ألبسة خفيفة لا تمنع من رؤية ما
وراءها من بشرة المرأة ، وفسرت بأن يلبسن ملابس ضيقة فهي ساترة عن الرؤيا
لكنها مبدية لمفاتن المرأة ، وعلى هذا لا يجوز للمرأة أن تلبس هذه الملابس
الضيقة إلا لمن يجوز لها إبداء عورتها عنده وهو الزوج، فإنه ليس للزوج
وزوجته عورة ، لقوله تعالى ( والذين هم لفروجهم حافظين*إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين)(المؤمنون5- 6)
وقالت عائشة كنا نغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم ـ يعني من الجنابة ـ من إناء واحد تختلف أيدينا فيه )(3) فالإنسان لا عورة بينه وبين زوجته .
وأما
بين المرأة والمحارم فأنه يجب عليها أن تستر عورتها ، والضيق لا يجوز لا
عند المحارم و لا عند النساء إذا كان ضيقا شديدا يبين مفاتن المرأة .
عندما تجبر على خلع الحجاب في
بعض البلدان قد تجبر المسلمة على خلع الحجاب بالأخص غطاء الرأس ، هل يجوز
لها تنفيذ ذلك علما بأن من يرفض ذلك ترصد له العقوبات كالفصل من العمل أو
المدرسة ؟
* هذا البلاء الذي يحدث في بعض البلدان هو من الأمور التي يمتحن بها العبد ، والله سبحانه وتعالى يقول ( آلم * أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون * ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) ( العنكبوت : 1ـ3)
فالذي
أرى أنه يجب على المسلمات في هذه البلدة أن يأبين طاعة أولي الأمر في هذا
الأمر المنكر ، لأن طاعة أولي الأمر المنكر مرفوضة ، قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) ( النساء : 59) . لو تأملت هذه الآية لوجدت أن الله قال ( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
) ولم يكرر الفعل ثالثة مع أولى الأمر ، فدل على أن طاعة ولاة الأمور
تابعة لطاعة الله وطاعة رسوله ، فإذا كان أمرهم مخالفا لطاعة الله ورسوله
فأنه لا سمع لهم ولا طاعة فيما أمروا به فيما يخالف طاعة الله ورسوله ، (
ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) .
وما
يصيب النساء من الأذى في هذه الناحية من الأمور التي يجب الصبر عليها
والاستعانة بالله تعالى على الصبر ، ونسأل الله لولاة أمورهم أن يهديهم إلي
الحق ، ولا أظن هذا الإجبار إلا إذا خرجت المرأة من بيتها ، وأما في بيتها
فلن يكون هذا الإجبار، وبإمكانها أن تبقى في بيتها حتى تسلم من هذا الأمر ،
أما الدراسة التي تترتب عليها معصية فأنها لا تجوز ، بل عليها دراسة ما
تحتاج إليه في دينها ودنياها ، وهذا يكفي ويمكنها ذلك في البيت غالبا .
اللباس الشرعي تعلمون
بلا شك أن مكمن الفتنة في المرأة متركز في جسدها الداخلي ، فإن ظهر ثارت
الفتنة وعمّ الشر ، فما الذي يجوز للمرأة كشفه من جسدها وما حكم نظر المرأة
إلي عورة المرأة ؟
* يجب على المرأة أن تلبس
اللباس الشرعي الذي يكون ساترا ، وكان لباس نساء الصحابة كما قال شيخ
الإسلام ابن تميمة وغيره من الكف إلي الكعب في بيوتهن ، أي كف من كف اليد
إلي كعب الرجل ، فإذا خرجن لبسن ثيابا طويلة تزيد على أقدامهن بشبر ، ورخص
لهن النبي صلى الله عليه وسلم إلي ذراع من أجل ستر أقدامهن ، هذا بالنسبة
للمرأة المكتسية ، فإن رفعت اللباس فهي من الكاسيات العاريات .
< أما بالنسبة للمرأة الناظرة فإنه لا يجوز لها أن تنظر عورة المرأة ،
يعني ما بين السرة إلي الركبة مثل أن تكون المرأة تقضي حاجتها مثلا فلا
يجوز للمرأة أن تنظر إليها ، لأنها تنظر إلي العورة ، أما فوق السرة أو دون
الركبة ، فإذا كانت المc