أهمية اعتبار المصالح والمفاسد والنظر في المآلات
(1) عناية الشريعة بتحصيل المصالح ودفع المفاسد:
مفكرة الإسلام : تحصيل المصالح ودفع المفاسد هو كما يقول الإمام الشاطبي رحمه الله: أصل أصول الشريعة إذ إن الشريعة إنما جاءت لتحصيل مصالح العباد الدينية والدنيوية ودفع المفاسد عنهم وقد ثبت هذا المعني يقينًا من مقاصد الشارع الحكيم في تنزيله وتضافرت عليه الأدلة العقلية والنقلية.
والنظر في المآلات واعتبارها, أصل من أصول الفقه جارٍٍ على مقاصد الشريعة ولاشك أنه لابد لنا من معرفة هذا الأصل لنعرف متى نقدم؟ ومتى نحجم؟ متى نصرّح؟ ومتى نلمَّح؟ وحتى لا نكون عبئًا على الأمة الإسلامية أو ثغرة تؤتى من قبلها!
يقول شيخ الإسلام رحمه الله:"مررت أنا وبعض أصحابى في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر فأنكر عليهم من كان معي فأنكرت عليه وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم"([1]), هنا يعلمنا الإمام ابن تيمية رحمه الله مراعاة مآلات الأفعال فإن كانت تؤدي إلى مطلوب فهي مطلوبة وإن كانت لا تؤدي إلا إلى شر فهي منهي عنها ويعلمنا أيضًا رحمه الله أن الغاية من إنكار المنكر هي حدوث المعروف، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه فإنه لا يسوغ إنكاره.
ويقرر الإمام الشاطبي رحمه الله نفس الأصل فيقول: "النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعًا كانت الأفعال موافقة أو مخالفة... وهو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه حلو المذاق، محمود الغب (العاقبة)، جار على مقاصد الشريعة"([2]).
ويقول رحمه الله في موضع آخر بعد أن يقرر أنه ليس كل حق ينشر، يقول: "فتنبه لهذا المعنى وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة فإن صحت في ميزانها فانظر في مآلها بالنسبة إلى حال الزمان وأهله، فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة فاعرضها في ذهنك على العقول، فإن قبلتها فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على العموم، وإما على الخصوص إن كانت غير لائقة بالعموم, وإن لم يكن لمسألتك هذا المساغ فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية, والعقلية"([3]).
ومن يتأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار يرى أنها من إضاعة هذا الأصل ويـرى مدى الحاجة إلى تلك القواعد الشرعية لتخليص الفكر والواقع الإسلامي من النزعة الشكلية التي أعجزته عن مواجهة الواقع مواجهة فعالة.
ولما كان اعتبار المصالح والمفاسد من الأهمية بمكان في توجيه اجتهاد أهل العلم وتقرير الأحكام الشرعية وفي توجيه أعمال وتصرفات المسلمين وضبطها الشرعي المطلوب كان لابد من إشارة سريعة لأهم قواعد هذا الباب لما له من تعلق كبير وأصيل بموضوع هذه الكلمات.
(2) أدلة اعتبار هذا الأصل في أحكام الشارع ونصوص الفقهاء:
تضافرت نصوص الشارع الحكيم وأقوال أهل العلم على اعتبار هذا الأصل، ونسوق هنا بعضًا من النصوص القرآنية ومن الهدي النبوي وكلام أهل العلم نبرز فيه هذا المعنى وإن كانت أدلته أوسع من أن يدركها حصر:
1ـ يقول الله تبارك وتعالى: ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾[البقرة: 219].
فجعلت الآية علة التحريم ـ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ـ زيادة المفسدة على المصلحة المتحققين من شرب الخمر ولعب الميسر، فالإثم الكبير في ذهاب العقل وما يترتب عليه من تصرفات لا يشرف العقل على إدارتها أعظم كثيرًا من مصلحة المتعة والنشوة المترتبة على شربها، فحرمت الخمر والميسر لذلك.
2 ـ ويقول عز من قائل: ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[الأنعام: 108].
قال الإمام القرطبي رحمه الله: وفيها دليل على أن المحق قد يكف عن حق له "وهي ولاشك مصلحة" إذا أدى إلى ضرر يكون في الدين "مفسدة أعظم".
ويقول الإمام ابن كثير رحمه الله: يقول الله تعالى ناهيًا رسوله e والمؤمنين عن مفسدة أعظم منها وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين.
ويضيف رحمه الله: ومن هذا القبيل ـ وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها ـ ما جاء في الصحيح أن رسول الله e قال: ((إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه))، قيل: يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: ((يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه))([4]).
3 ـ قال e لعائشة رضي الله عنها: ((لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه..))([5]).
فجعل الفتنة المترتبة على الهدم وإعادة البناء وهي مفسدة واضحة بلاشك مانعًا من إعادة بنائها على القواعد الصحيحة التي ينبغي أن تبنى عليها, وهي المصلحة المقصودة بالحديث.
والنصوص غير ذلك كثيرة, وآثار السلف في ذلك بيِّنة واضحة الدلالة في اعتبار هذا الأصل, وكذا فتاوى أهل العلم المتقدمين, وأقوال الفقهاء
(3) ضوابط اعتبار المصالح والمفاسد:
المصلحة: هي المحافظة على مقصود الشارع, كما عرفها حجة الإسلام الإمام الغزالي في المستصفى, ثم حدد أن مقصود الشارع من الخلق المحافظة على خمس ضرورات: "الدين, والنفس, والعقل, والنسل, والمال" ثم ذكر أن كل ما يفوت هذه الأصول الخمسة, أو أحدها فهو مفسدة، وأن دفع هذه المفسدة مصلحة.
يتحدث الأصوليون عن نوع آخر من المصالح يسمونها "المصالح الحاجية"([6])، وهي التي لا يترتب على غيابها اضطراب في نظام الحياة كما هو الحال في المصالح الضرورية وإنما تبقى الحياة بدونها بمشقة وعسر وضيق.
ويتحدثون عن نوع ثالث يسمونه "المصالح التحسينية"([7]) وهي التي بدونها تخلو الحياة من مكارم الأخلاق ومظاهر الحسن والبهاء.
ويشترط كثير من الفقهاء كالإمام الغزالي مثلاً لاعتبار المصلحة غير المنصوص عليها شروطًا ثلاثة:
أولها: أن تكون المصلحة قطعية, أو على الأقل أن يغلب على الظن تحققها, فلا اعتبار للمصالح المتوهمة, والمشكوك في حدوثها, بل لابد أن يكون نفعها مؤكدًا لاشك فيه أو بأن يندفع بها ضرر مؤكد ومثلوا لذلك بمصلحة جمع القرآن بعد موت النبي e وقتل الكثير من حفظة القرآن .
ثانيها: أن تكون مصلحة ضرورية, فالمصالح الحاجية, والتحسينية التي لم ينص الشارع عليها لا ينبني عليها حكم.
ثالثها: أن تكون المصلحة كلية عامة, تشمل عموم الناس, أو أكثرهم, وبالتالي فالمصالح الخاصة هي التي يعود نفعها على طائفة من الناس, أو جماعة منهم، أو بعضهم.
والشريعة ـ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه ـ: "جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين, وشر الشرين وتُحصِّل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما".
وعليه فلو كان هناك أمر أو نهي يتضمن تحصيل مصلحة ما وعارض فوات مصلحة أعلى فإنه يحرم فعله كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى:".. إذا تزاحمت المصالح والمفاسد، أو تعارضت المصالح والمفاسد فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنًا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأمورًا به, بل يكون محرمًا إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته"([8]).
وباب تعارض المصالح والترجيح بينها باب واسع، فصَّل فيه العلماء كثيرًا بما لا يناسب هذا المبحث المختصر ولكن من المفيد أن نقول: أن المصلحة الضرورية تقدم عند التعارض على المصلحة الحاجية، والحاجية تقدم على التحسينية، وأن المصلحة الأصلية تقدم على المصلحة التكميلية، بل إن المصالح الضرورية تتفاضل فيما بينها، فمصلحة حفظ الدين تقدم على مصلحة حفظ النفس، وحفظ النفس على حفظ العقل... وهلم جرا، فإذا تعارضت مصالح ومفاسد فإنه يقدم درء المفسدة على جلب المصلحة.
وخلاصة ما سقناه سابقًا نجمله في القواعد الآتية:
1ـ ضرورة اعتبار المصالح في أي عمل يأتيه المسلم أو الجماعة المسلمة.
2ـ أن المصلحة المرسلة المعتبرة شرعًا هي المصلحة القطعية أو الظنية الضرورية الكلية.
3ـ أن المصالح ترتب حسب أهميتها عند الاعتبار: الضرورية ثم الحاجية ثم التحسينية.
4ـ أن الشرع يختار أعلى المصلحتين ويدفع شر المفسدتين.
5ـ أن الأمر أو النهي لو ترتب على تنفيذه مفسدة أعظم، أو فوات مصلحة أعظم، حرم فعله.
6ـ أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
هذه القواعد الأصولية تكاد تكون موضع اتفاق الأصوليين قاطبة, واجتمعت عليها أدلة كثير من الكتاب والسنة, ولذلك لزم العلماء اعتبارها في استنباط الأحكام الشرعية، ولزم كل من يتخذ قرارًا شرعيًا أن يتوجه قراره بهذه القواعد.
وبعد هذا العرض السريع لأهمية اعتبار المصالح والمفاسد, والنظر في المآلات والقواعد والضوابط الحاكمة, لابد من التأكيد على حقيقة هامة قبل أن نشرع في بسط مفاسد إغفال اعتبار هذا الأصل من أعمال العنف والتفجيرات التي ضربت بلاد الإسلام, من قبل طائفة من الشباب, باعتبار ما يقومون به جهادًا, وهذه الحقيقة هي أن: أي عمل ينبغي أن تحكمه المصلحة الشرعية سواء في إنشائه ابتداءً, أو في توجيهه إذا انحرف، بمعنى: أنه ينبغي لمن يتخذ قرارًا بعمل شيء, إن ترجحت لديه مصلحته على مفسدته, فإن تبين له ـ سواء قبل إنشائه أو بعد الشروع فيه ـ ترجيح المفسدة بل غياب المصلحة بالكلية فينبغي أن يمتنع عنه على الفور.
(4) مفاسد أعمال العنف والتفجيرات والمواجهات المسلحة في بلاد الإسلام:
يجمع أهل العلم والفقه والدعوة أن هذه الأعمال شر محض, لم يجن الإسلام من ورائها إلا مزيدًا من التشويه، ولم تجن الأمة إلا مزيدًا من النكبات, والمصائب, والويلات, وتسلط الأعداء، ولم تجن الدعوة إلا التضييق والمحاصرة.
ويمكن تقسيم مفاسد هذه الأعمال وآثارها السلبية إلى قسمين:
(أ) مفاسد متحققة.
(ب) مفاسد مستقبلية متوقعة.
أولاً: المفاسد المتحققة:
(1) تشويه صورة الإسلام والمسلمين:
لن تجد آلة الإعلام الغربي المتعصبة ضد الإسلام, والتي لا تفتأ تعمل جاهدة على تشويهه, والصد عنه, وإقامة الحواجز بين الناس وبينه ـ لن تجد أفضل مما قدمه أصحاب هذه الأعمال في بلاد الإسلام للقيام بهذه المهمة.
وبينما كانت الدعوة للإسلام تجد آذانًا مصغيةً, وإقبالاً متزايدًا ملموسًا, وأنصارًا جددًا كل يوم, جاءت هذه الأحداث مع التشويه الإعلامي المتعمد, واستغلال هذه الأحداث لتوجد حاجزًا كبيرًا بين إقبال النفوس المتعطشة للإيمان الحق, وبين هذا الدين العظيم.
(2) إضعاف قوة المسلمين ووحدتهم وإثارة البلبلة في صفوفهم وتقطيع أواصرهم:
حيث تشتتت الجهود, وطاقات الأمة لمواجهة هذا الخطر الداخلي, وبدلاً من تكاتفها لمواجهة مخططات الأعداء من الخارج, ومد يد العون لإخوانها المسلمين المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها، وإظهار المسلمين جسدًا واحدًا وصفًّا واحدًا، يَرهب أعداؤه صفَّه, ويخافون جنابَه, تشرذمت الطاقات, والجهود وتبعثرت، وحمل أبناء البلد الواحد السلاح كلٌّ في وجه أخيه المسلم.
وبينما كانت جهود الفقهاء والدعاة موجهة لرد شبهات أعداء الخارج, والحفاظ على ثوابت الأمة إذا بها تنحسر لمواجهات شبهات الداخل, ورد أصحاب فكر العنف إلى جادتهم، وكل ذلك لاشك نشأ عنه فتنة في الأرض, وفساد كبير.
(3) ترويع الآمنين وسفك الدماء المعصومة:
فالأمن والاستقرار نعمةٌ عظيمٌ نفعُها، كريمٌ مآلها، وهي مظلة يستظل بها الجميع مِنْ حَرِّ الفتن والتهارج، وهذه النعمة يتمتع بها الحاكم, والمحكوم, والغني, والفقير, والرجال, والنساء.
بل البهائم تطمئن مع الأمن وتُذْعَر وتُعطَّل مع الخوف واضطراب الأوضاع وتهارج الهمج الرعاع، فنعوذ بالله من الفتن التي تُعْمِي الأبصار، وتُصِمُّ الأسماع وبالله ثم بالأمن تُعْمر المساجد، ويُرفع الأذان من فوق المنارات، ويَأْمن الناس على دمائهم وأموالهم وأعراضهم، وتأمن السبُل، وتُرَدُّ المظالم لأهلها، فيُنتصر للمظلوم، ويُردع الظالم، وتقام الشعائر، ويرتفع شأن التوحيد من فوق المنابر، ويجلس العلماء للإفادة، ويَرحل الطلاب للاستفادة، وتُحرَّرُ المسائل، وتُعْرف الدلائل، ويزار المرضى، ويُحترم الموتى، ويُرْحم الصغير ويُدَلَّل، ويُحْترم الكبير ويُبَجَّل، وتُوصَل الأرحام، وتُعْرف الأحكام، ويُؤمر بالمعروف، ويُنهى عن المنكر، ويُكرَّم الكريم، ويُعاقب اللئيم.
وعلى كل حال فبالأمن استقامة أمر الدنيا والآخرة، وصلاح المعاش والمعاد، والحال والمآل, ولما كان الأمن بهذه المثابة العظيمة؛ امتن الله سبحانه وتعالى به على قريش.
قال سبحانه وتعالى: ﴿ لإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾ [قريش: 1 ـ 4].
وقال سبحانه: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ [العنكبوت:: 67].
وقد جاء من حديث عبد الله بن محصن الخَطْمى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: ((من أصبح آمناً في سِرْبه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزتْ له الدنيا بحذافيرها))([9]).
ولاشك أن توفر الأمن مطلب ضروري، الإنسانية أحوج إليه من حاجتها إلى الطعام والشراب، ولذا قدمه إبراهيم عليه الصلاة والسلام في دعائه لطلب الرزق.
فقال: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾[البقرة: 126]
فالناس لا يهنأون بالطعام والشراب مع وجود الخوف، ولأن الخوف تنقطع معه السبل التي بواسطتها تُنقل الأرزاق من بلد لآخر، ولذلك رتب الله تعالى على قطع الطريق أشد العقوبات.
وأعمال التفجير روَّعت الآمنين، وبثت الرعب في قلوب كثير من الناس، وأدخلت إلى نفوسهم الهلع والخوف والجزع، وشعر الناس بعدم الأمن على دمائهم وأعراضهم وأموالهم، ما دام ثمة من يستحلها، ويرى أنه يفعل ذلك ولا حرج عليه في دين الله.
ولاشك أن افتقاد الناس للشعور بالأمن على نفوسهم وأعراضهم ودمائهم وأموالهم لا فرق في ذلك بين رجل وامرأة وشيخ وطفل، فالجميع يفتقد للشعور بالأمن، ولاشك أن هذا من أعظم الضرر والحرج، ويترتب عليه مفاسد لا حصر لها، وما هو إلا ثمرة من ثمرات هذه الأعمال.
(4) إضعاف اقتصاد الدول الإسلامية نتيجة استنزاف مواردها لمحاربة هذه الأعمال:
فامتداد آثار هذه الأعمال أشبه بالورم السرطاني الذي يتوغل في جسم المريض، وهو كذلك بالنسبة لآثار هذه الأعمال من استنزاف موارد الدولة الإسلامية سواء في مواجهة هؤلاء, أو في توفير الأمن للمستهدفين من قبلهم، إضافة إلى ما يترتب على افتقاد الأمن من إحجام أصحاب المشروعات الكبيرة من المستثمرين عن القيام بمشروعات في هذه البلاد, أو ربما دفعهم لتقليص حجم أعمالهم واستثماراتهم, وهذا بلا شك يؤدي إلى ضعف اقتصاد الدول الإسلامية التي تتعرض لمثل هذه الأعمال وهو مما يصب في مصلحة أعدائها.
(5) إفساح المجال لمؤسسات التنصير كرد فعل لغلق وتحجيم المؤسسات الإسلامية:
وهذا واقع مشاهد؛ حيث استغل الأعداء هذه الأعمال لإلصاق التهم بكل عمل خير، وتعرضت مؤسسات لطالما أنقذت آلافًا من المسلمين الفقراء في أنحاء العالم من براثن التنصير والمنصرين الذين يستغلون فاقتهم وعوزهم وفقرهم ليردوهم عن دينهم، عندما ينفردون بهم, ويقدمون لهم مع الخبز ما يردهم عن دينهم، ومع افتقادهم للعون والمساعدة من إخوانهم من خلال المنظمات الخيرية وقع هؤلاء ضحية لهذه الأعمال بصورة غير مباشرة!!
ولم تكن هذه هي الخسارة الوحيدة لهذه المنظمات الخيرية الإسلامية، وإن كانت لكافية، بل لقد كان لهذه المنظمات دور رائد وأثر بالغ في تعليم المسلمين إسلامهم ودينهم وتبصيرهم بعقيدتهم، ناهيك عن دورها في الداخل من تجميع وتوجيه أموال الزكاة والصدقة وجهة نافعة مفيدة كل ذلك أضاعته أمثال هذه الأعمال وما تبعه من ضغوط كبيرة لحلها وتحجيمها بدعوى محاربة الإرهاب ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثانيًا: المفاسد المستقبلية المتوقعة:
(1) توسيع الفجوة بين العلماء وشباب الأمة ليضيع الشباب بين الشبهات والشهوات:
هذه الأحداث كان لها صدى كبير في إيجاد فجوة بين بعض الشباب وبين العلماء, نتيجة ممارسات وشبهات واتهامات بغير حق طرحها البعض, مستغلاً الثورة المعلوماتية وسهولة بث أي شيء عن أي شيء من خلال ما يعرف بالإنترنت، ويخشى أن يستغل الأعداء هذه الأعمال لتوسيع تلك الفجوة بين الشباب والعلماء, وهو ما يترتب عليه فساد كبير, وخسارة للأمة عظيمة عندما يضيع شبابها الذين هم عدتها, بين شهوات تبث عليهم ليل نهار وشبهات لا تقل خطرًا ولا تدميرًا عن تلك الشهوات.
(2) إيجاد الذرائع لمزيد من العدوان والتسلط على الإسلام وأهله عمومًا:
جاء في بيان هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية([10]) ما يشير إلى ذلك في قولهم: "ثم ليعلم الجميع أن الأمة الإسلامية اليوم، تعاني من تسلط الأعداء عليها من كل جانب، وهم يفرحون بالذرائع التي تبرر لهم التسلط على أهل الإسلام، وإذلالهم واستغلال خيراتهم، فمن أعانهم في مقصدهم وفتح على المسلمين وبلاد الإسلام ثغرًا لهم فقد أعان على انتقاص المسلمين، والتسلط على بلادهم وهذا من أعظم الجرم".
وما كان أعداء الإسلام ليضيعوا هذه الفرصة دون اغتنامها واستغلالها على الوجه الأمثل الذي يحقق أهدافهم وأطماعهم في بلاد الإسلام والمسلمين، وكما قلنا لم يكن أثر ذلك قاصرًا على بلد دون آخر، بل لقد جرأهم ذلك على التدخل في ثوابت الأمة وعقيدتها لتغييرها بزعم محاربة الإرهاب وقمع أصحاب هذا الفكر.
(3) انتشار البدع والشبهات ومحاربة السنة بحجة محاربة فكر الإرهاب:
استغلت طائفة العلمانيين تلك الممارسات الخاطئة أبشع استغلال, لتُغيِّب كثيرًا من ثوابت الأمة ومسلماتها, مما لم يكن يخطر ببال أحد أن تتخلى عنها، لكن أمثال هذه الممارسات وما أفرزته في الواقع من ثقافة الخوف من الغلو والعنف والتطرف, هو الذي مكن لهؤلاء تمرير مخططاتهم في تغييب الأمة عن عقيدتها وثوابتها حتى أصبحت السنة عندهم غلوًّا وتطرفًا، وانتشرت البدع والأهواء والشركيات, في ظل خفوت وتغييب صوت أهل الحق والعلم.
والمتأمل في كتابات البعض وحديثهم في هذه الآونة التي تلت تلك الأحداث يدرك هذا الأمر جيدًا، ويرى بين الرماد وميض نار يخشى أن يكون لها ضرام.
‗۩‗°¨_‗ـ المصدر:#منتدي_المركز_الدولى ـ‗_¨°‗۩‗