الاشارات النفسية عند ابن عطاء الله السكندرى
الاشارات النفسية عند ابن عطاء الله السكندرى )
( كيف يشرق قلب صور الاكوان منطبعة فى مرآته ..ام كيف يرحل الى الله و هو مكبل فى شهواته .. ام كيف يطمع ان يدخل حضرة الله .. و هو لم يتطهر من جنابة غفلاته .. ام كيف يرجو ان يفهم دقائق الاسرار و هو لم يتب من هفواته )
جعل ابن عطاء ان ما يصيب الفرد من هم و كدر و عدم اشراق القلب ناتج من امراض الغفلة و الهوى .. ففى هذه الحكمة جعل الشهوات مصورة و منطبعة فى القلب فصارت مكونا اساسيا منع القلب من الاتجاه الى الله .
فاصابت صاحبها بالغفلة فانشغل بصور الاكوان غافلا عن مكون الاكوان ..اذن هى الغفلة عن الله الذى بيده الخلق و الامر كله و تلك المعصية بايثار الهوى على الله و ظهور اعراض مثل الكدر و الكسل و قسوة القلب و ضيق الصدر و فقدان حلاوة الطاعات و استيلاء دولة الهوى .
و تكلم عن امراض ستة و شرح اعراضها و هى :
- خوف الفقر : و ذكر ادخار الظالمين و هم المدخرون بخلا و استكثارا و الممسكون للتفاخر و المستولى الشره على نفوسهم و هم فقراء ان كانوا اغنياء و اذلة و ان كانو اعزة فهم من الدنيا لا يشبعون و لم يبقى فى قلوبهم متسع لوعى حكمة او استماع لموعظة .. و اوصى من يرى هؤلاء ان يحمد الله على ما ابتلى به غيره و يشكره ان عافاه .
و ادخار المقتصدين هم لم يدخروا استكثارا و لا افتخارا لكنهم علموا من نفوسهم الاضطراب عند الفقر و تشوش ايمانهم لضعفهم عن حال المتوكلين و عجزهم عن مقام اليقين ... و ادخار السابقين الذين سبقوا الى الله لتخلص قلوبهم مما سواه و لم تشغلهم عن الله العلائق .. و فهموا قول الله " يوم لا ينفع مال و لا بنون ( 88 ) الا من اتى الله بقلب سليم(89) " الشعراء
و ان القلب السليم هو الذى لا تعلق له بشئ دون الله عز وجل .. و ذكر ان هؤلاء و ان ادخروا لا يكونا على ما ادخروا معتمدين بل توكلهم على ادخار الله لهم .
- خوف الخلق : يستدل ابن عطاء بقول شيخه ابو الحسن ان اكثر ما حجب الخلق عن الله شيئان همُ الرزق و خوف الخلق ..فكلما عظمت هيبة الله فى صدور اوليائه لم يهابوا معه غيره حياءا منه تعالى ان يخافوا معه سواه .. فالذى يخاف الله يتحرر قلبه من كل ما سواه .. و لن يخاف غير الله الا لمرض فى قلبه ..
" فلا تخافوهم و خافونِ ان كنتم مؤمنين " (175) آل عمران
- نهم النفس و الطمع : من حرره الله من رق الطمع و اعزه بوجود الورع فقد اجزل عليه منته و و كمل عليه نعمته ..فان الله قد كسى المؤمن الايمان و المعرفة و الطاعة فلا يجب ان تدنس بالطمع فى المخلوقين و الاستناد لغير رب العالمين .
و ذكر عن شيخه اقواله ان الخلق قسمين .. اعداء و احباء .. فالاعداء لا يستطيعون ان يشوكنى بشوكة لم يردها الله لى ..و الاحباء لا يستطيعون ان ينفعونى بشى لم يرده الله لي .. فيأست منهم و تعلقت بالله و علمت ان احدا لن يعطينى غير ما قسم الله لي .. و ان ليس العبد بكثرة عمله و لا مداومة ورده .. انما غناه بربه و انحباسه اليه بقلبه و تحرزه من رق الطمع و تحليه بحلية الورع .. و بذلك تحسن العمال و تزكى الاحوال .
و قيل للحسن البصرى ما ملاك الدين ؟ قال الورع .. فقيل له و ما فساد الدين ؟ قال الطمع .
- همُ الرزق : قال ان هم الرزق احد الحجابين عن الله مع الخوف من الخلق ..لكنه اشد الحجابين .. فان اكثر الناس قد يخلو من خوف الخلق لكن لا يخلو من همُ الرزق .. واصفا اياه انه التفكر و التدبير فى تحصيل الرزق حتى يتردد هذا على قلبه فلا يدرى ماذا صلى او ماذا تلى ..فتتكدر عليه الطاعة و يحرم انوارها .. ثم يوصى للخروج من هذا باليقين بالله و العلم ان الله قد تولى تدبير امره من قبل ان يكون .. و ان رزقك اتيك كما سياتيك اجلك .
- الشح و البخل : سببهم عدم اليقين و عدم الثقة.. فقال تعالى " و من يوق شح نفسه فاولَئِك هم المفلحون " ( 16 ) التغابن
و قسمه ابن عطاء لثلاثة اقسام .. اولهم البخل عن البذل لله و ايتاء الزكاة او القيام بحق عن الوالدين او الاولاد و الازواج .. ثانيهم ايتاء الزكاة فقط و عدم بذل المزيد و هو حال لا ينبغى ان يكون للمؤمن المعتنى باصلاح شأنه مع الله .. و ثالثهم ان تبخل بنفسك ان تبذلها لله ..فان بذل النفس من اخلاق الصديقين و افضل وجوه الانفاق ..فالبخل بها هو اقبح الوجوه .
- الفتنة : و هى الأسى على فقد شئ .. و سماها بالفتنة لان اختبار ايمان المؤمن يكون بالفقد و فى الفقد يظهر احوال الرجال ..و يدلل بقول الحق " لكى لا تأسو على ما فاتكم و لا تفرحوا بما اتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور " (22) الحديد .
فمن وجد الله لن يفقد شئ دونه حتى يأسى عليه .. و قد ذم الله من يسكن للاشياء حين وجودها و يحزن عند فقدها ..فلو فهم لما اطمأن بشئ دون الله ..فلو عرف الله.. اغناه وجوده عن كل شئ .
" و من الناس من يعبد الله على حرف فان اصابه خيرا اطمأن به و ان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا و الاخرة ذلك هو الخسران المبين " (11) الحج
منقول بتصرف : أ.د.حمدى فؤاد مصيلحى
رئيس قسم الطب النفسى
جامعة الامارات العربية المتحدة
《
#منتدى_المركز_الدولى》